ابن البيطار – عقلية علمية نادرة في الصيدلة
– العالم المسلم ابن البيطار ، وهو ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، ولد في قرية “بن المدينة” التي تقع في مدينة مالقة في الأندلس، ولذلك لُقّب بالمالقي، ولد سنة 1197م وتوفّي في دمشق سنة 1248م.
– اهتمّ بشكل رئيسي بالصيدلة والشفاء بالأعشاب والنباتات، وكعادة العلماء المسلمين وسِمتهم المميزة “الموسوعية”، حيث صَنَّفوا في كل فروع المعرفة، وقلّما اقتصر إنتاج العالم منهم على تخصص واحد، وإن كان بعضهم قد ذاع صيته في مجال معرفة واحد، ومن أشهر هؤلاء العلماء ابن البيطار، الذي قال عنه ابن أبي أصيبعة: “هو الحكيم الأجل العالم النباتي… أوحد زمانه، وعلامة وقته في معرفة النبات وتحقيقه واختياره، ومواضع نباته، ونعت أسمائه على اختلافها وتنوُّعها”.
– وكان علم الصيدلة والطب مزدهراً جداً عند العرب في زمانه، وما زالت بعض الأسماء تُشِعُّ في تاريخ الأدب الطبي؛ كابن جلجل، والشريف الإدريسي، وابن الصوري، وأبو العباس النباتي، وغيرهم، فكانوا رواداً بحق، برعوا في معرفة الأدوية النباتية والحيوانية والمعدنية، وافتتحوا الصيدليات العامة في زمن المنصور، كما ألحقوا الصيدليات الخاصة بالبيمارستانات -المستشفيات-، وكان للصيدلية رئيس يسمى “شيخ صيدلانيي البيمارستان” وجعلوا على الصيادلة رئيساً سمي “رئيسَ العشابين”؛ أي نقيب الصيادلة، ووضعوا كتباً خاصة بتركيب الأدوية أطلقوا عليها اسم الأقرباذين.
.
مؤلّفاته:
1- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية
بترتيب أبجدي منظّم، وأكثر من 1400 عقار نباتي وحيواني ومعدني، 300 منها من صنعه الخاص، اشتهر هذا الكتاب وكان مرجعاً لجميع علماء أوروبا حتى عصر النهضة الأوروبية.
دوّن فيه ابن البيطار الأماكن التي يَنبُت منها الدواء، ومنافعه، وتجاربه الشهيرة، وكان يقيّد ما كان يجب تقييده منها بالضّبط، والشكل، والنقط تقييداً يَضبط نطقها؛ حتى لا يقع الخطأ من الناسخين، أو المطّلعين عليه؛ وذلك لأهمّية الدواء، وتأثير الخطأ على حياة الناس.
ومن منطلق عقلية علمية أصيلة تميل إلى التجربة، وتؤمن بالمشاهدة والملاحظة والاستنباط، وتحري الدقة والأمانة العلمية في النقل بيّن ابن البيطار أغراضه من تأليف هذا الكتاب فقال:
“استيعاب القول في الأدوية المفردة، والأغذية المستعملة على الدوام والاستمرار عند الاحتياج إليها في ليل كان أو نهار، مضافًا إلى ذلك ذكر ما ينتفع به الناس من شعار ودثار، واستوعبت فيه جميع ما في خَمسِ المقالات من كتاب الأفضل ديسقوريدوس بنصِّه، وكذا فعلت أيضاً بجميع ما أورده الفاضل جالينوس في ستِّ المقالات من مفرداته بنصه، ثم ألحقتُ بقولهما من أقوال المُحْدَثِين في الأدوية النباتية والمعدنية والحيوانية ما لم يذكراه، ووصفت فيها عن ثقات المُحْدَثِين وعلماء النباتيين ما لم يصفاه، وأسندتُ في جميع ذلك الأقوالَ إلى قائلها، وعَرَّفْتُ طُرُقَ النقل فيها بذكر ناقلها، واختصصتُ بما تمَّ لي به الاستبداد، وصحَّ لي القول فيه، ووضح عندي عليه الاعتماد”.
وقد تُرجِم هذا الكتاب إلى عدّة لغات.
2- المغني في الأدوية المفردة
مُقسّم إلى عشرين فصلاً، يحتوي على بحث الأدوية التي لا يستطيع أن يستغني عنها الطبيب، ورتَّبت فيه الأدوية التي تُعَالِجُ كل عضو من أعضاء الجسد ترتيباً مبسَّطاً، وبطريقة مختصرة ومفيدة للأطباء ولطلاب الطبِّ.
وبعض الكتب الاخرى مثل: الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام، وتفسير كتاب دياسقوريدوس في الأدوية المفردة، ومقالة في الليمون، وكتاب في الطب، وميزان الطبيب، ورسالة في التداوي بالسموم.
علاج السرطان:
– في علاج السرطان، اكتشف ابن البيطار أحد أوائل الأدوية العشبية المداوية للسرطان وهو عشبة “الهندباء”، وهي نبتة أثبتت نجاحها؛ لامتلاكها خصائص مضادة للسرطان وعلاج الأورام الخبيثة، وقد أثبتت فائدتها ونجاحها في العلاج.
ترحاله:
– جاب بلاد اليونان، والروم، والمغرب، ومَرَّاكش، والجزائر، وتونس، ثم تابع جولاته منتقِّلاً إلى آسيا الصغرى مارَّاً بأنطاكية، ومنها إلى سوريا، ثم إلى الحجاز، وغزَّة، والقدس، وبيروت، ومصر، وقد اجتمع مع علماء تلك البلاد فتدارس معهم أنواع النبات، وخواصَّه، وفوائده، ولم يكتفِ بقراءة الكتب والمصنَّفات، فكان يدرس النبات في منابته، بل ويدرس الأرض التي تُنْبِته، وعن ذلك يقول ابن أبي أصيبعة: “شاهدت معه في ظاهر دمشق كثيراً من النبات في مواضعه”.
– في دمشق أكرمه الملك الصالح الأيوبي، وهناك قام بأبحاثه، ودرس النباتات، وكتب مدوناته ونتائج أبحاثه التي توصل إليها، وتوفّي هناك سنة 1284م، وهو في التاسعة والأربعين من عمره، وهو يقوم بأبحاثه وتجاربه على النباتات، فتسرّب السم إليه أثناء اختباره لنبتة حاول صنع الدواء منها.
==============================================
نصب تذكاري لإبن البيطار في مالاقا/الأندلس، إسبانيا .
==============================================
ابن البيطار والمنهج النقدي:
– قد اتَّسم أسلوب ابن البيطار العلمي بالنزعة النقدية، مع التزامه الكامل بالموضوعية والنزاهة العلمية، ويتَّضح ذلك من خلال مناقشته لآراء السابقين عليه من العلماء والأطباء والعشَّابين، فلقد نقدهم في عدَّة أمور، وكان نقده بَنَّاءً؛ فهو يرفض الآراء التي يَثْبُتُ أن ناقلها قد انحرف عن سواء السبيل ومنهج العلماء السليم، أو لأنها لم تَثْبُتُ أمام مقاييسه العلمية التي يعتمد عليها، وهو لا يكتفي برفضها، بل إنه يتجاوز الرفض إلى توجيه النقد الشديد إلى الناقل أو القائل؛ لأنه افترى على الحقِّ. وأكبر دليل على نزعته النقدية كتابه: (الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام)، الذي نقد فيه كتاب (منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان)، وهو الكتاب الذي جمع فيه ابن جزلة (ت493هـ) الأدوية والأغذية والأشربة؛ حيث نبَّه ابن البيطار على أخطائه، وما غلط فيه من أسماء الأدوية؛ حيث يقول في مُقَدِّمَتِه: “أمَّا بعد فإنه ما أشار عليَّ -مَنْ خَلُصَتْ بإرادة الخير لي نِيَّتُه، وندبني إلى ما رجوت- أن أتعرض لبعض الكتب الموضوعة في الحشائش والأدوية المفردة، فأستطلع بسائط أدويته، وأتعقب ما جرى فيها من التباس أو غلط، وأُعْلِمُ بما وقع فيه من الأوهام في الأسماء والمنافع، فوضعتُ في ذلك مقالة تشتمل معناها على وفاء المقصود، معتمِدًا على يقين صحيح، أو تجربة مشهودة، أو علم متحقّق”.
أقوال علماء الغرب فيه:
المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه: “إن ابن البيطار من أعظم عباقرة العرب في علم النبات؛ فقد حوى كتابه: (الجامع) كل علوم عصره، وكان تحفة رائعة تنمُّ عن عقل علمي حيٍّ؛ إذ لم يكتفِ بتمحيص ودَرْس وتدقيق 150 مرجعًا من سالفيه -الذين اعتمد عليهم في بحوثه- بل انطلق يجوب العالم بحثًا عن النباتات الطبية؛ فيراها بنفسه ويتيقَّن منها، ويُجْرِي تجارِبه عليها، إلى أن وصل به الأمر ليبتكر 300 دواءٍ جديدٍ من أصل 1400 دواء التي تضمَّنها كتابه، مع ذكر أسمائها، وطرق استعمالها، وما قد ينوب عنها؛ كل هذا عبارة عن شواهد تُعَرِّفُنا تمامًا كيف كان يعمل رأس هذا الرجل العبقري” .
المستشرق ماكس مايرهوف: “إنه أعظم كاتب عربي خُلِّد في علم النبات”
جورج سارتون عن كتابه (الجامع في الأدوية المفردة): “إنه خير ما أُلِّف في هذا الموضوع في القرون الوسطى، بل إنه لأضخم نتاج من نوعه منذ ديسقوريدس حتى منتصف القرن السادس عشر” .
المستشرق رام لاندو: “يجب القول إن ابن البيطار أعظم عالم نباتي وصيدلي في القرون الوسطى، ولو أخذت الأمور على حقيقتها فهو أعظم عالم نباتي وصيدلي في جميع العصور ”
العلاج بالأعشاب والمكانة العالمية ونوبل للطب عام 2015:
المصادر والمراجع والتجميع:
https://archive.is/20120719021418/https://muslimheritage.com/topics/default.cfm?ArticleID=707
https://www.amazon.com/gp/product/B005526C6O?*Version*=1&*entries*=0
زيغريد هونكة: شمس الله ص334
ابن البيطار: الجامع
ـ ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج2