مبرهنة جودل (Goedel’s Theorem )
تمكّن عالم الرياضيات النمساويّ كرت جودل من إثبات مجموعة من النّظريات، من بينها «مبرهنة عدم الاكتمال» والتي أثبتها ونشرها عام [1931 ] وكانت السبب الأبرز في شهرته…
ولمعرفة مدى تأثير «مُبرهَنة جودل» على مجال الرياضيات؛ يمكننا أنْ نرى ردّة فعل أكبر علماء الرياضيّات في النّصف الأول من القرن العشرين هيرمان فايل، فعلى حدِّ تعبيره:
«كان علماء الرياضيات يملؤهم التفاؤل بأنَّ جميع مسائل الرياضيات ستجد طريقها إلى الحل بطريقة أو بأخرى».
لقد كان الاعتقاد السائد لدى علماء الرياضيّات هو :« إنَّ اثبات أيّ فرضية أو نقيضها موجود حتماً لا محالة» . إلاّ إنَّ «مبرهنة جودل» أثبتت عكس هذا الأمر. لنأخذ على- سبيل المثال- «حَدْسيّة جولد باخ» الشهيرة، والتي تنصّ على: « إنَّ أيّ عدد زوجيّ أكبر من اثنين يمكن كتابته على شكل مجموع عددين أوليين» . فقد استطاع علماء الرياضيات إيجاد عددين أوليين لكلّ عدد زوجيّ كانوا قد درسوه حتى يومنا هذا ، ولكنّهم لم يتمكنوا من اثبات هذه النتيجة لكلّ عدد زوجيّ -بشكلٍ عام- حتى الآن .
من المحتمل أنْ تكون «حدسية جولدباخ» غير صحيحة. ولكن، لإثبات عدم صحتها، يجب إيجاد عدد زوجيّ أكبر من اثنين بحيث لا يُمكن كتابته على شكل مجموع عددين أوليين. من جهة أخرى، من المحتمل أنْ تكون صحيحة أيضاً ؛ عندها لن نستطيع إيجاد عدد زوجيّ أكبر من اثنين لا يمكن كتابته على شكل مجموع عددين أوليين. ولكن، من أجل إثبات هذا الأمر عمليّاً لا يمكننا استعراض كل الأعداد الزوجيّة للتحقُق من أنَّها تُكتب على هذا الشكل، هذا يتطلّب اختبار عدد لامتناهٍ من الأعداد. هذا وأنَّ البراهين الرياضيّة قد تملأ آلاف الصفحات، إلا أنّها تبقى محدودة من حيث عدد الخطوات.
قبل نشر «مبرهنة جودل» ، كان علماء الرياضيّات على قناعة تامة بأنَّ هناك إثبات ما لـ «حدسية جولدباخ». ولكن، ومنذ ذلك الحين، تزايدت الشكوك حول ما إذا كانت هذه الحدسيّة قابلة للإثبات أو التكذيب. فقد تكون الحدسيّة صحيحة ولكن غير مُثبتة، أو تكون غير صحيحة من دون وجود إثبات لعدم صحتها.
تشير «مبرهَنة جودل» إلى: إنّ هناك فرقاً بين الحقيقة الرياضيّة والبرهان الرياضيّ. فالحقيقة تدور حول طبيعة الأشياء، أمَّا البرهان فهو فقط ما يمكننا ادراك صحته. تبيّن لنا هذه المبرهنة أيضاً أنَّ هناك الكثير من الفرضيّات الصحيحة في الرياضيّات التي لا يمكننا إدراك حقيقتها على الأقل من خلال البراهين الرياضيّة. [قد يُلقي الله في روعنا صحة فرضيّة ما لوجود أسباب تدعونا إلى التسليم بها، ولكن، لا يمكننا إثباتها بالطرق الرياضيّة المُجمع عليها في كتابة البراهين].
إنّ البديهيّات في الرياضيّات هي مجموعة من الحقائق المسلّم بها، ويتبع هذه البديهيّات – بموجب قواعد علم المنطق- فرضيات أخرى تعدُّ هي النتائج المنطقيّة لهذه البديهيّات، غير أنَّه وبعكس البديهيّات، يمكن إثبات هذه النتائج أو الفرضيات. إنَّ «مبرهنة جودل» تشير إلى أنَّ هناك حقائق غير معلومة دائماً في هذا السياق.
و الان, قد يسأل سائل:« إذا كانت هذه الحقائق موجودة، لماذا لا تضاف إلى مجموعة البديهيّات؟ عندها سنتمكّن من اعتبار جميع الحقائق الرياضيّة قابلة للبرهان. صحيح، ولكنَّ هذا الأمر لن يجديَ نفعاً. فمبرهنة جودل تقول:« بأنه كلما أُضيفت بديهيّة جديدة، سيكون هناك ما يسمّى بـ «جملة جودل» التي تعدُّ صحيحة، ولكن غير مثبتة في النظام البديهيّ الجديد. فإنَّ «جملة جودل» هذه تقع تحت مسمّى المرجعيّة الذاتيّة كقول: «هذه الجملة غير صحيحة» ؛ فبمجرد التأكيد ، إنّها غير قابلة للإثبات، فقد أثبتت بأنَّها صحيحة. هذا التفسير يؤدي إلى صعوبة في الفهم نوعاً ما، ولكنَّه، يُظهر بأنَّ هنالك دوماً عبارات رياضيّة صحيحة لا يمكن إثباتها. هذه هي خلاصة «مبرهنة جودل».
المصادر في رابط المنشور على صفحتنا
.