ماذا حدث قبل الانفجار العظيم ( Big Bang وعلاقته بدحض نظرية التضخّم ) ؟
ماذا حدث قبل الانفجار العظيم ( Big Bang وعلاقته بدحض نظرية التضخّم ) ؟
-اقترح فريق من العلماء اختباراً قويّاً جديداً لنظرية التضخم (inflation) وهي نظريّة تفيد بأن الكون تمدّد حجمه واتّسع، يتمدد ويتسع من حيث الحجم في جزء ضئيل من الثانية من بعد الانفجار العظيم مباشرةً. و كان هدفهم هو تقديم لمحة عن الإجابة على سؤال لطالما حيّر العلماء والهواة، وهو كيف كان الكون قبل الانفجار العظيم؟
على الرغم من أن التضخم الكونيّ عُرف بحل بعض الألغاز المهمّة حول بنية الكون وتطوره، إلا أنه كان من الممكن لنظريات
أخرى مختلفة جداً أن تفسّر هذا الغموض، بعض هذه النظريّات تقول أن الكون قُبيْل الانفجار العظيم كان يتقلص بدلاً من أن يتمدد وبالتالي كان الانفجار العظيم جزءاً من ارتدادٍ عظيم (Big Bounce).
وللتمكن من اختيار النظرية الأنسب بين التضخّم وغيره من النظريات، لم يكن هنالك بدّ من إثارة مسألة قابليّة النظرية للدحض، بمعنى إن كانت النظرية قابلة للتجربة لبيان خطئها من صحّتها. بعض الباحثين، ومنهم آفي لوب من مركز الفيزياء الفلكية في هارفارد وسميثسونيان (CfA) في كامبريدج-ماساتشوستس، أعربوا عن شيء من القلق ناحية نظرية التضخم، قائلين بقدرتها اللانهائية على التكيف، مما يجعل اختبارها بشكل صحيح أمراً مستحيلاً.
يقول لوب: “يجب أن تكون قابلية الدحض سمة مميزة لأي نظرية عملية، الوضع الحالي لنظرية التضخم هو أنها فكرة مرنة ولا يمكن دحضها تجريبياً. فمهما كانت القيمة التي يرصدها البعض، فإنه يوجد دائماً بعض النماذج لنظرية التضخم التي يمكنها تفسير تلك القيمة”
قام فريق من العلماء بقيادة زينحزينج شين من CfA ولويب و زونج شيانيو من قسم الفيزياء بجامعة هارفارد بتطبيق فكرة يسمونها “الساعة القياسية البدائية” على النظريات غير التضخمية، ثم وضع طريقة يمكن استخدامها لدحض نظرية التضخم تجريبياً. الدراسة في Physical Review Letters كمقترح من المحررين. https://arxiv.org/pdf/1809.02603.pdf
في محاولة للعثور على بعض الخصائص التي يمكن أن تميّز نظرية التضخم عن النظريات الأخرى، بدأ الفريق بتحديد الخاصية التي من خلالها نعرّف النظريات المختلفة، ألا وهي تطور حجم الكون البدائي.
يقول شيانيو: “على سبيل المثال، أثناء التضخم ينمو حجم الكون بشكل أسّيّ، لكن في بعض النظريات البديلة، يتقلص حجمه، على عكس نظرية التضخم، وحسب بعض هذه النظريات يتقلص الكون ببطء شديد، بينما يكبر حجمه بسرعة كبيرة حسب نظريات أخرى”.
وواصل قائلاً: “إن السمات التي اقترحها الباحثون للقياس إلى حد الآن لا تساعدنا في التمييز بين النظريات المختلفة لأنها ليست مرتبطة بشكل مباشر بتطور الكون البدائي لذلك أردنا أن نجد للسمات القابلة للرصد والتي تكون مرتبطة بشكل مباشر بتلك الخاصية المُميّزة (التي نقدر من خلالها على التمييز بين مختلف النّظريّات).”
يمكن للإشارات التي تتولد من الساعة القياسية البدائية أن تساعدنا لبلوغ ذلك الهدف. تلك الساعة هي عبارة عن أي نوع من الجسيمات الأولية الثقيلة في الكون البدائي، مثل هذه الجسيمات يفترض أن يوجد في كل النظريات، أما مواضعها فينبغي أن تتذبذب عند بعض الترددات المنتظمة ومثال قريب على هذا هو صوت تكتكة نواس الساعة.
لم يكن الكون البدائي منتظماً تماماً. بل كانت توجد اختلافات ضئيلة في الكثافة على المقاييس الضئيلة والتي أصبحت بذوراً بُني عليها الكون الذي نراه اليوم على نطاق واسع. ويعد هذا المشهد المصدر الأساسي للمعلومات التي يعتمد عليها الفيزيائيون لمعرفة ما حدث قبل الانفجار العظيم. فقد ولّدت تكتكات الساعة القياسية إشارات طُبعت في نسيج هذه الأشكال البدائية غير المنتظمة. وقد توقعت الساعات القياسية على ضوء نظريات مختلفة، أشكالاً مختلفة من الإشارات، ويعود ذلك إلى اختلاف سيناريوهات تطور الكون حسب هذه النظريات.
يقول شين: “لو وضعنا كل المعلومات التي تعلمناها مؤخراً عن الذي حدث قبل الانفجار العظيم في شكل مجموعة إطارات داخل فيلم، فإن الساعة القياسية سوف تخبرنا عن كيفية عمل تلك الإطارات. لولا هذه المعلومات التي تعطينا إياها الساعة لما عرفنا ما إذا كان يجب تشغيل الفيلم للأمام أو للخلف، بسرعة أم ببطء، تماماً مثلما لا نعرف بالتأكيد ما إن كان الكون البدائي يتضخم أم يتقلص، ومدى سرعة ذلك التضخم أو التقلّص، وهنا تقبع المشكلة، فالساعة القياسية وضعت “طوابع زمنية” (علامات تدلّ على الزمان) على كل إطار من هذه الإطارات عندما تم تصوير الفيلم قبل الانفجار العظيم، وتخبرنا كيف ندوّر إطار هذا الفيلم.”
حسب الفريق كيف يجب أن تبدو الإشارات الصادرة من الساعة القياسية في النظريات غير التضخمية، واقترح كيف ينبغي البحث عنها في رصدات الفيزياء الفلكية. يقول شيانيو: “في صورة العثور على شكل من الإشارات الذي يمثل الكون المتقلص، فسيؤدي ذلك إلى دحض نظرية التضخم كاملةً”.
يقول تشين: “نجاح هذه الفكرة يكمن في التجريب، حيث إنه سيكون كشف هذه الإشارات دقيقاً للغاية، وبالتالي قد نُضطر إلى البحث في العديد من الأماكن الأخرى المختلفة. يُعتبر إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (The cosmic microwave background radiation) أحد هذه الأماكن، و يُعتبر توزيع المجرات مكاناً آخر. لقد بدأنا بالفعل في أبحاث عن هذه الإشارات وهناك بعض المرشحين المثيرين للاهتمام فعلاً، لكننا في حاجة إلى مزيد من البيانات”.
يُتوقع أن توفّر استطلاعاتُ المجرّات في المستقبل مثل US-lead LSST و European’s Euclid وSphereX الذي صادقت عليه الناسا مؤخراً، يُتوقع أن توفّر بيانات عالية الجودة يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف.
المصدر :
https://phys.org/news/2019-03-big.html