الموازنة العامة
تعتبر الموازنة العامة بمثابة الخطة المالية للدولة، تُحدَّد من خلالها النفقات والإيرادات التقديرية لفترة زمنية محددة قد تكون سنوات، والغالب سنة مالية. فهي أداة رقابية على مؤسسات الدولة من خلال توزيع مخصصات الوزارات والهيئات والقطاعات والدوائر الرسمية والديون ومصادر الإيرادات، ويمكن من خلالها التنبؤ بالعجز أو الفائض المالي لخزينة الدولة.
تُعِدّ السلطةُ التنفيذيةُ المتمثلة بالحكومة الموازنةَ المبدئيةَ، والتي تُعرَض على السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الأمة لإقرارها من قبلهم بعد التعديل بصيغتها النهائية القابلة للتنفيذ، ثم تُقرَّر الموازنة، وتمارس المؤسسات المختصة الرقابة على أداء الحكومة من خلالها، من حيث التزام الحكومة ببنودها والشفافية بتحصيل الإيرادات وتقديم النفقات وتحديد التجاوزات وأوجه القصور والخلال والحكم على النتائج والأثر المترتب على الاقتصاد الوطني.
تعريف الموازنة العامة:
هي بيان يوضح كل الإيرادات المتوقع أن تحصل عليها الدولة خلال العام القادم، وخطة الحكومة في إعادة إنفاقها في المجالات المختلفة، كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والأمن والدفاع والشباب والثقافة وغيرها من المجالات، أو من خلال التبويب الاقتصادي لأبواب المصروفات، كالأجور والفوائد المدفوعة وشراء السلع والخدمات والدعم والمزايا الاجتماعية والاستثمارات وغيرها، بالإضافة إلى عرض مصادر العجز وتمويله، وهو ينتج عن زيادة كبيرة في حجم الإنفاق تفوق الموارد المتاحة. (1)
نشأة الموازنة العامة:
ظهرت الموازنة ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻧﻔﻘﺎﺕ ﻭﺇﻳﺮﺍﺩﺍﺕ ﻣﻨﺬ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، فالموازنة ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ لم تكن ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﰲ المجتمعات ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺎﺋﺮﻳﺔ ﺑﺴﺒﺐ محدودية ﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ ﻭﺍﻹﻳﺮﺍﺩﺍﺕ ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ﺣﺴﺐ ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﺎﺕ ﻭالمفاضلة، ﺩﻭﻥﻣﺎ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﱃ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﺘﺒﻮﻳﺐ ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻹﻳﺮﺍﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﺍﻧﺘﻈﻤﺖ المجتمعات ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻴﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺩﻭﻝ ﻔﺮﺿﺖ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ثم ازدادت حتى ﺃﺻﺒﺢ المجتمع يفكر ﰲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ التي ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ مجحفة، ﻣﻦ أﺟﻞ ﺿﺒﻄﻬﺎ ﻭﻣﻼﺀﻣﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﻗﺪﺭﺍﺕ المجتمع بعائد. (2)
أﻣﺎ ﰲ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ أن ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ الحنيف ﻗﺪ ﻧﻈﻢ ﺃﻣﻮﺭ الحياة ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﺩﻳﻦ ﻭﺩﻭﻟﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﺃﻥ الموازنة ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﺗﻄﻮﺭﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻨﺬ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﻭﻣﺮﻭﺭًﺍ بالخلافات ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ المتعاقبة. ﻓﻔﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﺧﻼﻝ السنوات الثلاث عشرة الأولى )ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صل الله عليه وسلم في ﻣﻜﺔ( لم ﺗﻈﻬﺮ الموازنة ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ بوضوح، فقد ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻳﺮﺍﺩﺍﺕ المسلمين محدودة ﺗﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ المساعدات المقدمة ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ، ويوزعها ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ المسلمين ﻭعلى ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﱃ أﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ، تنظم ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻊ ﺭﺑﻪ، ﻭإيمانه ﺑﷲ ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ…
ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻫﺠﺮﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ﻓﻘﺪ ﺑﺪﺃ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺒﻠﻮﺭ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻋﺪﺩ المسلمين ﻭﺗﻮﺳﻌﺖ ﺭﻗﻌﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ الى ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﻢ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻛﺘﻠﻚ الخاصة ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﺼﺎﺩﺭ الإيرادات (الغنائم، الفيء، الخراج، الجزية، النفل) (3), وبعدها أُنشِئَت الدواوين في وقت لاحق لتبويب الإيرادات والنفقات.
بعد ما مرت به الموازنة العامة من مراحل تاريخية، أصبحت تتمثل في أربع مراحل أساسية، هي الإعداد والإقرار والتنفيذ والرقابة، فالتجارب المالية التي مرت فيها مختلف دول العالم كشفت عن تطور دور الموازنة العامة في عملية التنمية المستدامة، ما جعلها تحظى بأهمية متزايدة سنة بعد سنة. (4)
أهمية الموازنة العامة:
1- الأهمية السياسة: تعتبر الموازنة أداة بيد الشعب، فلا تُقرَّر إلا من خلال مجلس الشعب (البرلمان)، الممثل التشريعي لهم والمراقب لأداء السلطة التنفيذية (الحكومة)، فيمكنه انتقاد المبالغة في الإنفاق والإيراد الضريبي ومنعها.
2- الأهمية الاقتصادية: لم تعد الموازنة العامة مجرد تحديد الإيرادات والإنفاقات لسنة مالية قادمة، بل أصبحت تعتبر أيضًا أداة لتنشيط الاقتصاد وتوجيهه من خلال رفع الضريبة وخفضها لدعم بعض القطاعات ومنع الركود والتحكم في التضخم.
3- الأهمية الاجتماعية: تظهر من خلال تأثيرها في إعادة توزيع الدخل بين الطبقات الاجتماعية المختلفة عن طريق فرض ضرائب تصاعدية مباشرة على ذوي الدخول المرتفعة وتوجيه حصيلتها لتمويل بعض أوجه الانفاق الذي تستفيد منه الطبقات الاجتماعية الفقيرة وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية قدر الإمكان. (5)
الفرق بين الموازنة العامة والميزانية العمومية:
تختلف الموازنة العامة عن الميزانية العمومية من حيث أن هذه الاخيرة هي مصطلح يستخدم من قبل المؤسسات والمنشآت والشركات التجارية الخاصة، وتبين قيمة الموجودات والمطلوبات للشركة وتعبر عن المركز المالي، لذا فإن هذه الموجودات والمطلوبات قد حُدّدَت نتيجة عملياتها وأنشطتها المختلفة التي أُنجزَت في فترة زمنية سابقة. إذًا، تختلف الميزانية العمومية في كونها تعد لفترة منتهية وسابقة، أما الموازنة العامة فتحضر لسنة مالية مقبلة، وتختص تختص بالدولة ومؤسساتها الرسمية التابعة لها، خلافًا للميزانية العمومية، إذ تختص بالشركات والمنشآت الخاصة. (6)
نستخلص مما سبق أن الميزانية العمومية تفيد في معرفة المركز المالي للمؤسسة إن كان سيئًا أو جيدًا في نهاية السنة المالية وتعتبر أرقامها حقيقة. أما الموازنة العامة فهي أداة للرقابة على الأداء الحكومي في الإنفاق وجلب الإيرادات خلال سنة مالية مقبلة، وتعتبر أرقامها تقديرية، فهي تُقرّر في بداية السنة المالية، وتُوزَّع المخصصات بناءً على نتائج سنوات سابقة.
إعداد: أحمد عواد.
تدقيق: الطاهر الحاج زين.
المصادر والمراجع:
2 – الرقابة المالية على تنفيذ الموازنة العامة في القانون العراقي، ص 11.
3- كتاب منهاج المسلم، أبو بكر الجزائري، ص 293، طبعة دار المنار.
4- الموازنة العامة، إعداد: راني خوري، منتدى الاستراتيجيات الاردني.
5- المصدر السابق رقم (2) ص 21,22,23,24.
6- المصدر السابق رقم (2) ص 28.