تردَّد اختصار PCR بكثرة على مسامعنا في الآونة الأخيرة، وجاءت ملازمةً لفيروس كورونا، وتحديدًا كلما أردنا الحديث عن تشخصيه، فبدأ السؤال ما هو؟ وما فائدته؟ تَعالوا نتعرف معًا على إحدى أهم الطرق المخبرية لدراسة الكائنات الدقيقة.
?️ تفاعل تسلسل البلمرة أو Polymerase Chain Reaction واختصارها PCR:
يستخدم في الكشف عن الكائنات المُمرضة التي تكون بتراكيز قليلة جدًا، والتي تتشابه مع كائنات أخرى تشابهًا كبيرًا، وله تطبيقات أخرى نذكرها في نهاية المقال. ويتمتع بالحساسية والنوعية العالية في التشخيص، مع طيفٍ واسع من الاستخدامات في المختبرات الطبية والبحثية.
?️مبدأ الاختبار:
كل كائنٍ يتكاثر يحمل في خلاياه ما يسمى بالحمض النووي، ويحتوي هذا الحمض النووي على الشيفرة الوراثية الكاملة والتي تعطي هذا الكائن خصائصه الجسدية والبيولوجية.
والشيفرة الوراثية خاصّة لكل كائن، لا تشبهُ شيفرةَ أحدٍ من الكائنات الأخرى في العالم، حتى الكائنات التي تنتمي للعائلة الواحدة قد تتشابه شيفراتهم الوراثية ولكنها لا تتطابق 100٪، خاصة عند الجراثيم والفيروسات والتي تُحْدِث طفرات (أو تغيرات بسيطة) في حمضها النووي، ما يؤدي الى تشكل السلالات Strains المختلفة ضمن العائلة الواحدة.
يسمح اختبار الـPCR بعد اختيار جزء معلوم من الـDNA الخاص بكائن حي معين (أو لفيروس معين) بتكثير هذا الجزء حتى ولو وُجِدَ بأعدادٍ قليلة في عينة الفحص، ما يسمح بدراسته إما من أجل تحديد هوية الكائن أو لدراسة الحمض النووي لأجل تطبيقات أخرى.
❗️ولكن ماذا لو كان الحمض النووي RNA؟
بعضُ خلايا الفيروسات تحتوي على ما يسمى RNA بدل الـDNA. وهو شبيه به. في هذه الحالة نقوم بعملية بسيطة، وهي تحويل الـ RNA إلى DNA، ثم تطبيق مبدأ الـ PCR الذي تحدثنا عنه، ويسمى حينها Reverse Transcription PCR، واختصارها RT-PCR .
?️إذن ماهو جهاز PCR؟؟
يعودُ ابتكار الجهاز للعالم الأميركي كاري موليس Kary Mullis الذي حاز بسببه على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1993. وبدأ استخدام اختراعه بعد 7 سنوات من وضع الفكرة قيد التنفيذ.
ببساطة: باعتبار أننا سنقوم بتكثير قطعة DNA، فسنحتاج للقطعة التي نريد تكثيرها (كشف وجودها في العينة المأخوذة وبالتالي كشف وجود العامل الممرض)، وكذلك لحجارة البناء التي سنبني بها القطع الجديدة (النكليوتيدات، وهي المكونة للدنا والرنا). وصناعة الدنا (DNA) أعقد من هذا بقليل، فسنحتاج العامل الذي سيقوم بهذا العمل (أنزيم يوجد في الكائنات، يسمى البوليمراز) وكذلك إشارات بداية ليعرف العامل من أين يبدأ وينطلق منها (تسمى بادئات Primers).
يختلف نشاط الأنزيم العامل حسب درجة الحرارة، وهذا ما يساعدنا في التحكم بالمراحل المطلوبة. وكذلك أحيانًا يكون الدنا المطلوب فحصه مزدوجًا (ضفيرة من خيطين) فيجب فصله، وتساعد الحرارة على فصلهما، فتكون المراحل كالتالي:
?️المرحلة الأولى: تفصل سلسلَتي DNA بدرجة حرارة 90˚مئوية (دائما ما يتكون الـDNA من سلسلتين متمّمتين لبعضهما تلتفان حول بعضهما البعض، فيتم فصلهما في هذه المرحلة من العملية).
?️المرحلة الثانية: تُخَفَّض الحرارة إلى 56-65˚ مئوية للسماح بارتباط البادئات إلى مواقعها الخاصة على سلسلة DNA في العينة.
?️المرحلة الثالثة: يحتاج أنزيم بوليمراز لدرجة حرارة 70˚ مئوية ليبدأ عمله بالبلمرة أي صناعة سلاسل DNA جديدة.
تمثل المراحلُ الثلاث دورة واحدة للجهاز، وعادةً ما يُعايَر بعدد محدد من الدورات نحصل بنتيجتها على أعداد هائلة من الحمض النووي بدءًا من نسخة مفردة منه. وبشكل عام، تدوم عملية الـPCR ما يقارب ال ـ3 الى 4 ساعات يمكن من خلالها القيام ب 30 الى 35 دورة لنحصل كنتيجة على مئات الآلالف من سلاسل الـDNA المصنعة.
?️بعض تطبيقات PCR:
الحمضُ النووي ضعيف التأثُّر بالعوامل الفيزيائية ولا يتغير بعد فناء الجسد، و هو موجود في معظم الخلايا الجسدية. لذلك، يمكن الحصول على عينة الحمض النووي تقريبًا من أي خلية حية أو ميتة تابعة للجسم سواءً شعرة، بقايا دم أو أشلاء جلدية أو عظمية، أو حتى بقايا جثث دُفنت منذ آلالف السنين. وهذا ما يسمح باستعمال الـPCR في مجالات متعددة:
?️في الأمراض المعدية:
بات التعامل مع الأمراض المعدية بأمَسّ الحاجة لاختبارات سريعة ودقيقة ومنها PCR والذي يمكّن من:
?️في مجال البحوث السريرية والوراثة الجزيئية:
?️تطبيقات الطب الجنائي:
– للتعرف على مشتبه بهم أو ضحايا في حالات التشوه: عن طريق فحص بصمات حمضهم النووي و مقارنتها.
– تحديد النمط الجيني في اختبارات الأبوة ومطابقة الأفراد مع أقربائهم.
?️المعرفة المسبقة لتسلسل الحمض النووي المستهدف تمثل الشرط الأساسي لتصميم البادئات Primers Design، وهذا ما قامت به الصين مثلًا عندما نشرَتْ الجينوم الخاص بفيروس COV-19.
?️حجز غُرف خاصة منفصلة وشديدة التعقيم مع استخدام أدوات مخبرية مخصّصة واستخدام كواشف لمنع تلوث الحمض النووي.
?️تكلفة الجهاز: تمثل عقبة أمام تداوله في العديد من بلدان العالم.
? ولا تزال الآفاق مفتوحة أمام العقل البشري، لإيجاد المزيد من الأدوات البحثية، للتّعمق أكثر في المخلوقات الدقيقة.
ولنتذكر قوله تعالى: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ}، [العلق، 5].