«من بَيْنِ فَرْثٍ ودَمْ» .. كيف يُصنعُ الحليبُ في الحيواناتِ المُجْتَرَّةْ؟
«من بَيْنِ فَرْثٍ ودَمْ» .. كيف يُصنعُ الحليبُ في الحيواناتِ المُجْتَرَّةْ؟
لسماع المقال بتعليق صوتي المرجوا الضغط على الرابط أسفله
المقال تعليق صوتي للأستاذ: مصطفى الجزار من بلابل : الباحثون المسلمون
إنَّ العمليةَ الحيويةَ لصناعةِ الحليبِ في الحيواناتِ المُجْتَرَّةِ تعتمدُ بشكلٍ واضحٍ على الموادِّ الأوليةِ الموجودةِ في الدمِ، والموادِ المنقولةِ من الكرش إلى الدم، وتعرف الحيوانات المجترة بأنها تلك الحيوانات التي يمكنها اجترار أو تخزين ما تتناوله من الطعام، مثل: الكربوهيدرات الليفية وغير الليفية في تركيب يُدعى الكَرِشُ(أو يمكنك قولها الكِرْشُ) rumen، وتعملُ على تخميرِها بواسطةِ ميكروباتٍ موجودةٍ في ذلك التركيبِ (وتُدعى المادَّةُ الموجودةُ في الكَرِشِ لُغويَّاً بالفَرْثِ)، ومن أمثلةِ تلك الحيواناتِ: الأبقارُ، والجِمالُ، والأُيَّلُ وغيرُها.
إنّ الكربوهيدراتِ مُرَكَّباتٌ مهمةٌ في هذه الحيواناتِ؛ لأنها تُعدُّ سَلائِفَ لإنتاجِ الدهونِ و سكرِ اللاكتوزِ (سكرِ الحليبِ) الداخلةَ في تركيبِ الحليبِ. إذْ إنِّ الميكروباتِ الموجودةَ في الكَرِشِ (وَلْنَأْخُذِ البقرَ كمثالٍ) تسمحُ لهذه الحيواناتِ بالحصولِ على الطاقةِ من الكربوهيدراتِ الليفيةِ، مثلَ: السيليلوز، والهميسيليلوز بعمليةِ التَّخَمُّرِ. كما يحدثُ تخمرٌ للكربوهيدراتِ غيرِ الليفيةِ، مثلَ: النشا، والسكرياتِ البسيطةِ ولكنْ بشكلٍ أسرعَ، وإنّ عمليةَ التوازنِ بين الكربوهيدراتِ الليفيةِ وغيرِ الليفيةِ تُعدُّ عاملاً مهماً لكفاءةِ الحليبِ المُنْتَج.
يَنْتُجُ من عمليةِ التخمرِ الحاصلةِ في الكَرِشِ العديدُ من المُرَكَّبَاتِ، منها: الغازيةُ كالميثانِ وثاني أكسيدِ الكربونِ والتي يتم التخلصُ منها والحرارةُ والطاقةُ إضافةً إلى الأحماضِ الدُّهنيَّةِ المتطايرةِ كحمضِ الأسيتيك (حمضِ الخَلّيكِ) والبروبيونيك والبيوتريك والتي تشكلُ أكثرَ من (خمسةٍ وتسعينَ بالمئة) من الأحماضِ المُنْتَجَةِ في الكَرِش، يتحولُ حمضُ البيوتريك إلى أجسامٍ كيتونية أما الحمضانِ الباقيانِ فلا يحدثُ لهما شيء. يتمُ امتصاصُ تلك الأحماضِ من جُدرانِ الكَرِشِ لتنتقلَ إلى الكَبِدْ، عندَ الكَبِدِ تجتمعُ الموادُ الأوليةُ الموجودةُ في الدَّمِ والمُمْتَصَّةُ من الأمعاءِ مع الموادِ الأوليةِ القادمةِ من الكَرِشْ، وفي الكَبِدِ يتمُ تحويلُ جميعِ حمضِ البروبيونيك إلى سكرِ الجلوكوز، بعدها تصلُ الموادُ الأوليةُ لمَحَطَّتِها الأخيرةِ وهي الغددُ الثديية.
يتمُ في الضَرْعِ تكوينُ سكرِ اللاكتوز (سكرِ الحليبِ) من سكرِ الجلوكوز، ثمَ يُضافُ الماءُ إلى اللاكتوزِ من قِبَلِ الخلايا المُفْرِزَةِ لجعلِه بتركيزٍ مناسبٍ في الحليبْ، كما يتمُ تحويلُ الأجسامِ الكيتونيةِ وحمضِ الأسيتيك إلى حمضٍ دهنيٍ يمكنُه الارتباطُ مع الجليسيرولِ لتكوينِ الدَّسَمِ في الحليب. وهنا تجدُرُ الإشارةُ إلى دورِ الأحماضِ الأمينيةِ المُمْتَصَّةِ من الأمعاءِ في عمليةِ تكوينِ الجلوكوز والذي يتحولُ بدورِه إلى لاكتوز. إضافةً إلى هذا، فإن الكثيرَ من العناصرِ المُكَوِّنَةِ للحليبِ تأتي من الدم.
وبشكلٍ عامٍّ، يتركبُ الحليبُ من نسبةٍ عاليةٍ من الماءِ والذي يشكلُ أكثرَ من ثُلُثَيّْ مكوِناتِ الحليب، يليه اللاكتوزُ ثم الدهونُ ثم البروتيناتُ، إضافةً إلى المعادنِ والفيتاميناتِ والأنزيمات.
هذه الآلية الدقيقة لتشكل اللبن هي عبرة لكل من يريد أن يعتبر ويتأمل قدرة الخالق عز وجل.
قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) [النحل: 66].
فمن كثرة النعم التي يراها الإنسان حوله لا يدرك قيمتها وأهميتها، ; وما إن يتفكر وتدبر في كيفية إيجاد هذه النعم، حتى يدرك عظمة الله سبحانه وتعالى في خلق و عظيم حكمته
فهذا الشراب جعله الله عبرة لنا لنتفكر في فوائده بل وبطريقة تصنيعه، فالبقر والماعز والإبل والغنم.. كلها خلق الله لها أجهزة معقدة لتصنيع الحليب تدل على عظمة الخالق تبارك وتعالى، وفي ذلك ردّ على أولئك الذين يردون أي ظاهرة للطبيعة الصمَّاء و الصدف العمياء. ونقول كما قال تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 93].
إعداد: مصطفى الراوي
مراجعة: مجدولين البدوي
تدقيق لُغوي: كامل النبوي
تعليق صوتي: مصطفى الجزار