“حالات عوز المناعة”
عندما يضعف جيشك الداخلي
لعلّ معظمَنا يعلم وظيفة الجهاز المناعي في مواجهة العدوى، ومحاربة الكائنات الدقيقة التي تحيط بنا في كل مكان، ولكن في بعض الأحيان يصبح الجهاز المناعي في حالة ضعف، فهذا الولد مصاب بإنتان يكاد يلازمه دون شفاء، وذاك لا يتحمل حتى الإصابة بالزكام. هذا ما يحدث عندما يتضرر جهازنا المناعي، ويصبح عاجزًا عن حمايتنا، والمعروف بعوز المناعة. لا بد أنك تقصد الإيدز! لا، هنالك الكثير من المسبّبات الأخرى.
وهو ما سنتناول الحديث عنه في مقالنا..
أولًا: لنأخذ لمحة بسيطة عن بعض أساسيات الجهاز المناعي:
- يقوم نقي العظم، بتصنيع الخلايا اللمفاوية (إحدى أنواع خلايا الدم البيضاء) التي تساعد الجسم في مواجهة البكتيريا والفيروسات والطفيليات المختلفة، ولا يقتصر دورها على محاربة الكائنات الدقيقة فقط، لكنّها تواجه أيضًا الخلايا السرطانية.
- تتكون الخلايا اللمفاوية بدورها من مجموعتين كبيرتين:
- الأولى: هي الخلايا اللمفاوية البائية، تقوم بإنتاج الأجسام المضادة لمحاربة الأجسام الغريبة.
- الثانية: هي الخلايا اللمفاوية التائية، تعمل على قتل المِكروبات والخلايا السرطانية.
وفي حالة ضعف المناعة يحصل خلل فيما سبق، قد يكون منذ الولادة، لكن قد تكون حالة الضعف المناعي خامدةً لفترة من الزمن، حيث لا تظهر أية أعراض، وفي أحيان أخرى تكون الحالة المرضية شديدة حيث تظهر الأعراض وتكشف عن نفسها سريعًا بعد الولادة.
ثانيًا: ما حالات عوز المناعة؟
تنقسم حالات نقص المناعة إلى صنفين كبيرين هما حالات نقص المناعة الأولية، وحالات نقص المناعة الثانوية، وفيما يلي سنتناول كل منهما بإيجاز:
1- حالات نقص المناعة الأولية:
وهنا يولد الطفل بخلل في الجهاز المناعي، أو قد يظهر ذلك الخلل بعد الولادة بفترة نتيجة أسباب وراثية.
– أنماط عوز المناعة البدئية:
– عيوب المتممة
– عيوب الخلايا T
– عيوب الخلايا B
– عيوب مشتركة في الخلايا T وB
– عيوب العدلات، والوحيدات، والخلايا القاتلة الطبيعية NK.
جميع الخلايا المذكورة سابقًا هي جنود في الجهاز المناعي، لكلٍ منها دوره. وهي مصممة لتمارسَ هذا الدور.
وفي الحقيقة، تلك عناوين عريضة فقط للحالات، ويوجد تحت كلٍ منها حالات مختلفة. حيث يوجد من تلك الحالات الأولية ما يقرب من مائة حالة، من أهمها:
– X Linked Agammaglobulinemia (XLA):
عوز غاما غلوبيولين الدم المرتبط بالصبغي X
وهي حالات وراثية تنشأ نتيجة طفرة جينية (متنحية) مرتبطة بالصبغي X، ولذلك فهي تظهر دائمًا في الذكور. تنشأ تلك الحالة نتيجة خلل في تكوين الخلايا اللمفاوية البائية، وبالتالي عدم قدرتها على تصنيع الأجسام المضادة لمحاربة المِكروبات المختلفة، ويكون المُصاب أكثر عرضة للإصابة بالعدوى المختلفة.
تظهر الأعراض غالبًا بعد ستة شهور من الولادة، حيث يكون الرضيع في تلك الفترة يعتمد على المناعة السلبية المكتسبة من الأم عن طريق المشيمة والحليب، ولكن بعد الشهر السادس من الرضاعة، يعتمد الطفل على جهازه المناعي في محاربة المِكروبات المختلفة، ونظرًا لخلل الخلايا البائية وعدم إنتاج الأجسام المُضادة، يعاني الطفل من العدوى المختلفة مثل التهاب الحلق، والتهاب الأذن الوسطى، وغيرها.
لذلك لدى هؤلاء الأطفال اعتبارات خاصة في اللقاحات المقرر إعطائهم إياها، وتحتاج دومًا لاستشارة الطبيب المختص.
- العوز المناعي الشائع المتغير Common Variable Immunodeficiency (CVID)
- عوز المناعة الشديد المركب Severe Combined Immunodeficiency (SCID)
وغيرها.
2- حالات نقص المناعة الثانوية:
وهي حالات تنشأ في غالبها نتيجة التعرض لعامل خارجي، كالأدوية مثلًا كما هو الحال في علاج بعض أنواع السرطان ،وأمراض المناعة الذاتية، كذلك زرع الأعضاء أو بعض أنواع العدوى خاصة الفيروسية وعلى رأسها فيروس الإيدز HIV،
ومن الأمثلة أيضًا على بعض العوامل التي تضعف الجهاز المناعي: الحروق، الكحول، ومرض السكري.
- ومن أشهر أمثلة حالات عوز المناعة الثانوية:
◾️ مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)◾الخباثات: الورم النقوي المتعدد MM واللمفوما والابيضاضات.
ثالثًا: لكن ما هي الأعراض في حالات عوز المناعة؟؟
لكل حالة من حالات العوز المناعي الأعراض الخاصة المُميزة لها، ولكن تشترك معظم الحالات في مجموعة الأعراض التالية:
– عدوى الجهاز التنفسي: ذات رئة، وعدوى في الطرق الهوائية.
– الإنتانات المختلفة وعدوى بالأعضاء الداخلية.
– اضطرابات الجهاز الهضمي: كفقدان الشهية، والغثيان، والإسهال.
رابعًا: هل من علاج لهذه الحالات؟
يتضمن العلاج عدةَ استراتيجياتٍ، منها:
– علاج العدوى، والحماية منها.
– العلاج المناعي لتعزيز الجهاز المناعي: ويتضمن العلاج بالأجسام المضادة والانترفيرونات.
– زراعة نقي العظم في بعض الحالات: وما زالت الأبحاث مُستمرةً حول حالات العوز المناعي، وعن استغلال الخلايا الجذعية في علاجه.
خامسًا: بعض النصائح للحفاظ على كفاءة الجهاز المناعي:
- النظافة الشخصية، وغسل اليدين قبل تناول الطعام، وبعد استخدام الحمام.
- العناية بالأسنان وتنظيفها مرتين -على الأقل- يوميًا.
- ممارسة الرياضة.
- أخذ قسط كافٍ من النوم.
- التخلص من التوتر والقلق.
- الحرص على تناول اللقاحات المناسبة، ويمكنك الاستعانة بطبيبك في ذلك الأمر.
دمتم بصحة وعافية وحمدٍ لله على أن أنعم علينا بهذا الجهاز، والذي إن حصل خللٌ بسيط فيه عانينا من مشاكل. فنفهم قوله تعالى: {{وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها}} [إبراهيم: 34]. فهذه إحدى نعم الله وتحتاج الكثير للحديث عنها.
إعداد: د.أسامة خطاب
مراجعة: د. بلقيس عبد الرحمن
تدقيق: هيثم عكيلة