عَنفات الرياح
عَنفات الرياح
نكمل معكم في سلسلة مقالاتنا عن العَنفات (التوربينات).
عرضنا في المقالات السابقة التوربينات التي تعمل بتأثير الماء، واليوم سنقدم عرضا موجزا للتوربينات الهوائية.
يمكن تقسيم العنفات حسب اتجاه محورها الدوّار؛ فتوجد عنفات أفقية المحور، وأخرى عمودية.
يكون محور العنفات أفقية المحور أفقيا -كما يدل على ذلك اسمها- وتكون العنفات مواجهة للرياح. تُوجه العنفات صغيرة الحجم بدفة تُثبت من الخلف أما الكبيرة، فيديرها محرك كهربائي متصل بمجسات تقيس اتجاه الهواء.
وتحتوي غالبية العنفات الهوائية على مبدل سرعة يحول دوران العنفات البطيء إلى دوران سريع مؤات لمولد الكهرباء.
ومن المعروف أنه كلما ارتفعنا عن سطح الأرض؛ زادت سرعة الهواء؛ لأن احتكاكها بالأرض يخف؛ لذلك نلاحظ أن بعض العنفات أفقية المحور قد يصل ارتفاعها الى 160م، وهذا ما يزيد من قدرتها على إنتاج الطاقة الكهربائية. بالمقابل، فإن إنشاء توربين بهذا الحجم يحتّم تصميم بنية قوية لحامل العنفات، ويمكن أن يزيد من وزن العنفات نفسها؛ لذلك فمن الضروري صناعة عنفات بأقل وزن وأكثر صلابة ممكنة؛ لتتمكن من الصمود أمام سرعات الهواء العالية، وإلا تعرضتْ للانحناء، وزاد الارتجاج، وانخفضت كفاءة التوربين.
بالاضافة إلى الارتجاج، فإن انحناء العنفات سيؤدي إلى انخفاض المساحة المواجهة للهواء مما يعني انخفاض الكفاءة، وهذا عكس الهدف الذي أنشئ التوربين لأجله. إذن، فمن أجل زيادة كفاءة التوربين، علينا تصميم العنفات بأفضل شكل خارجي ممكن يساعد في استخراج أكبر قدر ممكن من طاقة الهواء، وتصميم داخلي يساعد على تخفيف الوزن وزيادة الصلابة في آن واحد.
بالاضافة الى كل هذه العقبات التي تواجه العنفات أفقية المحور الكبيرة، علينا ألّا ننسى الأمور الإدارية التي تطلب موافقة السلطات المحلية على إنشاء هذه التوربينات. ومن هنا كان التوجه إلى العنفات الصغيرة، لكن كما في كل الآلات الميكانيكية، توجد صعوبات تواجه هذه النوع من العنفات.
يمكننا تحديد زاوية العنفات في العنفات الكبيرة؛ عندما يكون الدوران بطيئا، ثم تغييره كلما زادت السرعة. ولكن هذا ليس ممكنا في العنفات الصغيرة؛ لذلك علينا أن نجد المزيج الأفضل من زاوية العنفة وطولها وانحنائها، ويمكننا فعل ذلك بطريقة الخوارزمية الجينية (genetic algorithm).
حديثا، خرج تصميم جديد لآلة تنتج الكهرباء من الرياح دون عنفات. تعتمد هذه الآلة على اضطراب الهواء(turbulence) الناتج عن اصطدامه بما يشبه قمعا رفيعا مقلوبا قاعدته في الأعلى ورأسه في الأسفل موصول بمحرك. واضطراب الهواء يؤدي إلى ارتجاج القمع، والمحرك يحول هذا الارتجاج إلى طاقة كهربائية. وما يميز هذا التصميم عن التصميم التقليدي إنه لا يحتاج إلى الحفاظ على مسافة معينة بين التوربينات؛ فيمكننا زرع عدد آلات من هذا التصميم الجديد في أحد الحقول أكثر بكثير من التصميم القديم.
وأوّل عنفة رياح رأسيّة المحور عرفت، كانت في خراسان ما بين القرن الأوّل إلي الرابع الهجري، وهي التي تحدثنا عنها في المقال الخاص بتاريخ العنفات.
أنواع عنفات الرياح رأسيّة المحور
عنفة داريوس (Darrieus):
ابتكرها مهندس الطيران الفرنسي “جورج جين ماري داريوس” (Georges Jean Marie Darrieus)، والذي حصل على براءة اختراع في عام 1931 عن عنفة رياح محورها في اتجاه عرضي لاتجاه السريان، وتعد واحدة من أشهر عنفات الرياح رأسيّة المحور، وقد وُجدت محاولة لتنفيذها بأحجام كبيرة في ولاية كاليفورنيا من قبل شركة “فلو ويند” (FloWind)، ولكن الشركة عانت من حالة إفلاس في عام 1997م، وكانت هذه العنفة بمثابة نقطة البداية لدراسات لاحقة لزيادة كفائة العنفات رأسية المحور.
وعنفة داريوس تكون فيها الشفرات رأسية تقع علي محيط العنفة، وتبعد عن محورها، وهذا يجعل غالب كتلة الآليّة الدوّارة تقع على المحيط بدلاّ من القالب، وينتج عن هذا قُوى طاردة مركزيّة كبيرة، مما يتطلب كون الآليّة أقوي وأثقل؛ حتي تتحملها. بدلاً من هذا تصنع الشفرات علي شكل يشبه “مخفق البيض” لتجنب هذه المشكلة، بحيث تكون غالب الكتلة الدوّارة غير بعيدة عن مركز الدوران.
وفي عنفة داريوس تتغيّر زاوية الهجوم (وهي الزاوية بين وتر الشفرة، وبين اتجاه سقوط الرياح) أثناء دوران العنفة، وينتج عن ذلك أن كل شفرة تنتج أقصى عزم لها عند نقطتين خلال الدورة الواحدة (عندما تكون في مقدمّة العنفة، وعندما تكون في مؤخرتها)، هذا يجعل القوة الناتجة عن العنفة خلال الدورة تأخذ شكل منحني جيبي، مما يعقّد عمليّة التصميم.
وعادة ما يكون لعنفة داريوس شفرتين أو ثلاث، ولكن هناك دراسات في الثمانينيات تبين أن ذات الشفرتين كفاءتها تكون أعلى.
وأكبر مثال من هذا النوع أُنشأ في كندا في عام 1986م، بارتفاع حوالي 100 متر، وقطر 60 متر، بقدرة اسميّة 4 ميجا وات، ولكن نظراً للمشاكل الميكانيكيّة، ولضمان تعميرها قُللتْ القدرة إلى 2.5 ميجا وات. وأُغلقتْ في عام 1993م.
عنفة سافونيوس (Savonius)
ابتكرها المهندس الفنلندي “سيجورد سافونيوس” (Sigurd J. Savonius) في عام 1992م، ولكن كانت أوّل محاولة لبناء عنفة من هذا النوع علي يد رجل الأعمال الإلمانيّ “يوهان بيسلر” (Johann Ernst Bessler)، والمولود في عام 1680م، في مدينة فورستنبرغ الألمانيّة في عام 1745م.
وعنفة سافونيوس تعمل بمركبة السحب للرياح، مما يعني أنها لن تدور بسرعة أكبر من سرعة الرياح، إما أن تكون مثلها أو أقل منها، وهذا ما يجعلها غير ملائمة لتوليد الطاقة الكهربائيّة، كما أن كفاءتها منخفضة مقارنة بالأنواع الأخرى؛ مما يجعل استخدامها مقصوراً علي تطبيقات مثل ضخ المياه، وطحن الحبوب.
وتمتاز تلك العنفات بالبساطة وصلابة التصميم، مع انخفاض مستوى الضجيج الناتج عن دورانها، كما يمكنها الدوران عند السرعات المنخفضة للرياح.
عنفة جيروميل (Giromill):
ابتكرها جورج داريوس (Georges Darrieus) في عام 1927م، وتعرف أيضاً بالعنفات ذات الشفرات المستقيمة، إذْ تكون فيها الشفرات مستقيمة ورأسية موازية لبعضها البعض، وتبعد مسافة ما عن مركز الدوران بواسطة دعامات أفقيّة، بحيث يأخذ العضو الدوّار للعنفة شكل حرف ال “H”. ودُرس هذا النوع من العنفات في الثمانينات بواسطة فريق موسجروف (Musgrove) البحثي، في المملكة المتحدة.
في هذه العنفات اُستُبدِلت الشفرات التي تشبه مخفق البيض الموجودة في عنفة داريوس بشفرات مستقيمة، وعادة ما يكون للعنفة شفرتين أو ثلاث، وهذا التصميم المستقيم للشفرات يجعل العنفة أسهل في الإنشاء، ولكن تتطلب شفرات أقوى. وفي هذا النوع من العنفات يُوضع المولد في أسفل البرج، وهذا يعطي إمكانيّة وضع مولد ذو سعة وحجم أكبر من المستخدم في عنفات الرياح أفقيّة المحور، كما أن البرج الحامل للعنفة يمكن أن يكون أخف في التصميم؛ وبالتالي أقل في التكلفة.
وعنفة جيروميل أقل في التكلفة وأسهل في الإنشاء من عنفة داريوس، ولكنها أقل في الكفاءة، كما أنها تتطلب محرك لبدء الحركة.
وهذه العنفات مناسبة للأجواء التي تكون فيها الرياح مضطربة (Turbulent)، إذْ توفر خيارا أفضل في هذه الأجواء، مقارنة بالعنفات أفقيّة المحور.
وفي عام 1989م أُنشئتْ عنفة VAWT-850 في المملكة المتحدة بارتفاع 45 متر، وقطر 38 متر، إذْ تعد أكبر عنفة من نوع جيروميل أُنشئتْ في أوروبا.
وقد رُكّبت في موضع للاختبار بكارمارثين (Carmarthen) في عام 1990م، وظلت تعمل حتي شهر فبراير عام 1991م، عندما كُسرتْ إحدى الشفرات -المصنوعة من الألياف الزجاجيّة- نتيجة خطأ في التصنيع.
وفي التسعينيّات قامة شركة “هايدلبرغ” الألمانيّة (Heidelberg Motor GmbH) بإنتاج وبناء العديد من النماذج من هذه العنفة، بسعة 300 كيلو وات، بمولد مدار مباشرة من العنفة، إذْ كان يوضع المولد في أعلى البرج في بعض العنفات، وفي أسفله في البعض الآخر.
سيكلوتربين (Cycloturbine):
هي تعديل لعنفة جيروميل إذْ يُحاذى فيها الريش مع اتجاه الرياح ميكانيكيّا؛ من أجل الحصول علي أعلى كفاءة، لأن كل ريشة في هذه العنفة قابلة للدوران حول المحور الرأسي لها. وهذه الخاصيّة للعنفة تجعل العزم الناتج ثابت تقريبا خلال زاوية كبيرة من دوران الريشة الواحدة حول محور العنفة، وهذا يجعل العزم الناتج عن العنفات ذات الثلاث أو الأربع شفرات ثابت تقريباً. كما أن هذا العزم الناتج قريب من الحد الأقصى، لذا معدل إنتاج الطاقة في هذا النوع يكون أكبر من عنفات جيروميل.
وبالمقارنة بالأنواع الأخرى من عنفات داريوس؛ يمتاز هذا النوع بإمكانيّة بدء دورانها ذاتيّا عند سرعات منخفضة للرياح، إذْ تُحاذى الشفرات لتكون مسطحة في اتجاه الرياح؛ مما يولد قُوى سحبٍ تعمل على بدء دوران العنفة، ومع ازدياد السرعة الزاويّة للعنفة تتحاذى الشفرات لتكون بمثابة جناح طائرة رأسي في مواجهة الرياح، مما يولد قوى رفعٍ تعمل على تسريع دوران العنفة.
وآليّة تعديل زاويّة الشفرات معقدة وثقيلة، وعادة ما تتطلب تلك العفنات مستشعرات لاتجاه الرياح من أجل محاذاة الشفرات بشكل سليم.
References:
⦁ (Marco D’Ambrosio, Marco Medaglia , Vertical Axis Wind Turbines: History, Technology and Applications 20110 Master thesis in Energy Engineering
مدة القراءة: 5 دقائق