تعتبرُ عمليةُ بناءِ السدودِ في عالمِ الحيواناتِ ذاتَ أهميةٍ لا تقلُ عن مثيلَتِهَا في عالمِ الإنسان ، فمثلا تقومُ بعضُ أنواعِ الحيواناتِ ببناءِ السدودِ بهدفِ حمايةِ مساكنِها من الحيواناتِ المفترسة ، وربما لتأمينِ الوصولِ إلى مصادرِ الغذاءِ بسرعة ، وهي أيضاً تتبعُ نفسَ المعاييرِ الأساسيةِ في بناءِ السدودِ عندَ الانسانِ كاختيارِ الموقعِ الأنسبِ ، وحسابِ التكاليفِ وتسخيرِ العددِ المناسبِ من الأفرادِ للعملِ ، وحتى أنها تجتهدُ في البحثِ عن الوسائلِ الأقلِ تكلفةً في البناءِ كاتباعِها لذلكَ في عمليةِ نقلِ الموادِ ، حيث إنها تقومُ بتعويمِ قطعِ الخشبِ على سطحِ المياه ودفعِها للوصولِ بها إلى موقعِ العملِ ، مما يغطي عجزَهَا عن حَملِ الأغصانِ الكبيرة ، ولا يقتصر الأمرُ على ذلكَ فحسبُ ، بلْ قدْ تنجزُ تلكَ الحيواناتُ ما يُبهرُ البشرَ ! –كما سيأتي-
ومن أبرزِ تلكَ الحيواناتِ حيوانُ القندسِ المعروف بأنّهُ أحدُ أمهرِ مهندسي الطبيعةِ ، والمشهورُ ببنائِهِ لسدودٍ مثيرةٍ للإعجابِ . تبدأُ القنادسُ مشاريعَ بنائِهِا بالبحثِ عن المكانِ المناسبِ لبناءِ السدِ ، فكما أن المهندسين يدرسون خصائصَ التياراتِ المائيةِ للمجرى في الموقعِ المحددِ للبناءِ فإن القنادسَ تحرصُ على اختيارِ مكانٍ خالٍ من مياهٍ سريعةِ التدفق ، وتجعلُهُ في مواقعَ ذاتِ مياهٍ ضحلةٍ ، ثم تتوجَهُ إلى الأشجارِ القريبةِ على ضفافِ المسطحِ المائي فتنخُرُ سيقانَهَا لتدعَها تتهاوى ولتسقطَ في الماءِ لتكوّنَ الهيكلَ الأساسيَ للسدِ ، ولتحويلِ المجرى المائي كما يتم تحويلُه في مشاريعِ سدودِ البشرِ عبرَ بناءِ سدودٍ مؤقتةٍ (وهذه واحدةٌ منْ وسائلَ متعددةٍ) ، وذلك ريثما تقومُ القنادسُ بتعزيزِ الهيكلِ بالأغصانِ والأخشابِ والحجارةِ وكلِ شيءٍ تجدهُ في طريقِها ويصلحُ للاستخدامِ في عملِها ، والنتيجةُ سدٌ بطولٍ منْ مِائةِ مترٍ إلى خَمسِمِائَةِ مترِ ، وبارتفاعٍ من مترٍ ونصفٍ إلى مترين ، لكنْ كما أسلفْنَا لا يقتصرُ الأمرُ على ذلكَ فحسبُ ، فقد بنَت القنادسُ في ألْبِرْتَا الشماليةِ بكندا سداً يبلغ طولهُ ثَمَانِمِائةٍ وخمسينَ متراً ، أي ضعفُ طولِ سدِ هوڤرَ في الولاياتِ المتحدةِ أحدِ أضخمِ السدودِ التي بنتها البشرية على مر التاريخ ، ولكن سد القنادسِ ليس من بناءِ البشر ، ونستطيع رؤيتَهُ من القمرِ بسهولة !
وتساهم سدودُ القنادس بتوفيرِ موطنٍ لعددٍ من الأنواعِ النباتيةِ والحيوانيةِ المهددةِ بالانقراضِ ، وتقوم بتحويلِ المياه إلى الأحواض المتشكلةِ حديثاً مما يسبب منعَ حدوثِ فيضاناتٍ في أسفلِ المجرى المائي حيثُ تقعُ تلك السدودُ ، كما أنها تمنعُ تآكلَ التربةِ ، فهي بذلك تكون سبباً في بناءِ نظامٍ بيئي جديدٍ تتجمعُ فيه الكائناتُ التي تناسبُها تلك الظروفُ ، على عكس أماكنِ السدودِ البشريةِ التي تتسبب في بعضِ الأحيانِ بضررٍ على البشرِ كترحيلِهم إلى أماكنَ أخرى بعيدةٍ عن موقعِ البناءِ ، أو على الطبيعة كتدميرِ أماكنِ عيشِ بعضِ أنواعِ الحيوانات
هذه الحقيقةُ تؤكدُ أنّ الطرقَ الطبيعيةَ كانت ولا تزال أفضلَ من طرق البشرِ وأساليبِهِم
قال تعالى:
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق) فصلت / 53