هل نظريات العلماء صحيحة دوماً ؟ (إهداء للتطوريين لبيان الضغط الدوغمائي العام)
ما قبل العلم > ثم العلم > ثم العلم المعياري > ثم أزمة > ثم ثورة > ثم علم معياري جديد … وهكذا.(سنشرح كل ذلك بالتفصيل بعد قليل)
ولكن يهمنا الآن توضيح نقطة للأسف الشديد يجهلها الكثير من الناس بحكم غير تخصصهم وهي الاطلاع على فلسفة وتاريخ العلوم – حيث لا يعرفون نقاط الضعف التي قد تصل في كثير من الأحيان إلى (فرض) (دوغمائية) أو (إيمان) معين سائد : ليقود نظريات العلماء واختياراتهم التفسيرية في (اتجاه معين) لتطابق (مفهوما محددا) يود المجتمع أو الدين أو الثقافة (أو حتى الصفوة أو الحاكم) أن يسود في ذلك الزمن أو ذلك المكان !!
الأمر معقد قليلا …
ولذلك دعونا نضرب مثالا بنظريات حقيقية (أي لها مدلولات صحيحة تم قياسها بالفعل) ولكن جاء بعدها ما هو أصح منها (يعني حتى لن نضرب مثالا بخرافة التطور التي لم تصح أصلا وأكاذيبها التي فاقت الآفاق في كل شيء) !!
سنأخذ مثالنا من الفيزياء – تلك الشماعة التي يحلو للكثير من الملاحدة التعلق بها (ونعني خصوصا الفيزيائيين النظريين لأنهم أقرب الناس لاختراع الفرضيات الخيالية وقليل منهم فقط الذي يتعامل مع الإثباتات) !!
هل سمعتم من قبل عن قوانين نيوتن وأعماله ؟ تلك الأعمال التي نجحت إلى حد كبير جدا في تفسير حركة الأشياء وخاصة حركة الأجسام الكبيرة والكواكب ؟
لا شك أن هناك الكثير الذين سمعوا عنها في دراستهم أو الإعلام ومواقع العلوم – حسنا .. هذه القوانين والأعمال (النيوتينية) ظلت قرابة 200 عام تثبت نجاحها في الكثير من الحسابات والتوقعات والاستخدامات – ولكن قبل انقضاء هذه الـ 200 عام وتحديدا في القرن التاسع عشر تم رصد حيود كوكب عطارد قليلا عن مداره بما يخالف تنبؤات حسابات نيوتن !!
والآن … ماذا يفعل العلماء في ذلك الوقت ؟ (وهذه نقطة هامة جدا لفهم ما سيأتي من مراحل مسيرة العلم ونظريات العلماء) – فالعلماء لا يستطيعون وقف العمل النيوتيني بهذه البساطة !! وخاصة أنه يؤتي ثماره بالفعل في الكثير من القياسات وما يحتاجونه !! فلن يتركوه وليس لهم بديل يعملون به ساعتها !! ولذلك كانوا ينظرون لذلك الحيود في مدار كوكب عطارد على أنه (شيء شاذ) ليس أكثر من ذلك
وهذا مثال جيد جدا على عدم الخروج عن (الجماعة العلمية) و (الثقافة السائدة) في ذلك الوقت – ويمكن أن نضم إليها بالتبعية أيضا (سواء اكاديميا أو حكوميا) مسألة (مصادر التمويل البحثي) وغير ذلك !!
وظل ذلك الحال والتأرجح حوله تشكيكا وقبولا إلى أن جاء أينشتاين بعد ذلك بالنسبية التي فسرت حيود كوكب عطارد بدقة !! بل وأتت بسياق علمي مختلف لتفسير مختلف الحركات بين الأجسام وتأثيرها وتأثرها !!
إلى هنا انتهى هذا المثال البسيط – ولنعود إلى الترتيب الذي وضعناه في أول كلامنا – والذي يصور مسيرة العلم وظهور النظريات التي يتقبلها المجتمع أو تحت ضغوط معينة أو تثبت نجاحها في عدد من القياسات والحالات : ثم تبدأ حالات شاذة أخرى في الظهور تباعا – ليتم تجاهلها وقتا طال أو قصر إلى أن تبلغ في لحظة من اللحظات قدرا لا يمكن تجاهله بعدها : فتصير ثورة جديدة تأتي بنظريات جديدة وهكذا …!!
إنه ما لخصه فيلسوف العلوم توماس كون في وصفه للعلم في كتابه (بنية الثورات العلمية) وهو ما يمكن وضعه في المراحل التالية :
ما قبل العلم > ثم العلم > ثم العلم المعياري > ثم أزمة > ثم ثورة > ثم علم معياري جديد > وهكذا.
وعلى هذا فالعلم في نظر توماس كون :
1-متغير وليس ثابت – فهو نتاج الجماعة العلمية التي تجمعهم تقاليد وقواعد واحدة مستمدة من نظرة معينة إلى العالَم
2-بداية التغيير في العلم هي حدوث نظرة جديدة للعالم
3-العلم ثوري – ويمكن تصوره في شكل ثورات نوعية متلاحقة – وكل ثورة لها نظرة جديدة خاصة بها إلى العالم ومتجسدة في عقل الجماعة العلمية
4-العلم متقلب ولا يسير في خط أو سهم صاعد واحد – حيث تحدث التقلبات مع الأزمة حينما يفاجأ العاملون في الحقل المعرفي بظاهرة غير متوقعة لا يستطيع العلم المعياري أن يشرحها – فيتم التأويل والتهرب منها زمنا إلى أن يأتي وقت التغيير (أو الثورة) والجديد
والسؤال :
إذا كان ذلك هو مسار العلم الطبيعي ونظرياته التي يكون لها بالفعل حضور علمي وتجريبي يدعمها (كما رأينا بين نيوتن وأينشتاين) – فما بالنا بالفرضيات الخرافية التي لم تنتشر أصلا (مثل خرافة التطور) إلا تتويجا للثورة الأوروبية والفرنسية على الدين والكنيسة : فكانت تدعم أي فكرة (مهما كانت ساذجة وغير مثبتة) تستبعد الحالق ؟! وخصوصا تستبعده من حيز (التفسير الغائي والضبطي المحكم) للقضيتين الرئيسيتين بين الدين والإلحاد وهما (نشأة الكون) و (نشأة الحياة) !!
فهذه اللمحة فقط نهديها لكل من يتعامى عن (الإرهاب التطوري) في الجامعات اليوم وفي المجلات العلمية لكل من يتجرأ على إنكار (مجرد إنكار) شيء في التطور !! أو الجرأة على ذكر لمحة (مجرد لمحة) من علامات (التصميم الذكي) رغم أن التصميم الذكي يثبت الفاعل الحكيم دون حصره أو تعيينه !!
ولكن نبشركم أنه اليوم (وكما نشرنا كثيرا من قبل) توجد جركات فردية وجماعية ومؤسساتية للوقوف بقوة أمام هذا الوضع (الإجباري) للتطور : ومواجهته بثغراته الكثيرة جدا – وكشف عشرات الأخطاء التي فيه (فضلا عن الأكاذيب) – في مقابل أبحاث يتم نشرها (ولو في مجلات بحث خاصة بعيدا عن اللوبي العالمي للتطور) تقر بالتصميم الظاهر لكل باحث محترم في مخلوقات الله عز وجل !!
وسوف يكون لنا الكثير من الوقفات والاستعراضات لمثل هذه الأبحاث قريبا بإذن الله – وبمراجعها ومصادرها العلمية – ومنها ما هو بير ريفيو كذلك (أي خاضع لتكيم الأقران وفق معايير البحث والنشر العلمي)