ماذا تعرف عن اقتصاد الفودو
وانتهى سباق الانتخابات الرئاسيّة الأمريكية بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الـ [45]. فماذا يحمل للاقتصاد الأمريكيّ من سياسات؟
ترامب والخفض الضريبيّ:
من بين أكثر المواضيع الاقتصادية الهامة التي تناولها ترامب، موضوع السياسة الضريبية حيث يهدف إلى تخفيضاتٍ ضريبيةٍ تصل قيمتها إلى [4] تريليونات و[400] مليار دولارٍ من خلال:
1. خفض شرائح الضريبة الاتحادية على الدخل من [7] شرائح إلى [3] شرائح فقط، هي [12]% و[25]% و[33]% كحدٍ أقصى مقابل [39.6]% حاليًّا.
2. خفض الضريبة المفروضة على الشركات من [35]% إلى [15]%.
3. إلغاء الضرائب للفرد الذي يقل دخله عن [25] ألف دولارٍ سنويًا.
هذه التخفيضات دفعت كثيرًا من خبراء الضرائب للتحذير من أنها ستخفض بشكلٍ حادٍ إيرادات الحكومة وستؤدي إلى تفاقمٍ خطيرٍ للعجز، وهو ما فصّله التقرير الصادر من مركز السياسة الضريبية، حيث إن برنامج ترامب الاقتصاديّ رغم تخفيضه للضرائب على جميع شرائح المجتمع، إلا:
1. إن أكبر المستفيدين هم ذوو الدّخل المرتفع.
2. إن التخفيضات ستؤدي إلى انخفاض العائدات الفدرالية بـ [9] تريليونات و[500] مليار دولار خلال [10] سنواتٍ من تطبيقها.
3. إنها ستؤدي إلى رفع الدين العام بـ[11] تريليون دولارٍ بعد [10] سنواتٍ، وبأكثر من [34] تريليون دولارٍ بحلول عام [2036] إن لم ترافقها تخفيضاتٌ ضخمةٌ للإنفاق الحكومي.
الاقتصادبيندونالد ترامب ورونالدريغان :
سياسة الخفض الضريبي ليست بجديدةٍ في الاقتصاد الأمريكي فقد سبقها ما يسمى بـ (قواعد ريغان) “Reaganomics” وهو مصطلحٌ يستخدم للإشارة إلى السياسات الاقتصادية لرونالد ريغان، الرئيس الـ [40] للولايات المتحدة [1981-1989]، والذي دعا إلى خفض الضرائب على نطاقٍ واسعٍ، خفض الإنفاق الاجتماعيّ، وزيادة الإنفاق العسكري وتحرير الأسواق المحلية.
هذه السياسات استندت على مبادئ اقتصاديات جانب العرض وما يرتبط بها من نظرياتٍ، والتي ترى أن النقص في الضرائب -خاصة بالنسبة للشركات- تعتبر أفضل وسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، حيث كانت سياسة ريغان الاقتصادية مكونةً من أربعة عناصر تهدف للحد من التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي وفرص العمل، وهي:
1. تخفيض الإنفاق الحكومي على البرامج المحلية.
2. تخفيض الضرائب للأفراد والشركات والاستثمارات.
3. تخفيض عبء اللوائح على الأعمال التجارية.
4. دعم تباطؤ نمو المال في الاقتصاد.
ترامب واقتصاد الفودو :
يُنظر للسياسة الاقتصادية التي يتبناها ترامب على أنها غير واقعيةٍ وغير حكيمةٍ، وخصيصًا إذا تمت المحافظة على مستويات الإنفاق العام أو زيادتها.
ويؤكد هذا ما نشرته مجلة (دير شبيغل) الألمانية: <<إن وزارة الاقتصاد الألمانية تعتقد أن تعهدات ترامب لا يمكن أن تكون أساسًا لسياسةٍ اقتصاديّةٍ واقعيةٍ>>، وأنه: <<سيلحق أضرارًا جسيمةً بالاقتصاد الأميركي>>.
هذه السياسة الاقتصادية تسمى (اقتصاد الفودو) أو (اقتصاد الدجل والشعوذة)، وهو مصطلحٌ يُقصد به تلك الاقتصاديات التي تقوم على قواعد غير حقيقيةٍ وعلى مبادئ اقتصاديةٍ معتمدة في جوهرها على رأس المال الوهميّ لتحفيز الاقتصاد بشتى السبل، وهو ما اعتبره بعض المحللين أقرب إلى ممارسة «الشعوذة».
أول من استخدم هذا المصطلح وصاغه هما الرئيس الأميركي جورج بوش الأب قبل أن يصبح نائبًا لريغان وعضو الكونجرس جون أندرسون، حيث أطلقاه على برنامج رونالد ريغان الاقتصادي الداعي لاقتصاديات جانب العرض، وذلك لصالح خفض معدلات ضريبة الدخل والأرباح الرأسمالية.
كنساس واقتصاد الفودو :
في [2014]م سجلت موازنة ولاية كنساس الأميركية التي يسكنها ثلاثة ملايين أميركيّ غالبيتهم من مؤيدي الحزب الجمهوري عجزًا سنويًا بلغ [338] مليون دولار، وهو أمرٌ كان ممكنًا أن يمر مرور الكرام، لولا أن سبب العجز يكمن في أن حاكم الولاية اليميني المحافظ سام بروانباك عمد وإدارته في [2012]م إلى إقرار تخفيضاتٍ ضريبيةٍ كبيرةٍ في الولاية، عملاً بقواعد ريغان.
لاقت تجربة براونباك فشلًا ذريعًا أجبر الولاية على اللجوء إلى أموالها الاحتياطية لتغذية العجز بسبب أن حكومة الولاية لم تقتطع من الضرائب بما فيه الكفاية، وبما أن خفض الضرائب سمح لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بتحويل أسهمهم المالية إلى نقدٍ، انخفضت أسهم شركات كنساس، ما أدى إلى رفع نسبة البطالة.
كتبت صحيفة (نيويورك تايمز) وقتها في إحدى افتتاحيتها: «الاقتطاعات التي أفادت إلى حدٍ كبيرٍ الأغنياء، كلفت الولاية [8٪] من عائداتها التي تحتاج إليها للمدارس والخدمات الحكومية الُأخرى».
اقتصاد مابعد الحداثة :
يوضح لنا ديفيد هارفي في كتابه (حالة ما بعد الحداثة) الحالة التي سادت بعد تطبيق قواعد ريغان الاقتصادية، والتي يعتبرها سمة اقتصاد ما بعد الحداثة ، حين تتغلب عناصر الصوت والصورة والمرايا والوهم على العناصر المادية والموضوعية المكونة تقليديًا للإنتاج والسلع.
حيث أشار إلى أن هذه السياسة قادت الولايات المتحدة الأمريكية إلى شفير الإفلاس العالمي والخراب المالي، مستغلاً موجة العاطفة الشعبية مستفيدًا من تقنيات صنع الصورة وخصيصًا في جوانبها المعروفة: العرض، الاحتفالية، والظرف، السلوك، الكاريزما، الرعاية، والخطابة، حيث كانت كلّها وباستمرار تعتبر جزءًا من الصفة المميزة للسلطة السياسية.
كما وضح أنه طوال سنوات ريغان لفّ الولايات المتحدة حزامٌ عريضٌ من اللامساواة الاجتماعية بازدياد عدد العائلات الفقيرة بنسبة [35%].
أما بالنسبة لقطاعات الشباب والمثقفين والأغنياء وذوي الامتيازات، فقد كانت الحياة بأحسن أحوالها، فقد نما عالم العقارات والمال والأعمال، وبات اقتصاد الولايات المتحدة يقوم على إنتاج رأسمالٍ وهميّ يجري إقراضه لسماسرة العقارات الذين بدورهم يقتطعون جزءًا منه يُدفع إلى الاختصاصيين ذوي الأجور العالية من الذين يصنعون الرأسمال الوهميّ.
وبالإضافة إلى ذلك يذكر المؤلّف، بأن نشوء اقتصاد الكازينو، مع كلّ مضارباته المالية ورأسماله الوهميّ، قد وفّر فرصًا عديدةً للتضخّم الشخصي، وخلف هذا الازدهار في الأعمال والخدمات المالية، تشكّلت شريحة كاملة من ثقافةٍ ناشئةٍ جديدةٍ مع كلّ طموحها الأرستقراطي، واهتمامها الخاص بالرأسمال الرمزي، والموضة، والتصميم، ونوعية حياة المدن.
ويُذكر الجبهة المقابلة لهذه البحبوحة، فكانت اللامأوى والإضعاف والإفقار الذي غلّف العديد من المدن الأساسية.
وفي ظلّ هذا المناخ من #اقتصادالممارسةالسحرية نشأت ثقافة ما بعد الحداثة.
المصادر في رابط المنشور على صفحتنا
.