اقتصاد الظل
اقتصاد الظل
شهد نصف القرن الماضي انفجارًا في كمية المصطلحات -الواردة في الكتب والأوراق العلمية- التي تشير من نواح متعددة إلى الاقتصادات التي يطلق عليها أنها رمادية، سوداء، غير معلن عنها، مخفية، غير ملاحظة، غير مُبلَغ عنها، غير مسجّلة، غير رسمية… والكثير الكثير من الأسماء الأخرى التي تشير إلى أنشطة الأفراد والأسر والشركات التي لا تخضع لقواعد واتفاقيات المؤسسات القائمة، والتي يعبر عنها بما يعرف باقتصاد الظل! فما هو هذا الاقتصاد؟ وإلى ماذا يشير؟
إن اقتصاد الظل هو ظاهرة اقتصادية لا يمكن ملاحظتها وتحديدها بشكل واضح؛ لذلك لا يوجد إجماع على تعريفٍ واضحٍ لاقتصاد الظل، ولذلك ننطلق من تعريف سميث: هو سوقٌ مبنيٌّ على إنتاج السلع والخدمات -بشكل قانوني أو غير قانوني- يفلت من الكشف في التقديرات الرسمية للناتج المحلي الإجمالي.
تشير التعريفات الأوسع لاقتصاد الظل إلى الأنشطة الاقتصادية -والدخل المكتسب منها- التي تتحايل على التنظيم الحكومي أو الضرائب أو الرصد، ومن الواضح أن اقتصاد الظل يشمل الدخل غير المبلغ عنه من التجارة الرسمية في السلع والخدمات.
مكونات اقتصاد الظل:
من خلال ما ذكرناه من التعريفات مختلفة عن الاقتصاد غير المنظم والآراء المختلفة حول هذه الظاهرة، فإننا نجد أن هذا الاقتصاد يتألف من نوعين من الأنشطة:
1- الأنشطة المشروعة: أنشطةٌ هي بطبيعتها مشروعة، لكن لا تعلمُ بها الدولة ولا تخضع دخولها للضرائب ولا تدخل في حسابات الدخل القومي، وتقسم إلى:
*أنشطة نقدية، مثل: جميع الأنشطة غير المسجلة وغير المعلن عنها للجهات الرسمية في قطاع الصناعات الصغيرة والقطاع المهني، كقطاع الأطباء والمهندسين والمحامين وأنشطة الباعة المتجولين.
*أنشطة غير نقدية: مثل تربية الطيور ومنتجات الألبان والحلويات، أي معظم المنتجات المنزلية وغيرها من الأنشطة التي تقوم بها الأسرة وتُتبادَلُ منتجات تلك الأنشطة عن طريق المقايضة مقابل سلع وخدمات أخرى.
2- الأنشطة غير المشروعة: هي أنشطة مخالفة لقوانين الدولة، مثل إنتاج المخدرات والأسلحة وتوزيعها وتهريبها، والرشوة والاتّجار بالبشر وتزوير العملة وترويجها وغيرها… وإن تهريب السلع المشروعة التي يُحظَر استيرادها من أجل حماية المنتج المحلي هي نشاط غير مشروع، وأيضًا أنشطة الاتّجار في السوق السوداء للصرف الأجنبي، وغسيل الأموال.
تقدير اقتصاد الظل
يمكن تقدير حجم اقتصاديات الظل بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الاعتبارات التالية:
1- زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة تزيد من اقتصاد الظل.
2- الزيادة في مساهمات الضمان الاجتماعي تزيد اقتصاد الظل.
3- كلما كانت الدولة خاضعة للتنظيم، زادت الحوافز للعمل في اقتصاد الظل.
4- كلما انخفضت جودة مؤسسات الدولة، زادت حوافز العمل في اقتصاد الظل.
5- كلما انخفض الامتثال الضريبي (الرغبة الجوهرية في دفع الضرائب)، زادت حوافز العمل في اقتصاد الظل.
6- كلما زاد معدل البطالة، زاد انخراط الناس في أنشطة اقتصاد الظل.
7- كلما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بلد ما، كان الحافز للعمل في اقتصاد الظل أعلى.
الآثار الناجمة عن اقتصاد الظل
يؤدي القلق المتزايد من ظاهرة اقتصاد الظل إلى زيادة الاهتمام بين المسؤولين والسياسيين، وثَمَّة العديد من الأسباب المهمة للاهتمام به، والسؤال: لماذا يجب أن يقلق السياسيون بشأن حجم ونمو اقتصاد الظل؟ هذه بعض الأسباب:
– تُعزى الزيادة في حجم اقتصاد الظل بشكل أساسي إلى ارتفاع العبء الإجمالي لمدفوعات الضرائب والضمان الاجتماعي؛ ما قد يؤدي إلى تآكل قواعد الضرائب والضمان الاجتماعي، وأخيرًا إلى انخفاضٍ في الإيرادات الضريبية، ومن ثمّ إلى زيادة أخرى في عجز الموازنة.
– يمكن النظر إلى صعود اقتصاد الظل على أنه رد فعل من قبل الأفراد الذين تثقل كاهلهم بسبب أنشطة الدولة (مثل الضرائب المرتفعة والعدد المتزايد من اللوائح).
– قد يكون لاقتصاد الظل المتنامي آثارٌ حافزةٌ قويةٌ لجذب العمال (المحليّين والأجانب) للعمل في اقتصاد الظل والعمل بشكل أقل (بكفاءة) في الاقتصاد الرسمي.
– وثمّة آثار أخرى مترتبة على اقتصاد الظل: التأثير على النمو الاقتصادي، وانحراف المعلومات الناتج عن مزاولة أنشطة سرية غير مصرح عنها، وارتفاع معدلات البطالة وتشوه الأسعار، وكذلك سوء تخصيص الموارد الاقتصادية.
وأنت عزيزي القارئ، هل تعرف بعضًا من أنشطة اقتصاد الظل المشروعة أو غير المشروعة؟
إعداد: مصعب خرفان
دقّقه لغويًّا: الطّاهر الحاجّ زين.