-يحاول دائماً المستثمر بشكل عام والمستثمر في السوق المالي بشكل خاص أن يتنبأ بالأسعار المستقبلية للأسهم والأدوات الاستثمارية التي وضع أمواله فيها ليستطيع اتخاذ القرار الاستثماري الذي يراه صائباً، إما بالبيع عند شعوره بأنه حان الوقت للحصول على أرباح من الأداة التي كان قد اشتراها فيما سبق، وعند شعوره بأن السوق متّجهٌ إلى مزيد من الخسائر فيُضطر إلى التخلص مما يملك للخروج بأقل الخسائر الممكنة، أو بالشراء عند شعوره بأنه سيحقق مكاسب في المستقبل.
ويختلف المستثمرون من حيث الطريقة التي يعتمدون عليها لتحليل وتقييم أوضاعهم، إلّا أنه يمكن تصنيفها إلى اتجاهين رئيسين للتحليل: أحدهما يقوم على التحليل الأصوليّ (fundamentalist analysis) الذي يعتمد على تحليل الأصول والقوائم المالية للشركات، والآخر يقوم على التحليل الفني (technical analysis) أو ما يسمى بالتحليل البياني. إذ يعتمد تيار التحليل الفني بشكل كبير على الرسوم البيانية المستخدمة لتمثيل سلوك الأصل ومساعدة المستثمرين في اتخاذ قراراتهم.
أولاً- التحليل الأساسي:
يقوم التحليل الأساسي على دراسة البيئة الاقتصادية العامة وتحليل البيانات والمعلومات الاقتصادية والمالية ومختلف العوامل المؤثرة في الاقتصاد، وهذه الدراسة تمكننا من معرفة أثر ذلك على الصناعة التي تنتمي إليها الشركة، ثم التطرق بعد ذلك إلى وضع الشركة داخل هذه الصناعة، وبالتالي تحديد القيمة الحقيقية للسهم، واختيار الشركة المناسبة للاستثمار في أوراقها المالية. ويفترض التحليل الأساسي الفرضيتين الآتيتين:
1-يخضع السوق المالي للكفاءة في المستوى الضعيف، أي إنه لا يمكن الاعتماد على البيانات التاريخية للتنبؤ بالأوضاع في المستقبل.
2-إمكانية التنبؤ بأسعار الأوراق المالية بالاعتماد على تحليل المعلومات الواردة في القوائم المالية، وذلك لتحديد القيمة الحقيقية للأوراق المالية ومقارنتها بسعرها السوقي، واكتشاف الخلل السعري لاتخاذ القرار المناسب.
يمر التحليل الأساسي بالمراحل الآتية:
1-التحليل الاقتصادي: يشتمل تحليل الاقتصاد لأي بلد بالدرجة الأولى على درجة النمو الاقتصادي، وموقع
الاقتصاد من الدورة الاقتصادية (انتعاش وركود) والسياسة المالية والسياسة النقدية ومعدل التضخم وأسعار الصرف وأسعار الفائدة، ويحاول المحللون الأساسيون عن طريق دراسة هذه العوامل الاقتصادية التنبؤ باتجاه السوق المستقبلي.
2-تحليل الصناعة: تُحَلّل الصناعة من خلال تحليل التطور التاريخي لمبيعات المؤسسة و أرباحها،
تقدير حجم الطلب والعرض على منتجات الصناعة، تحليل ظروف المنافسة، تحليل طبيعة المنتج وتكنولوجيا
الصناعة، تأثير التدخل الحكومي في المؤسسة والنشاط الاقتصادي والتحولات الاجتماعية التي تؤثر على
الصناعة.
3-تحليل الشركات: يهدف تحليل الشركات بالدرجة الأولى لتحديد ربحها ومدى نموها وقوتها المالية وقدرتها
على المنافسة؛ إن دراسة أوضاع الشركات ومتابعة أحوالها باستمرار يمكن المستثمرين من التعرف وبشكل مبكر
على أي تغيرات إيجابية أو سلبية قد تطرأ على أوضاع هذه الشركات فتؤثر على أسعار أسهمها، وذلك عن طريق تحليل القوائم المالية للشركة لعدة سنوات ومقارنتها مع الشركات المماثلة.
4-تقييم الأسهم: وفي هذه المرحلة تُحدّد التدفقات النقدية المستقبلية المتوقعة من السهم، بما في ذلك الأرباح الموزعة، ثم يُحَدّد معدل الخصم، للوصول إلى القيمة الحقيقية للسهم.
-يُقارَن بعدها بين القيمة الحقيقية التي تم الوصول إليها مع قيمة السهم في السوق، فإذا كانت القيمة الحقيقية أكبر فإنه من الأفضل للمستثمر أن يشتري السهم ويحتفظ به إلى حين تصبح القيمة السوقية أكبر وفي هذه الحالة يكون الأنسب بيع السهم لتحقيق الأرباح، أما إذا كانت القيمة الحقيقية تساوي القيمة السوقية فإن المستثمر بإمكانه أن يشتريه ويحتفظ به للحصول على الأرباح التي توزعها الشركة بشكل دوري.
-من مزايا التحليل الأساسي أنه يعكس الوضع الحقيقي للشركة وبالتالي القيمة العادلة للسهم، بسبب أخذه لكل العوامل الاقتصادية المؤثرة بعين الاعتبار عند إجراء التحليل، لذا يعد مناسباً للتنبؤ بوضع الشركة على المدى طويل الأجل وبالتالي لا يمكن استخدامه لإجراء تنبؤات قصيرة الأجل.
ثانياً- التحليل الفني:
-يقوم التحليل الفني على محاولة التنبؤ باتجاه الأسعار في المستقبل بالاعتماد على البيانات التاريخية (سعر، حجم التداول، تاريخ التداول وقراءة الرسوم البيانية المعبرة عن هذه البيانات) مفترضاً عدة افتراضات:
1-يتحدد السعر في السوق على أساس قوى العرض والطلب.
2-يحكم العرض والطلب عوامل عقلانية وغير عقلانية.
3-تتحرك الأسعار في الغالب في اتجاهات تستمر عبر الزمن ويمكن أن تتكرر.
4-يعود التغيّر في اتجاه الأسعار إلى التغيّر في العرض والطلب، وهذا التغير يمكن الوقوف على أسبابه من خلال دراسة السوق.
-يقف التحليل الفني على النقيض من فرضية كفاءة السوق المالي، التي تعتقد أن الأسعار تتحرك بطريقةٍ عشوائية، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بها في المستقبل.
-مميزات التحليل الفني:
1-سهولة الاستخدام؛ فبمجرد تحديد الوسيلة أو القاعدة الفنية التي سيعتمد عليها المحلل في التنبؤ بالأسعار يصبح تطبيقها على أي عدد من الأسهم مسألة سهلة وبسيطة.
2-توفير الوقت والجهد؛ فكل المعلومات المستخدمة في التحليل متاحة للجميع في السوق.
3-تتصف القاعدة الفنية بشمولية التطبيق حيث يمكن استخدامها على أي عدد من الأسهم.
4-الميزة الرئيسة للتحليل الفني هي أنه لا يعتمد بصورة كبيرة على البيانات المالية المحاسبية عكس التحليل الأساسي.
5-يُعتبَر منهج التحليل الفني واضحاً وبسيطاً نسبيّاً إذا ما قُورِنَ بالطرق الأخرى في اتخاذ قرار الاستثمار في الأسهم، وخصوصاً إذا ما قورِن بالتحليل الأساسي.
-عيوب التحليل الفني:
رغم تعدد مزايا التحليل الفني، إلا إنه لا يخلو من العيوب التي تشكك في قيمته:
1- نادراً ما يحقق المستثمر الذي يتبع قواعد التحليل الفني عوائد كبيرة تفوق ما يحققه المستثمرون الآخرون.
2-إن نماذج الأسعار أو العلاقات بين متغيرات سوق معين وأسعار الأسهم قد لا تتكرر، ونتيجةً لذلك فإن
الأسلوب الذي يكون قد نجح من قبل يمكن أن يفشل في دورات السوق اللاحقة، وقد دفع هذا الأمر العديد من
المحللين الفنيين لاتباع أكثر من قاعدة تعامل تؤدي إلى اتفاق بينها حتى يستطيع التنبؤ بنموذج السوق المستقبلي.
3-إن المحلل الأساسي الذي تتوافر لديه المعلومات والقدرة التحليلية يمكن أن يصل إلى نتائج أفضل، ذلك لأنه
يتنبأ بالأحداث المستقبلية ويخرج منها بالقرار المناسب في الوقت المناسب، أما التحليل الفني فإنه ينتظر وقوع
الأحداث، ويرى بعينيه التحول في حركة الأسعار ثم يتخذ القرار.
4-إن المحللين الفنيين هم الذين يخلقون بأنفسهم التوقعات التي يعتقدون بإمكانية حدوثها (ما يُعرف بتأثير بيجماليون)، فلو أن مئات المحللين الفنيين استخدموا نفس الأسلوب وذات البيانات، فسوف يتوصلون إلى ذات القرار، ولو أن القرار كان شراء سهم منشأةٍ بسبب توقعهم ارتفاع سعره في المستقبل، فسوف تتدفق الأوامر لشراء ذلك السهم مما ينجم عنه ارتفاع السعر، وهذا أمر طبيعي، بعبارة أخرى إن الارتفاع في السعر أحدثه في الأساس سلوك أولئك الذين يؤمنون ويستخدمون التحليل الفني.
5-لا يمكن للمعطيات التاريخية أن تُستَعمل في التنبؤ بالأحداث المستقبلية وهي من أكثر الانتقادات الموجهة للتحليل الفني.
المصادر :
http://thesis.univ-biskra.dz/1507/1/Eco_m6_2015.pdfhttp://journals.lagh-univ.dz/index.php/djei/article/download/154/135