هل هدمت ميكانيكا الكمّ السببية ؟؟
#منكوشات_إلحادية – هل هدمت ميكانيكا الكمّ السببية ؟؟ اقرأوا معنا الرد الكاشف لتزويرات الملاحدة العلمية
قبل ان نبدأ في تفنيد هذه الشبهة الإلحادية : نريد أن نعرف أولا ما هي أهمية السببية حتى يركز عليها الملاحدة ؟ وما هي ميكانيكا الكمّ ؟
—————
1- السببية Causality
عندما يتحدث معك شخص ما بصورة عقلية منطقية لإثبات (ضرورة) وجود إله – فإنه غالباً سيستخدم دليل (السببية) أولا – وذلك لأنه مفهوم فطري معلوم لدى كل عاقل – وتقوم عليه كل العلوم الطبيعية التي نعرفها وندرسها – فكل شيء يظهر بعد أن لم يكن موجودا : فخلفه سبب بالتأكيد – أو كما يقولون اختصارا : لكل حادِث مُحدِث
والسؤال : إذا قلنا أنه لا يوجد إله – وأن الوجود ما هو إلا سلسلة تفاعلات مادية مستمرة بلا بداية أو نهاية بدأ من عندها كل شيء : فهل هذا الكلام يصح عقلا ومنطقا ؟ والإجابة بكل بساطة : لا !! لأنه ساعتها لم يكن ليظهر أي شيء في الوجود أصلا بدون وجود بداية أولى ليس قبلها شيء ولا يتوقف وجودها على سبب آخر قبلها
ولنفهم ذلك .. تعالوا نقرأ معا مثال الجندي والرصاصة باختصار
لدينا جندي يستعد لضرب رصاصة من مسدسه – لكنه ينتظر أمرا من قائده (أمر قائده هنا هو سبب لإطلاق الرصاصة إلى الوجود) – لكن قائده ينتظر امرا من قائده – وقائده ينتظر أمرا من قائده .. وهكذا (وهذا هو تسلسل المؤثرات أو المسببات) والسؤال : هل إذا استمرت هذه السلسلة من القادة بدون توقف إلى ما لانهاية أو مالا بداية له : هل ستنطلق الرصاصة إلى الوجود أبدا ؟؟
الإجابة بكل سهولة : لا !! لن تنطلق الرصاصة أبدا أي : لن يظهر شيء أصلا في الوجود – لا أنا ولا أنت ولا الكون ولا أي شيء !! وهو ما نسميه باستحالة تسلسل المؤثرات إلى مالانهاية
ولكن …..
بما أني وأنت هنا في الوجود إذن : لقد انتهت سلسلة المؤثرات عند بداية أولى ليس قبلها شيء ولا تعتمد على سبب آخر – هذه البداية هي ما نسميها نحن المؤمنون : الله أو الخالق – ويسميها الفلاسفة (حتى غير المؤمنين بدين معين منهم) : بواجب الوجود أو السبب الأول !!
لأنه بدون (واجب الوجود) : فلم يكن يوجد أي شيء – لكن أنا وأنت وأي شيء آخر : ممكني الوجود (أي يمكن تخيل عدم وجودنا ولن يتأثر الوجود أو ينعدم) لكن يجب أن يوجد (واجب الوجود) أي الخالق
طبعا هذا يعتبر أهم جزء من دليل (السببية) – لأن الجزء الذي يليه هو استنتاج بعض صفات هذا الخالق بناء على أنه الأول – فيجب أن يكون كاملا غير ناقص وإلا لاحتاج لما يكمله فلم يعد قائما بذاته – فهو إذن : غني أيضا – ثم هو صادق لأن الكذب نقص – عادل لأن الظلم نقص – خير لأن الشر نقص – حكيم عليم قدير قوي محيط إلخ
ولكننا الآن وقفنا على مدى أهمية مبدأ (السببية) في إثبات وجود الخالق – وحتى كل العلوم الطبيعية كما قلنا قائمة أصلا على فرض السببية وإلا : ما الفائدة مثلا من دراسة نزول المطر وإنفاق الوقت والجهد والمال في ذلك : إذا كان المطر ينزل بلا سبب في أي مكان وفي أي زمان !! هل رأيتم الآن مدى سذاجة الملاحدة عندما أرادوا فصل السببية عن العلم !! كأنهم يقولون للعلماء : لا تبحثوا بعد اليوم لان الجسيمات في الذرة لا جدوى من دراستها لان سلوكياتها بلا سبب !!
وهذا كلام متسولي العلم وليس بمدعيي علم !!
———————-
2- ميكانيكا الكمّ Quantum mechanics
ميكانيكا يعني علم دراسة الحركة في الفيزياء – وقد تم وضع قوانينه من جهة العلماء (منهم علماء مسلمين كما أشرنا سابقا) ولكن أشهرهم على الإطلاق هو نيوتن – حيث وضع قوانين حركة الأجسام الكبيرة في عالمنا – والتي تصلح لوصف سلوك الكرة والصخرة التي في يدك – وصولا إلى الكواكب والمجرات
ولكن مع تقدم العلم ووصوله إلى ما هو أصغر من الذرة (وهي الجسيمات التي تتكون منها الذرة) : وجد العلماء أن سلوكيات هذه الجسيمات لا تنطبق عليها سلوكيات حركة الأشياء الكبيرة التي تنطبق عليها قوانين الحركة الكلاسيكية ونيوتن – وإنما لها نظام خاص – ولكي تتحرك فهي تحتاج لشكل أقرب للدفقات أو الكمّات (مثل الانتقال بين مستويات الطاقة) ومن هنا جاء اسم ميكانيكا الكمّ أو فيزياء الكمّ أوعالم الكم ّ أي العالم الذي يدرس الجسيمات دون الذرية
والآن … هذا العالم العجيب (عالم الجسيمات) لا زال يبهر العلماء بسلوكياته التي لم يستطع العلم الكشف عن حقيقتها بعد – وذلك لأن الجسيمات تتحرك بسرعة كبيرة جدا منها ما يقارب سرعة الضوء – وهو ما يجعل التنبوء أو دراسة معلومتين معا لجسيم واحد : شيء غير دقيق (مثلا الموضع والسرعة) فإما تحدد السرعة بدقة كبيرة على حساب الموضع مثلا – أو تحدد الموضع بنسبة كبيرة على حساب السرعة (وهو ما يعرف بمبدأ عدم اليقين للعالم هايزنبرج)
وإذا أردنا تمثيل تلك المعضلة بشيء مشاهد في عالمنا الواقعي الكبير
تخيل أن هناك مروحة سقف ولكن بريشة واحدة بدلا من 3 أو 4 ريش – فأنت ترى الريشة بكل وضوح في حال أن المروحة مطفأة لا تعمل ولا تتحرك – لكن ما إن تعمل وتتحرك وتدور بسرعة كبيرة : فأنت (بقدرات عينك المجردة) : لا تستطيع تحديد مكان الريشة بدقة !! بل تبدو لك وكأنها تدور في كل محيط المروحة في نفس الوقت وتملأه كله !!
المهم – هذا العالم (عالم الكمّ) ولضعف إمكانياتنا عن الرصد الآن ولعدم اكتشافنا كل قوانينه التي تحكمه بعد : فإن له بعض السلوكيات التي لا زالت تحير العلماء إلى اليوم مثل الطبيعة المزدوجة للإلكترون حيث يتصرف مرة كجسيم ومرة كموجة متوقفا على حالتنا نحن في الرصد (أي حالة عندما ننظر له وحالة ما إذا كنا لا ننظر له !!) وذلك كما في تجربة الشق المزدوج الشهيرة – أو حالة أخرى أعجب وهي التشابك الكمي التي يتأثر فيها جسيمان ببعضهما البعض لحظيا رغم البعد الرهيب للمسافة بينهما (يعني التأثر بينهما يكون أسرع من الضوء !!) مما حدى بالبعض للحديث عن الكون الهولوجرامي كأحد التفسيرات التي تحتوي مثل هذه المشاهدات العجيبة – وغير ذلك
الخلاصة : أن هذا هو الذي أجرى لعاب جهلة الملاحدة ليستغلوا فرصة هذه الغرائب ليزعموا أن ميكانيكا الكمّ هدمت مبدأ السببية !! واعتمدوا في ذلك على بعض المشاهدات التي لا تصح تفسيراتها كما يقولون – وإليكم الرد العلمي عليهم
————————–
3- الحتمية Determinism والسببية Causality
كما رأينا الآن : ولشدة صعوبة التنبؤ بكل سلوكيات الجسيمات : فإن العلماء اليوم يرون أنه (لا توجد حتمية) في عالم الكمّ – بمعنى : أنه عندما يتم التأثير على الجسيمات بمؤثر ما : فإننا قد لا نستطيع التنبؤ برد فعل الجسيم بالضبط – وذلك بعكس العالم الكبير وقوانين نيوتن مثل لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه – فأنت باتجاهات القوى والمحددات تستطيع معرفة اتجاه رد فعل كرة إذا صدمتها من اتجاه معين بقوة معينة – لكن في عالم الكمّ صعب أن تجري الأمور بهذا الحتم (تخيلوا أنه إلى اليوم يتم اكتشاف جسيمات جديدة داخل الذرة وداخل ما كان يحسب العلماء أنه لا ينقسم من داخله مثل البروتيونات والنيوترونات والإلكترونات إلخ) – فأنت كمَن يتلمس شيئا في الظلام لم تزل !! ولكن .. هل هناك عالم واحد عاقل أو محترم ينفي (السببية) عن عالم الكمّ ؟!! إذن ماذا سيدرس إذا لم يكن هناك مبدأ للسببية ؟!!
العلماء يقومون بعمل تأثيرات وأسباب معينة على الجسيمات ليدرسوا ماذا يحصل وماذا يحدث : وبناء عليه يخرجوا باستنتاجاتهم ونظرياتهم وقوانينهم في عالم الكمّ !!
والآن .. معنا أحد مؤسسي فيزياء الكمّ نفسها في القرن العشرين ألا وهو عالم الفيزياء والرياضيات الألماني الشهير ماكس بورن Max Born والحاصل على نوبل في الفيزياء عام 1954م نجده في كتابه الشهير :
(الفلسفة الطبيعية للسبب والصدفة)
Natural Philosophy Of Cause And Chance
وتحديدا :
في الفصل الثاني بعد المقدمة بعنوان :
2- (الحتمية والسببية)
II. CAUSALITY AND DETERMINISM
نجده يفرق بين السببية والحتمية – ويعتبر السببية علاقة أساسية بين كل الأشياء وأشمل في وجودها من المكان والزمان – وأن انتفاء الحتمية يصب في جهة الدين ليبقى الله هو وحده الذي يعلم ما تؤول إليه الأشياء وعدم قدرتنا على التنبؤ التام بكل شيء – يقول :
” القول بأن الفيزياء قد تخلت عن السببية هو قول لا أساس له من الصحة، صحيح أن الفيزياء الحديثة قد تخلت عن بعض الأفكار التقليدية وعدلت فيها، لكن لو توقفت الفيزياء عن البحث عن أسباب الظواهر فلن تصبح حينها علماً “[1] Physics has given up causality is entirely unfounded. Modem physics, it is true, has given up or modified many traditional ideas; but it would cease to be a science if it had given up the search for the causes of phenomena
والآن .. إلى تعبير أكثر وضوحا ..
يقول علماء ميكانيكا الكم المعاصرين فى أبحاثهم المُحكمة :
” لقد اشتققنا النظرية الكمية من مبادئ معلوماتية بحتة وهى خمس مسلمات أساسية أولية : السببية ..”[2] We derive Quantum Theory from purely informational principles. Five elementary axioms-causality
وحتى في أحد أعجب حالات عالم الكمّ كما ذكرنا منذ قليل مثل التأثر اللحظي بين جسيمين (يعني أسرع من الضوء) فهو لم يخرج أيضا عن وجود سبب قبل ذلك !! السلوك عجيب نعم – ولكن هناك سبب تسبب فيه !!
ولذلك يقول العلماء :
” جادل بعض الفيزيائيين بأن الاتصال الذى يجرى بسرعة أكبر من الضوء يعد انتهاكًا للسببية، ولكن هذا ليس سوى خرافة..”[3] Some physicists argue that faster-than-light communication
contradicts the principle of causality, but this is also
nothing but a myth”.
ونختم بهذا النقل المطول إلى حد ما والذي فيه :
” السببية فى مجال العلوم دائماً ما تتعلق بمبدأ السبب والنتيجة وكثيرا ما يُساء تفسيرها بطريقة ساذجة فيتم اعتبارها مرادفاً للحتمية. ومن خلال وجهة النظر هذه يمكن أن يكون من المستغرب أن نعتبر السببية هى البديهة أو المسلمة الأولى لنظرية الكم والتى اشتهرت بأنها نظرية مبدأ عدم اليقين. لكن مع ذلك فإن السببية فى صياغتنا الدقيقة تعنى أن الإتصالات فى نظرية تشغيلية احتمالية (مثل نظرية الكم) لا يُمكن أن تحدث من الإخراج إلى الإدخال..”[4] Causality in science is usually related to the causeand-
effect principle and is often naively misinterpreted
as a restatement of determinism. From this point of
view, it can be surprising that we take causality as the
first axiom of Quantum Theory, which is popularly
known as the theory of the uncertainty principle.
However, in our precise formulation, causality only
implies that communication in an operational
probabilistic theory cannot occur from the output to the
input
———————-
المراجع :
[1] Born, M. (1949). Natural philosophy of cause and chance – The Waynflete lectures 1948 – p. 4
وهذا رابط نصي لكتاب ماكس بورن :
https://archive.org/stream/naturalphilosoph032159mbp/naturalphilosoph032159mbp_djvu.txt
[2] الرابط من مكتبة جامعة كورنيل :
Informational derivation of Quantum
https://arxiv.org/abs/1011.6451
[3] Nikolić, H. (2007). Quantum mechanics: Myths and facts. Foundations of Physics, 37(11), 1563-1611
[4] Chiribella, G., D’Ariano, G. M., & Perinotti, P. (2012, March). Informational axioms for quantum theory. In FOUNDATIONS OF PROBABILITY AND PHYSICS-6 (Vol. 1424, No. 1, pp. 270-281). AIP Publishing