فكِّر على سبيل المثال بآخر مرة حللت بها لغز كلمات متقاطعة، أو شرعتَ في تعلم لغة جديدة، أو آخر حلم مزعج استيقظت منه فجأة أو حتى تفكيرك في إيجاد طريق جديد لم تسلكه من قبل.
تفكيرك ورؤيتك و أحلامك، كلها نشاطات دماغية تعمل باستمرار على دمج المعلومات وتنسيقها؛ لتشكيل واقع خاص بك.
يعمل الدماغ على فهم البيئة المحيطة بك، فهو يسلط الضوء على الأشياء الهامة ويتجاهل الجزئيات والأشياء غير الهامة، وينشئ القصص الخاصة بنا بناء على العواطف والأفكار والخبرات والرغبات؛ مما يشكل السلوك بالمجمل.
يحدث ذلك عن طريق النشاط الكهربائي للدماغ:
يتألف الدماغ من مئات الآلاف من الخلايا العصبية المترابطة عبر المشابك العصبية والتي تنقسم بدورها إلى مشابك عصبية منشطة أو مثبطة، فإما أن تقوم المشابك بنقل المعلومات والنبضات الكهربائية عبر العصبونات (الخلايا العصبية) فتكون “منشطة”، أو تقوم بمنع نقلها فتكون “مثبطة”.
تولد المشابك إشارات كهربائية عندما تعمل، وبالطبع، فإن النشاط الكهربائي الناتج عن عصبون وحيد يكون صغيرًا جدًا، لكن عندما تقوم مجموعة صغيرة من العصبونات (حوالي 1000 أو أكثر) بتوليد النبضات الكهربائية بشكل متزامن، تتولد بذلك نبضة كهربائية تكفي لأن تنتشر عبر الأنسجة وعظام الجمجمة، وبالتالي يمكن قياسها من سطح الرأس (تخطيط الدماغ).
يمكن تشبيه هذا بهزات صغيرة تحدث ولا يمكن الشعور بها، لكن الآلاف من مثل تلك الهزات إذا حدثت بنفس الوقت وبإيقاع واحد متناغم فإننا سنشعر بتلك الهزات حتى على بعد أميال.
تعتبر آلية عمل تخطيط الدماغ الكهربائي بسيطة، حيث يتم قياس مطال الموجات الكهربائية التي تشكل النشاط الدماغي الكهربائي الناتج بدوره عن نشاط آلاف الخلايا العصبية الدماغية المتزامنة، ويقاس بالتوتر (ميلي فولت).
يعطي تخطيط الدماغ للأطباء مجالًا واسعًا من الوقت يصل حتى أجزاء من الثانية يسمح لهم عن طريق الجهاز بمعرفة مناطق الدماغ التي تنشط في لحظات معينة.
تنتقل فروقات الجهد الكهربائي التي تتحسسها المجسات على الرأس إلى مضخِّم جهد “مكبر عملياتي” يقوم بتضخيم الإشارة مرات مضاعفة مع الحفاظ على شكلها، ومن ثم يمكن عرض مجموعة متعددة من الإشارات التي تلتقطها المجسات من الرأس.
إن جهاز التخطيط الدماغي يُعد من أسرع الأجهزة الطبية، ففي الماضي كان بإمكان الجهاز التقاط (٢٥٦) لقطة في الثانية والتي تطبع على الورق إذا طلبنا ذلك، أما اليوم فبإمكاننا مشاهدة التخطيط الدماغي بشكل مستمر على شاشة العرض.
لكن كيف يفسر العلماء هذه الإشارات التي تلتقطها المجسات؟ تابعوا معنا في المقال القادم
.