تقي الدين بن معروف الشامي (١٥٢٦- ١٥٨٥م)؛ هو عالم مسلم وفلكيٌّ دمشقيٌّ وأحد أهم العلماء الذين برعوا في القرن السادس عشر، وبرع في العديد من المجالات أهمها الرياضيات والفلك والمكانيك والهندسة وعلم البصريات، وله مؤلفات كثيرة فيها.
هو تقي الدين أبو بكر محمد بن قدحي معروف بن أحمد الشامي السعدي الرصيد، ولد عام ١٥٢٦ في دمشق وعمل لفترة بمنصب قاض ومدرس في مدينة نابلس ودمشق والقاهرة وخلال فترة اقامته في مصر انتج بعض الأعمال الهامة في مجال علم الفلك والرياضيات. وفي عام ١٥٧٠ وصل إلى اسطنبول قادماً من القاهرة وبعد حوالي عام ونصف عُيِّنَ بمنصب منجم باشي (رئيس الفلكيين)، وذلك بعد وفاة سلفه مصطفى بن علي المواقيتي.
وشكل تقي الدين علاقاته الوثيقة مع عدد من رجال الدولة بينهم سعد الدين هوجا و الصدر الأعظم صوقوللو محمد الذي جعله يقابل السلطان مراد.
وكانت شهرته في اسطنبول هي الرصيد وذلك كونه عالم فلك، ورئيس المرصد في اسطنبول، إذ قام تقي الدين بإخبار السلطان مراد الذي كان مهتماً بعلم الفلك بأن الجداول الفلكية التي تعود إلى السيد أولوگ (ulug bey) تحوي عدة أخطاء مما أدى إلى أخطاء أخرى في الحسابات المعتمدة على هذه الجداول، وأشار تقي الدين بأنه من الممكن تصحيح تلك الأخطاء إذا تم تدوين ملاحظات جديدة واقترح بناء مرصد في اسطنبول لهذا الغرض.
وقد سُرَّ جداً السلطان مراد بهذا الخبر كونه سيكون الراعي لأول مرصد في اسطنبول، وطلب بدء البناء على الفور.
وقدم كافة الاحتياجات المادية لإتمام البناء، وفي هذه الأثناء كان تقي الدين يقوم بأعمال الرصد من برج گالاتا إلى أن تم جزئياً بناء المرصد في عام ١٥٧٧، وتابع أعماله في المرصد الذي أطلق عليه ”دار الرصد الجديد“.
كان المرصد يتألف من جزئين منفصلين أحدهما بناء كبير والآخر بناء صغير شيد في الجزء العلوي من حي توبهانى (tophane) في مدينة اسطنبول، وكان يضم مكتبة تحوي بشكل أساسي على كتب الفلك والرياضيات. وكان تقي الدين قد استخدم نفس الأدوات المستخدمة في المراصد الفلكية الإسلامية القديمة بعد أن استنسخها بعناية كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك فقد استخدم بعض الأدوات التي كانت من ابتكاره واستخدمت للرصد الفلكي لأول مرة. وكان طاقم المرصد مكون من ستة عشر موظفاً ثمان رصدة وأربعة كتبة وأربعة مساعدين. وقد تم تصميم المرصد بحيث يلبي احتياجات علماء الفلك فكان يحوي على مكتبة تضم كتب علماء الفلك وكان يحوي أيضاً على ورشة صغيرة لتصميم وتصنيع الأدوات التي يحتاجها الراصدون. وقد أنشأت هذه المؤسسة على اعتبارها أحد أهم المراصد في العالم الإسلامي واكتملت في عام ١٥٧٩.
وكان المرصد مماثلاً لمرصد (uraneborg) الخاص بالعالم الدنماركي تايكو برايي (tycho brahe) الذي عاش بين (1546-1601). وقام تايكو برايي ببناء مرصده عام ١٥٧٦، والذي امتلك تشابه إلى حد كبير تلك الأدوات التي استخدمها تقي الدين!
قام تقي الدين بجمع ما سجله من ملاحظات في جداول ومخطوطات أطلق عليها (سِدرَةُ مُنتَهَى الأَفكَار فِي مَلَكُوت الفَلَك الدَّوَّار).
وبدأ تقي الدين نشاطاته الفلكية في اسطنبول عام ١٥٧٣ مع ١٥ من المساعدين، واستمر المرصد في عمله حتى ٢٢ من كانون الثاني عام ١٥٨٠ وهو تاريخ اغلاقه لأسباب سياسية صيغت على شكل ديني، وأما الأدوات الفلكية التي استخدمها في المرصد بغية تسجيل الملاحظات؛ فهي:
الاسطرلاب الكروي والرباعية الجدارية والسمت الرباعي، والمسطرة الموازية، والمسطرة الرباعية أو الرباعي الخشبي، وابتكر أداةً مزودة بحبال تستخدم لتحديد مواعيد الاعتدالين لتحل محل الاسطرلاب الاعتدالي، كما استخدم ساعة ميكانيكية مع قطار من التروس.
وقد قام تقي الدين باختراع أدوات رصد جديدة قام بإضافتها إلى المجموعة المستخدمة في المراصد الفلكية في العالم الإسلامي، نتعرف عليها في الجزء القادم إن شاء الله.