جامعة سانكور في تمبكتو
جامعة سانكور في تمبكتو
إن إنجازات جامعة سانكور في مجال التعليم العالي ذات أهميّة بالغة للحضارة الإسلامية، على الرغم من أنها كانت أقل شهرة من نظيراتها من الجامعات كجامعة الأزهر، وجامعة القيروان، وجامعة القرويين، وجامعة قرطبة.
ويقال إن هذه الجامعة كانت مفخرة للمجتمعات الإفريقية في جميع أنحاء العالم؛ إذ كانت مؤسسةً فكريةً عظيمةً يعود تاريخها إلى الحضارات في مالي وغانا وسونغهاي -خاصة خلال الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلادي- وغالبًا ما يشار إلى جامعة تمبكتو باسم “جامعة سانكور”، على الرغم من وجود جامعتين غيرها في تمبكتو؛ هما: جامعة “جينغاراي بير”، وجامعة “سيدي يحيى”.
تقع جامعة سانكور في منطقة شمال شرق تمبكتو، داخل مسجد سانكور الذي تأسس عام 989م في تمبكتو، على يد رئيس القضاة -العلاّمة القاضي- عاقب بن محمود بن عمر، الذي قام ببناء الفناء الداخلي للمسجد لتماثل الأبعاد الدقيقة للكعبة في مكة، وقد قامت سيدة غنية من ماندينكا بتمويل جامعة سانكور مما جعل منها مركزَ التعليم الرائد، فازدهرت جامعة سانكور وأصبحت مركزًا مهمًا جدًا للتعليم في العالم الإسلامي، خاصة في عهد مانسا موسى (1307-1332)، وأسرة أسكيا (1493-1591).
لم يكن لدى جامعة سانكور إدارة مركزية، وإنّما كانت تتألف من عدة مدارس أو كليات مستقلة تمامًا، فيدير كلاً منها سيد واحد (باحث أو أستاذ)، وكانت تعقد الدروس في ساحات المساجد المفتوحة أو المساكن الخاصة، وقد تضمن الموضوع الرئيس الذي يُدَرّس في الجامعة: الدراسات القرآنية، والإسلامية، والقانون، إلى جانب الأدب. وشملت المواضيع الأخرى الطب والجراحة، وعلم الفلك، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والفلسفة، واللغة واللسانيات، والجغرافيا، والتاريخ، وكذلك الفن. ومما اشتُهرت به جامعة سانكور قضاء الطلاب بعض الوقت في تعلم التجارة إلى جانب القانون التجاري وأخلاقيات المهنة، وقد عرضت المحال التجارية الجامعية دروسًا في الأعمال التجارية، والنجارة، والزراعة، وصيد الأسماك، والبناء، وصناعة الأحذية، والخياطة، والملاحة، وما إلى ذلك.
ازدهرت جامعة سانكور وأصبحت مركزًا مهمًا جدًا للتعلم في العالم الإسلامي، حتى قيل إن الحرية الفكرية التي تتمتع بها الجامعات الغربية مستوحاة من جامعات مثل تلك الموجودة في سانكور وقرطبة. لقد كان حفظ القرآن وإتقان اللغة العربية إلزاميًا للطلاب، إذ كانت اللغة العربية هي اللغة المشتركة للجامعة، كما كانت لغة التجارة والمبادلات التجارية في تمبكتو، باستثناء عدد قليل من المخطوطات المكتوبة بلغة سونغهاي ولغة أعجمية أخرى، فإن جميع المخطوطات المتبقية البالغ عددها سبعين ألف مخطوطة -التي يعتقد أن أصلها من جامعة سانكور- باللغة العربية، وقد نشرت مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن قائمة بهذه المخطوطات التي يمكن العثور عليها في مجموعة تتكون من خمسة مجلدات في مكتبة أحمد بابا.
تشير التقارير إلى أن المستوى الأعلى أو “الأجدر” (المعادل لدرجة الدكتوراه) استغرق نيله من الطّلاب عشر سنوات، وكان على الخريجين ارتداء العمامة التقليدية خلال حفل التخرج؛ لتمثيل اسم “الله” الذي يعتقد المسلمون أنه يرمز إلى النور الإلهي والحكمة والمعرفة والسلوك الأخلاقي الممتاز، كما كان على الخريجين إظهار شخصية ممتازة، تهتم بالقيم والتعاليم الإسلامية قبل تلقي دعوة التخرج.
وعلى غرار الجامعات الإسلامية الأخرى، منَحت جامعة سانكور القبول للطلاب من خلفيات متنوعة، ففي قرابة القرن الثاني عشر، سجِّلَ التحاق نحو خمسة وعشرين ألف طالب بالجامعة، في مدينة يبلغ عدد سكانها مئة ألف شخص، واشتهرت الجامعة بمعاييرها العالية ومتطلبات القبول، وقد أنتجت بدورها باحثين عالميين معترفًا بهم من خلال منشوراتهم وشهاداتهم؛ نقلاً عن الكاتب الفرنسي فيليكس دوبوا في كتابه (تمبكتو الغامضة) حيث قال:
“إن علماء (تمبكتو) لم يمُتُّوا بأَيِّ صلة للقديسين في أماكن الإقامة في الجامعات الأجنبية بفاس وتونس والقاهرة، لقد أذهلوا بسعة اطّلاعهم أكثر رجال الإسلام تعلمًا، وقد ثبت أن هؤلاء الزنوج كانوا بمستوى النّوابغ العرب نفسه بدليل أنهم جرى تعيينهم أساتذةً في المغرب ومصر، وعلى النقيض فإن العرب لم يكونوا دائمًا نِدّا لمتطلبات سانكور”. (فيليكس دوبوا)
إن أشهر علماء تمبكتو هو العالم أحمد بابا السوداني (1564-1627) -المستشار الأخير لجامعة سانكور- الذي كتب أكثر من ستين كتابًا في مواضيع مختلفة، كالقانون، والطب، والفلسفة، وعلم الفلك، والرياضيات، وما إلى ذلك. كان أستاذًا وفقيهًا لا مثيل له، فقد كان إمامَ عصره، ولكنه رُحِّلَ قسرًا إلى فاس، وأُتلِفت معظم أعماله أثناء الغزو المغربي في عام 1593م.
ومن الشخصيات المشهورة الأخرى القادمة من سانكور: محمد باجايوجان السوداني الونغاري التمبوكتي -الذي حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر أثناء زيارته للقاهرة في طريقه إلى الحج- وموديبو محمد الكبوري، وأبو العباس أحمد بوريو بن، وإغ محمد بن عتمان، أبو عبد الله، وأغ محمد بن المختار النواهي، وقد انتمى معظم هؤلاء العلماء إلى مدرسة المذهب المالكي، وقد كان عدد كبير منهم خرّيجين من مؤسّسات تعليمية أخرى في فاس، وتونس، والقاهرة، ومكة، في تاريخ سانكور المبكر.
لا تزال جامعة سانكور تعمل، ولكن بالقليل من الموارد، حيث يحتاج العالم الإسلامي واليونسكو إلى دعمها والحفاظ على ما كان في يوم من الأيام أكثر المؤسسات التعليمية روعة، والتي ساهمت بشكل كبير في حضارتنا الحالية.
لمراجعة التطور التاريخي لجامعة سانكور، يرجى الاطلاع على جدول زمني للفترة من 900 إلى 1960م.
المصدر :
https://muslimheritage.com/the-university-of-sankore-timbuktu/?fbclid=IwAR0xf2c3d94WnQI54uFg3UC1yBcawAPFgtgWqtZ2pU14QdhgYm70-J0uQdU