حينما تتحول المشكلة إلى حل, الفطريات أنموذجاً، حلٌ جديد لمشاكل الخرسانة
لا تخفى على أحد الأهمية المحورية للبنية التحتية في حياتنا اليومية؛ فمن طرق نمشي عليها، وجسور وأنفاق نعبرها، إلى أبنية نعيش ونعمل فيها، وسدود تؤمن لنا الماء والكهرباء، وليس سراً أن البنية التحتية تحتاج إلى صيانة مستمرة لضمان استمرار إمكانية استغلالها بأحسن وجه ممكن .
تتعرض الهياكل الخرسانية إلى مشاكلَ كثيرة نتيجةً حتميةً للتغيرات الخارجية في محيطها أو التفاعلات الكيميائية في تركيبها، ومن أبرز تلك المشاكل: الشروخ، والتي ترجع إلى أسباب كثيرة، منها : زيادة كمية الماء في الخلطة الخرسانية، و التصلّب السريع للخرسانة بعد صبها، والتغير المفاجئ والكبير في درجات الحرارة .
تلك الشروخ تسمح للرطوبة بالتسلل إلى داخل الخرسانة مما يؤدي إلى صدأ حديد التسليح وتآكله، والذي يؤدي بدوره إلى تعرية قضبان الحديد نتيجة انفصال الخرسانة المحيطة بها .
إن أعمال الصيانة المستمرة تطلب وقتاً وجهداً وتكلفة؛ لذلك ومنذ عام 2013، جرت محاولات ابتكار حلول تجعل الخرسانة تقوم بصيانة شروخها بنفسها، تلك الفكرة مستوحاة من آلية التئام الجراح والأنسجة في الجسم، وكما أنه قد يحتاج بعض الجرحى إلى تناول أغذية معينة لتسريع التئام جراحهم.. فبنفس الطريقة، هل يمكننا توفير مواد مناسبة لملء الشروخ الخرسانية حين حدوثها؟
تمكن باحثون من جامعة بينغهامتون (Binghamton University) وجامعة روتجرز (Rutgers University) في الولايات المتحدة من الوصول إلى شيء ربما يحول تلك الفكرة إلى واقع؛ إنه نوع من الفطريات يسمى (Trichoderma reesei)، وقد تم التوصل إليه بعد اختبار ما يقارب 20 نوعاً من الفطريات بحثاً عن نوع يتلائم مع الظروف القاسية للخرسانة .
من المقترح إضافة أبواغ تلك الفطريات إلى الخلطة الخرسانية حتى تصبح جزءاً منها بعد أن يتم تحضيرها معمليًا لتتناسب مع ظروف الخرسانة ولضمان عدم تأثرها بماء الخلطة، وحينما تبدأ الشروخ بالتكون، وتتسلل الرطوبة من خلالها، تنمو تلك الأبواغ التي تكون خاملة في الأصل، وتبدأ بتكوين كربونات الكالسيوم والتي بدورها تسد الشروخ، وإذا ما اكتمل انسداد الشروخ فإن الفطريات تعاود إنتاج الأبواغ من جديد، لتتكرر نفس العملية في حال تكرار حدوث شرخ. ومن الممكن إضافة غبار السيليكا والرماد المتطاير إلى التركيبة للتقليل من قلوية الخرسانة، ما يعني أن تظل الأبواغ خاملة مدةً أطول، فتطول صلاحيتها، وتضمن متانة الخرسانة، وعدم وصول الماء إلى حديد التسليح، والحفاظ عليه من الصدأ .
ومما يجدر الإشارة إليه، أنّ هذا النوع من الفطريات ليس ممرضاً ولا آثارَ سلبيةً له على صحة الإنسان، وله استخدامات كثيرة في المجالات الصناعية، لكنه لا يزال في المراحل الأولية من اختبارات استخدامه في الخرسانة، ولعله يكون حلاً واعدًا واقتصاديًا لمثل هذه المشكلة.