منذ بدء الخليقة ظهرت الحاجة إلى وجود أسلوب لإشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب، ومع تطور الحياة وزيادة المتطلبات أصبحت الحاجة إلى وجود نظام يلبي الاحتياجات للأفراد والمجتمع ملحةّ، إذ يمتلك بعض الأفراد حاجيات يرغب الآخرون في الحصول عليها. هنا بدأت أول أنظمة الاقتصاد نظام المبادلة (المقايضة): وهو نظام للتبادل لجأت إليه المجتمعات البشرية منذ القدم في تبادلها السلع والخدمات، وذلك قبل اختراع النقود فتكون مبادلة أو مقايضة سلعة بأخرى دون استخدام النقود. [1]
مع تطور الأساليب وتطور طرق الدفع بالأحجار الكريمة والذهب والفضة ومن ثم النقود الورقية والعملات الإلكترونية في زماننا، ومع ظهور معاملات وأساليب جديدة ظهرت الحاجة إلى نظام يوحد هذه المعاملات تحت مظلته، ويضبطها في إطار يحفظ حقوق المتعاملين وينظم توزيع الثروات والموارد وإدارتها فظهر ما يسمى بالنظام الاقتصادي.
ما النظام الاقتصادي؟
يعرف النظام الاقتصادي: بأنه مجموعة العلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تحكم سير الحياة الاقتصادية في مجتمع ما في زمن بعينه. [2]
ولما كان لكل مجتمع طبيعته وخصوصيته وبنيته الثقافية وعناصره، ظهر العديد من النظم الاقتصادية، مثل: النظام البدائي، والنظام العبودي، والنظام الإقطاعي.
1- النظام البدائي: هو أول نظام اقتصادي اجتماعي في التاريخ، وكانت وسائل الإنتاج التي استخدمها بسيطة وبدائية، كما كانت مهارات العمل وخبرة الأفراد ومعرفتهم قليلة جداً.
2- النظام العبودي: يعد نظام الرق أو العبودية الذي حلّ محل النظام البدائي أول نظام في التاريخ يقوم على الاستغلال والانقسام الطبقي.
3- النظام الإقطاعي: وهو النظام الاقتصادي الذي كان سائداً في عصر الإقطاع في العصور الوسطى وهو نظام اقتصادي مغلق يعتمد على الإنتاج الزراعي الموسمي. [3]
تعد هذه الأنظمة تاريخياً سابقة للنظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، وقد مهدت لظهورهما، إذ إنها حسّنت شروط العبودية في الأولى، كما قال د. طارق سويدان في إحدى محاضراته، وحاولت تدمير قيودها في الثانية، ولنتحدث عن كل واحدة على حداً، من حيث التعريف والفلسفة والعيوب التي تحول بينها وبين إمكانية استمرارها.
النظام الاشتراكي: هو النظام الذي تؤول فيه ملكية مواد الإنتاج والأراضي والآلات والمصانع للدولة.
بمعنى آخر فإن الاشتراكية، على خلاف ما تقتضيه الرأسمالية تقوم على الملكية الجماعية لعناصر الإنتاج المختلفة. [4]
تعد الاشتراكية من المذاهب الجماعية كما عرفها د. عيسى عبده، وهو نوع من الترسيب لنزعات ثورية جماعية، صاحبة الثورات الصناعية والاجتماعية وغيرها من الثورات حين انتشر القلق في كل العلاقات والروابط التي جمعت بين الناس في صرح يقال له (المجتمع). وعلى هذه المذاهب قامت الاشتراكية ولاحظ أننا نقول (المذاهب الاشتراكية) بالجمع لا بصيغة المفرد، ولأنها تتخذ من الجماعة لا من الفرد نقطة البداية للنظام الاقتصادي، وتجعل من مصطلح الجماعة أيضاً هدفاً للنظام وينكر قيام انسجام طبيعي بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية. [5]
وقد اعتمد هذا النظام على سلطة الجماعة بديلاً عن الحرية الفردية في تحقيق المصلحة للمجتمع كله، على أنه لا يسقط مصلحة الفرد من حسابه إسقاطاً تاماً، ولكنه لا يسمح بتحقيق شيء من مصالح الأفراد إلا بالقدر الذي لا يتعارض ومصلحة الجماعة. [6]
لقد ازدهر الفكر الاشتراكي في العديد من دول العالم خاصة النامية منها، غير أنه بدأ يتعرض لهزّات عنيفة منذ السبعينيات من القرن الماضي، ولم تنتهِ حقبة الثمانينيات حتى انهار الاتحاد السوفيتي على إثر الحرب التي خاضها في أفغانستان لمدة زادت على سبع سنوات، وانهارت معه الاشتراكية، وقد أدى ذلك إلى ارتداد الفكر الاشتراكي، وتخلي معظم دول العالم عن تبني هذا الفكر. [7]
من أبرز عيوب هذا النظام: ضعف الحافز لإنجاز الأعمال المختلفة؛ فحرمان الأفراد من حق الملكية الخاصة أمر ينافى الفطرة والطبيعة البشرية، وانخفاض إنتاج العمال؛ فالعامل عندما لا يجد نظاماً فعالاً للحوافز تقل دافعيته، وقلة الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية في تخصيص الموارد وسيادة التعقيد البيروقراطي، وعدم تحقيق الكفاية والعدل فقد عجزت الاشتراكية والماركسية عن تحقيق الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية والعدالة. [8]
النظام الرأسمالي: هو ذلك النظام الذي يقوم على الملكية الفردية لعناصر الإنتاج والحرية الاقتصادية في إدارة وتسيير وممارسة النشاط الاقتصادي من قوى الاقتصاد. [9]
قام النظام الرأسمالي على مبدأ الحرية والملكية الفردية والثورة على الإقطاع والكنيسة، وقد وضع آدم سميث أصول المذهب الرأسمالي في قاعدتين، الحرية الاقتصادية وما يبنى عليها من حق الملكية والميراث والربح، وقوانين السوق القائمة على المنافسة الحرة. [10]
يعد النظام الرأسمالي هو النظام السائد في وقتنا الحالي والمتحكم في معظم اقتصادات دول العالم، إلا أنه بعد أن مر بأزمات كبرى متابعة، مثل: أزمة الكساد الكبير عام 1929، وأزمة 1973- 1974، وأزمة 1989- 2002، كان لا بد من الجدية في البحث عن بديلٍ لهذا النظام.
من أبرز عيوب النظام الرأسمالي: الاحتكار فقد تمثلت مشكلة الرأسمالية في غياب المنافسة الكاملة وتدهور معدلات الأجور الحقيقية وقصور الطاقة الشرائية [11]، والربا الذي ارتبط ارتباطاً عضوياً في النظام الرأسمالي والمقامرة بالأوراق المالية في البورصة بالتركيز على الاقتصاد الورقي على حساب الاقتصاد الحقيقي، إذ تقوم طبيعة العملية الاستثمارية على أساس المخاطرة. [12]
الاقتصاد الإسلامي: وكما يعرف الاقتصاديون الاقتصاد بأنه العلم الذي يبحث في كيفية إدارة واستغلال الموارد الاقتصادية النادرة لإنتاج ما يمكن إنتاجه من السلع والخدمات لإشباع الحاجات الإنسانية التي تتسم بالوفرة والتنوع، نضيف إليه: في إطار معين من القيم الإسلامية والتقاليد والتطلعات الحضارية للمجتمع (الأخلاق وقيم الدين الإسلامي). [13]
لماذا الاقتصاد الإسلامي هو الحل:
ننقل لكم ابتداءً جزءاً من كلمة المفتي (د. صفوان عضيبات) يقول: في ظل الأزمات المالية التي تضرب اقتصاد الدول بين الحين والأخر، ومع هبوط أسهم الاقتصاد الرأسمالي في الآونة الأخيرة، إضافة إلى فشل الاشتراكية وسقوط الشيوعية في أواخر الثمانينات، تتعالى صيحات متضاربة بين من يدعو إلى تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي ومن يدعو إلى تطبيق النظام الاقتصادي الأصلح للبشر حسب ما تتفق عليه الدول.[14]
إن أهم الخصائص التي تميز النظام الاقتصادي الاسلامي عن غيره من النظم وتجعله قادراً على حل المشاكل الاقتصادية على أساس العدل والتوازن هي الخصائص الآتية: [15]
1- الاقتصاد الإسلامي رباني المصدر: ذلك أنه يستمد مبادئه وقوانينه من القرآن والسنة النبوية، لذلك تكون قيمه مطلقة مبرأة من عيوب النسبية الزمانية والمكانية أو الانحياز لطبقة اجتماعية دون غيرها.
2- اقتصاد قيمي: أي إنه ملتزم بالقيم والأخلاق المستمدة من الدين الاسلامي، والأخلاق الإسلامية هي التي توجه السلوك الاقتصادي نحو معايير عادلة يجب تحقيقها.
3- يحقق العدالة الاجتماعية: من خلال نظم إعادة الثروة والدخل، التي تهدف إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وذلك بضمان حد الكفاية لكل المواطنين، ثم بعده يسمح بالتفاوت في الملكية لضرورة التفرقة بين المجدين والخاملين، وضمان الحافز للعمل والإبداع.
4- الملكية الاستخلافية: ذلك أن الملكية المطلقة لله والإنسانُ مستخلف على ما بين يديه من الأموال، مقيد بقيود على طرق التكسب والإنفاق.
5- الحرية الاقتصادية المنضبطة: فالإسلام وإن أقر مبدأ الحرية الاقتصادية والمنافسة الحرة إلا أنه فرض قيوداً لتوجيه الاقتصاد نحو الوجهة الصحيحة، وهذه القيود إما أن تكون ذاتية دافعها الإيمان والالتزام بالتعاليم الإسلامية الاقتصادية، أو عن سلطة الدولة التي تتدخل عند انحراف النشاط عن الوجهة الصحيحة.
6- الواقعية: فهو مع مراعاته للنفس البشرية وللغرائز المتمثلة في الجمع والتملك فإنه لم يترك هذه الطبائع على سجيتها منفلتة من دون ضوابط، موازناً بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.
7- المرونة: فالقواعد والأحكام التي تحكم الاقتصاد الإسلامي على نوعين: الأول وهو الأحكام الثابتة القطعية التي لا تختلف في أي زمان كفرض الزكاة وتحريم الربا والغش، أو المتاجرة بما فيه ضرر بيَن على البشر، والثاني قواعد متغيرة كالأساليب والخطط العلمية والسياسات والحلول الاقتصادية والأساليب التكنولوجية في الإنتاج.
8- الوسطية والتوازن: فهو يوازن بين المصلحة الفردية والجماعية، وبين الملكية الفردية والعامة، وبين السعي للدنيا والسعي للآخرة، وبين الإنفاق والاستهلاك، وفي تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
9- اقتصاد تنموي: فهو يدعو إلى بذل أقصى الجهود في الإنتاج والعمل، والاستخدام الرشيد للموارد، والاعتدال في الإنفاق، وفي الوقت نفسه يضمن العدالة في توزيع ثمار النمو على جميع أفراد المجتمع وِفق معايير عادلة.
وفي الختام لا بد أن يتبادر في الأذهان: لماذا تخلى المسلمون عن العمل بالنظام الإسلامي بشكله الكامل لفترة طويلة؟ يقول هنا د. محمد عمر شابرا في كتابه: “يمكن أن نقول بأن السبب الأول للانحطاط الاقتصادي الإسلامي هو فشل النظام السياسي، وليس بالضرورة عجز النظام القائم على رأس المال والمشاركة في الوساطة المالية عن النجاح في مواجهة التحديات الجديدة. إن النظام السياسي بدلاً من أن يكون فاعلاً منشطاً بتقديم التعليم والبنية التحتية وسائر الخدمات الاجتماعية الأخرى، كما حدث في القرون الأولى، قد أصبح بالتدريج عبئاً على الاقتصاد. وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى الانحطاط واستعمار معظم أراضي المسلمين من قبل الغرب، وإلى استئصال عدد من مؤسساته. [16]
1- كتاب الاقتصاد النقدي، د. محمود حامد محمود، ص9، ط2017.
2- سلسلة محاضرات مقياس مدخل لعلم الاقتصاد السياسي، أ. إبراهيم بولمكاحل/ قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قسنطينة.
3- الموسوعة العربية (النسخة الإلكترونية).
4- المرجع السابق.
5- الاقتصاد الإسلامي مدخل ومنهاج، د. عيسى عبده، ص208.
6- المرجع السابق.
7- الاقتصاد الإسلامي مدخل ومنهاج، د. أشرف دوابه، ص49، ط1 دار السلام.
8- المرجع السابق.
9- المرجع السابق.
10- الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة، يوسف كمال، ط 1 دار الوفاء، ص30
11- المرجع السابق، ص36.
12- الاقتصاد الإسلامي مدخل ومنهاج، د. أشرف دوابه، ط1 دار السلام، ص42-43.
13- الاقتصاد الإسلامي دراسة وتطبيق، إبراهيم فاضل، ص16.
14- الموقع الرسمي لدار الإفتاء الأردنية.
15- الاقتصاد الإسلامي، سعيد علي محمد العبيدي، دار المنهل،2011، ص39
16- مستقبل علم الاقتصاد من منظور إسلامي، د. محمد عمر شابرا، (الفصل السابع)، ص359، ط2004، دار الفكر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.