المصارف الإسلامية (الجزء الثالث)
نتابع حديثنا عن بيت المال كأحد المصارف المركزية إن جاز التعبير، فقد كانت الدولة تلجأ إليه وقت الأزمات والكوارث، ففي عام الرمادة أو المجاعة عام 18هـ ، أمر الخليفة عمر بن الخطاب بأن ينفق على الناس من “حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفده” [1].
في ظلِّ الخلافة الأموية:
فقد زادت خزائن بيت المال بالأموال؛ وقد أشار ابن عبد الحكم إلى أن مقدار المال الذي أرسله مسلمة بن مخلد والي مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان، بعد أن أدى للناس حقوقهم، كان يبلغ ستمائة ألف دينار [2]، وهذا المبلغ -بلا ريب- ضخم جدًّا من ولايةٍ واحدةٍ من ولايات المسلمين -وهي مصر- ، فما بالنا بمقدار الأموال الأخرى التي كانت تدخل بيت المال من باقي الولايات الإسلامية!َ
ومن دون شكٍّ فإن هذه المبالغ الضخمة تؤكد على أهمية بيت المال في ظلِّ الخلافة الأموية.
وقد كانت هناك إدارة مركزية لبيت المال في عاصمة الخلافة الإسلامية دمشق، وإدارات فرعية في كل ولاية على حدة؛
وقد كان يُنفق من بيوت المال في كل ولاية على مرافق الحياة داخلها، وسد احتياجات هذا الإقليم على أكمل وجه، وبعد ذلك يتم إرسال ما تبقى من الأموال إلى الإدارة المركزية في مقر عاصمة الخلافة. [3]
وفي عصر الخلافة العباسية:
وحينما تولى أبو جعفر المنصور الخلافة، كانت سياسته المالية متقشفة إلى أقصى حدٍّ، حرصًا منه على الأموال، حتى اتهم المنصور بالبخل، فلما تولى ابنه المهدي الخلافة، عدل عن سياسة أبيه، وأمر عند بداية خلافته باستخراج حواصل أبيه من الذهب والفضة، ففرَّقها في الناس، ولم يُعْطِ أهله ومواليه منها شيئًا، بل أجرى لهم أرزاقًا بحسب كفايتهم من بيت المال [4] [5].
في الأندلس:
عرفت الحضارة الإسلامية في الأندلس بيت المال، وكان على غرار بيوت المال في المشرق، إلا أن مكانه – في العادة – كان في المسجد الجامع؛ حفاظًاً عليه، ورفعةً لشأنه، خاصة في ظل الخلافة الأموية في الأندلس [6].
يتبع ..
المصادر:
[1] ابن كثير: البداية والنهاية 7/103.
[2] ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها ص117.
[3] المصدر السابق ص345.
[4] السُّرَاة: أي الأشراف. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة سرا 14/377.
[5] ابن كثير: البداية والنهاية 10/163.
[6] ابن عذارى: البيان المغرب 2/230.