يقسّم العالِم روي كزين هوانغ ( Rui Xin Huang) العلوم إلى فئات عمرية محددة. ويقدّم شرحاً تفصيلياً في سياق تحليله الذي يتناول فيه مستقبل علم المحيطات الفيزيائي ( The Future of Physical Oceanography) .
تمرّ معظم مجالات العلوم في دورةٍ حياتيةٍ تشبه تلك التي يمرّ بها البشر، والتي تتضمّن مراحل الطفولة، النضوج، الشباب، الكهولة، الشيخوخة وفي النهاية الموت المحتّم.
• فيزياء الطاقة العالية أو فيزياء الجسيمات( High-Energy Physics ) في طور الفناء.
كان هذا العلم من أشد العلوم رواجاً في القرن العشرين، وقد لقي حماساً بارزاً وجذب عدداً كبيراً من العلماء المتميزين. وإذا أردنا أنْ نقيّم هذا العلم بعدد العلماء الفائزين بجوائز نوبل، فإنَّ فيزياء الجسيمات كانت على رأس الهرم متربّعةً على عرش العلوم في هذا المجال. أمَّا الآن، فإنَّ جزءاً كبيراً من هذا العلم قد أصبح تاريخاً؛ والسبب في تراجع العمل به لا يعود إلى فقدان ميزته العلمية أو نحوه، ولكنه يعود إلى التّكلفة العالية جداُ التي يتطلّبها هذا الاختصاص، بالإضافة إلى أثره وفوائده المحدودة للغاية على المجتمع.
• الديناميكا الهوائية (Aerodynamics) في مرحلة الشيخوخة.
لقد نشأ هذا العلم في العام [ 1930] تقريباً، وبلغ ذروته في سيتّينيات القرن الماضي. لعبت المحاكاة الحاسوبية( Computer Simulation )دوراً هاماً في صياغة النتائج التي كانت تعتمد استخدامَ النفق الهوائي ( Wind tunnel ). وبالرّغم من وجود العديد من المسائل التي لم تجد طريقها إلى الحل حتى الآن؛ إلاّ إنَّ الديناميكا الهوائية لم تعد علماً حديث السن. لقد وصل هذا العلم إلى مرحلة النضوج بعد رحلة [ أبولو ] وهبوط الإنسان على سطح القمر. ولكن فيما بعد، تراجعت الحكومات وبشكلٍ سريع عن تقديم الدعم الماديّ، واضطر العديد من العلماء في مجال الديناميكا الهوائية إلى ترك العمل بها والتحوّل إلى مجالات بحثية أخرى كعلوم الأرض (Geoscience ) وعلوم الحياة (Life Sciences) .
• علم الأرصاد الجوية ( Meteorology ) في مرحلة النضوج.
ظهر هذا العلم في بدايات القرن العشرين، وبدأ بالتطور سريعاً ؛ بسبب تزايد الطلب لمعرفة التوقعات الجوية، وجمع قاعدة بيانات ضخمة لها. تُعدّ التوقعات الجوية الآن والمعتمدة على قياس محدد يسمّى (Synoptic Scale) مسألة هندسية روتينية، ولكنْ تبقى هناك بعض المسائل ذات القياسات الصغيرة، بالإضافة إلى العمليات اللاخطّية المرتبطة بظروف الطقس القاسية. إنَّ أكثر الأمور تحدياً في هذا الشأن هي تلك التي ترتبط باستيعاب ورصد تغيرات المناخ، وهذه المسألة تتعلق عموماً بحركة التيارات المحيطية.
علم المحيطات الفيزيائي (Physical Oceanography) في مرحلة الفتوّة.
ترافق هذا العلم في بداياته مع ملاحظة ظاهرتي المدّ والجزر والتفسير النظري لهما، إلاَّ إنَّه يمضي الآن ببطءٍ شديد مقارنةً بعلم الأرصاد الجوية. فما زلنا في طور رسم الصورة الأولى للمحيط بشكلٍ عام. وهكذا. إنّ علم الأرصاد الجوية [ والذي يُعتبر توأمه في هذا المجال] قد تطوّر بشكل ملحوظ خلال الخمسين سنة الماضية بالرغم من تاريخه القصير نسبياً. وهذا التطور يعود إلى سببين أساسيين قد ساهما في تحديد مسار كل من هذه العلوم. الأول : هو الطلب المتزايد لمعرفة توقعات الأحوال الجوية، والثاني: تناسق جمع المعلومات في المجال نفسه. ولكن، بما أن هناك طلباً متزايداً أيضاً لمعرفة تغيرات المناخ والظروف البيئية بشكلٍ عام، فإنَّ علم المحيطات قد يجد عصره الذهبي في غضون عشرة أو عشرين عاماً من الآن. فلا يزال علم المحيطات حديثاً، وعلى الأرجح فإنَّ هنالك مستقبلاً مشرقاً في الانتظار. وهذه بشرى لكل المتخصصين في هذا المجال.
العلوم البيئية (Environmental Science) في مرحلة الطفولة.
يعدُّ هذا العلم من أحدث العلوم. وقد ظهر نتيجة المخاطر التي يشكّلها النشاط المتزايد للإنسان في مجالات عدة ومختلفة؛ لذلك أصبحت دراسة أثر هذا النشاط الإنساني على البيئة من أجل الحفاظ عليها، من أهم العوامل التي دفعت إلى نشوء هذا العلم. ومن المتوقّع أنْ يكون علم البيئة من أبرز العلوم وأكثرها أهمية في القرن الواحد والعشرين.
.