الرصاصة السحرية والعلاج متعدد الأهداف
العلاج متعدد الأهداف
الرصاصة السحرية!
أثناء تصميم العلاج لمرض ما، يقوم العلماء أولًا بتحديد الهدف الذي سيُصيبه الدواء، عادةً ما يكون الهدف عبارة عن بروتين (كالإنزيمات مثلًا) يختلُّ عند حدوث المرض، أو بروتين أساسي مُسبب للمرض، أو بروتين ذو أهمية كبيرة في الجرثومة (مثلًا) المُسببة للمرض.
Zauberkugel
وهي كلمة تعني (الرصاصة السحرية) في اللغة الألمانية. مبدأ مُتَّبع وموثوق به من قبل علماء الدواء، وهو المبدأ الذي أوجده العالم باول أرليش، العالم الألماني الحاصل على جائزة نوبل عام 1908 في الطب.
حيث إنه كما تُصيب الرصاصة الواحدة هدفًا واحدًا بعينه، فإنه من الممكن إصابة الجسيم المُسبِّب للمرض، أو إصابة البروتين بمركب دوائي واحد أيضًا.
(اللدونة الدوائية)
هي مصطلح جديد تمَّ تقديمه إلى مجال الأدوية، ويمثِّل المعوِّقات التي تَحول دون مبدأ الرصاصة السحرية، ففي جسم الإنسان عوامل كثيرة، تؤدي إلى تغيير الأهداف التى يتوجَّه إليها الدواء (الرصاصة) فيُصبح بذلك الدواء غيرَ فعَّال.
في هذا المقال وما يليه من مقالات نَستعرض بطريقة مُختصرة جدًا وسهلة الفهم للقارئ بعض العوامل التي تؤدي إلى اللدونة الدوائية، ونتناقش كيف يستطيع علماء الأدوية أن يتغلَّبوا على هذه المشكلة من خلال (العلاج متعدد الاهداف) في شكل سلسلة.
أول مشكلة: الهدف المتغير 🙂
في الحقيقة، أحيانًا لا يكون الهدف ثابتًا، فلا تُعطي الرصاصة السحرية مفعولها جيدًا. إذ يكون الهدف أحيانًا متغيرًا أو متحركًا.
فمن الممكن أن يتحرك الهدف المقصود إصابته من عضو إلى عضو، أو أن يتمَّ إنتاجه بمعدلٍ منخفض لوجود اختلاف جينيّ ما في المريض، أو أن يَثبُت الهدف بالفعل، ولكن يتمُّ تحويره، كما تفعل بعض الميكروبات، وينتج عن ذلك المشكلة الكبيرة المعروفة بـ(مقاومة المضادات الحيوية)، ولا يتم التحوير فقط من قِبَل الميكروبات، فمن أشهر الخلايا القادرة على تحوير الأهداف المقصودة هي خلايا السرطان، كما أن التقدم في العمر وحدوث الطفرات يتسببان في ذلك أيضًا، فتنطلق الرصاصة ولا تجد ما تصيبه، وإذا ذكرنا الطفرات المؤدية إلى فشل العلاج، كان من الواجب علينا ذكر الفيروسات.
الفيروسات ملوك في إحداث الطفرات، إذ يقوم الفيروس دائمًا بتحوير شفرته الوراثية (يُحدِث طفرات) ليهرب من العلاجات واللقاحات المختلفة.
ومن الأمور المستخدمة لتجنب هذه المشكلة هي استخدام العلاج متعدد الأهداف، أي لا تطلق رصاصة واحدة على أنزيم واحد مُسبب المرض. إنما تستهدف عدة أنزيمات فيه، كل أنزيم تحاول إصابته برصاصة مختلفة عن الأخرى.
العمليات داخل الكائنات الحية كخط سير آلات، كل آلة تمثل أنزيمًا مثلًا. وأنت تنوي تعطيل هذا المعمل (الخلية المطلوب تعطيلها) ففي العلاج متعدد الأهداف، بدل أن تصيب آلة واحدة في ذلك الخط، تصيب عدة آلات معًا.
ومن الأمثلة على ذلك علاج الايدز بطريقة الHAART therapy اختصارًا لـHighly
Active Anti‐Retroviral Therapy
وتتضمن الطريقة استخدام أكثر من عائلة من عائلات المضادات الفيروسية، وأثبتت فاعيتلها بالفعل, وقللت من معدَّل الطفرات في الفيروس ومكَّنت المرضى المصابين (مرضى مزمنين) من العيش بصورة عادية.
وسنناقش الأدوية المختلفة وأهدافها المختلفة في علاج الايدز، بطريقة مُبسَّطة في المقال القادم بإذن الله.