لنفترض هذه المقاربة.
تم استضافتك أنت ومجموعة من أصدقاءك الى حقل واسع جدا تغطيه بلورات زجاجية بعمق قدم عن الأرض. نظرا لعمق واتساع امتداد وكثافة هذه البلورات فإنه من الصعب عليك تحديد لون البلورة دون معاينتها مباشرة. إلا أن مضيفك أعلمك أن البلورات تأتي بألوان مختلفة لا تعد ولا تحصى. مختلفة لدرجة أنك لو صففت كل عينة من عينات البلورات ذات الالوان المتدرجة بجانب بعضها البعض فإنك ستحصل على طيف ضوئي مطابق (بدرجة عالية) لطيف قوس قزح الضوئي. مطابقة لدرجة أنك لن تستطيع تمييز انسيابية الوان البلورات بين بعضها البعض عن انسيابية الألوان في طيف قوس قزح الضوئي. إذن الإنتقال بين لون بلورة ولون البلورة المجاروة سيكون سلسا وانسيابيا بحيث لن يستطيع الناظر ملاحظة هذا الإنتقال.
لتحقيق هذه الغاية -أي ترتيب البلورات لتحصل على طيف ضوئي متدرج متناسق- دُفع لك ولأصدقائك مبلغ من المال مع التذكير أنك وأصدقاءك غير قادرين على التمييز الدقيق بين لون هذه البلورات نظرا لعمقها وشدة اتساعها داخل هذا الحقل. إنطلقت أنت وأصدقاؤك تلمون “بعشوائية” أكياس من هذه البلورات بغية ترتيبها بتدرج للحصول على الطيف الضوئي المنشود!
جمعتم مئات ومئات الأكياس من البلورات المنتشرة. ومع كل كيس كانت حيرتكم تزداد. البلورات داخل الأكياس المجموعة لا تتلون إلا بالألوان الرئيسية. الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر وربما عشرة أو خمس عشرة بلورة باللون البرتقالي والبني بين عشرات الالاف من البلورات ذات الألوان الرئيسية. ظهرت البلورات البرتقالية والبنية بسبب تشوه باللون الأحمر والأصفر!
لا يوجد أية ألوان بينية! لا يوجد أية ألوان بينية!
رغم محاولاتك أن لا تكون وقحا إلا أنك وجدت نفسك مضطرا إلى ذكر ذلك لمضيفك الذي أقنعك بأن الحقل يحتوي على بلورات بطيف لا متناهي من الألوان!
ماذا كان رده؟ أجابك بثقة عمياء: أن معظم البلورات الموجودة في الحقل تتكون من الألوان الأساسية ولكن إن بحثت وبحثت لا بد أن تجد بلورات بألوان بينية تتمم لك الطيف الضوئي. وإن كانت قليلة إلا أنها موجودة. عدت أنت المسكين بالبحث مجددا إلى هذا الحقل الواسع الممتد بحثا عن هذه البلورات البينية الألوان النادرة الوجود!
فشلت. فعدت الى المضيف وأخبرته: “لم أجد أي ألوان بينية. فقط الألوان الرئيسية. ربما من نثر هذه البلورات في الحقل تعمد ان تكون البلورات كلها بلورات من الألوان الأساسية وتعمد أن لا توجد أي بلورات بينية الألوان. عندها قاطعك المضيف ناهرا: “من نثر هذه البلورات إختار ذلك؟! هذه البلورات لم ينثرها أحد وإنما وجدت بألوانها في هذا الحقل بالصدفة المحضة!
عندها وبتفكيرك المنطقي البسيط قلت للمضيف: “إذا كان هذا الحقل في حقبة من حقبات الزمن مليء بعشوائية محضة بالبلورات المتنوعة الألوان المتكاملة في تدرجها إذن كيف لا نستطيع إيجاد أي منها الان!؟؟”
عندها غضب مضيفك صارخا: ” البلورات البرتقالية والبنية ألا تراها؟؟؟”
نقلا عن كتاب Heretic-one scientist’s journey from Darwin to Design لماتي ليسلو وجوناثان ويت