فيرنر هايزنبيرغ & أروين شرودِنر (الجزء الثاني)
انتهينا في المقال السابق إلى المرحلة التي توصل فيها هايزنبيرغ لمَبْدَأُ اللَّايَقِيْنِ، وعن هذا المبدأ كتب هايزنبيرغ في ورقته المنشورة عام 1927 م: “كلما زادت الدقّة في تحديد الموضع، قلّت دقّة تعيين الزخم في الحال، والعكس صحيح” (يحدث نفس الشيء عند محاولة قياس متغيرات الطاقة والزمن للجسيم في وقت واحد) وقد أثبت هذا المبدأ بما لا يدع مجالاً للشك نقاط قصور موجة شرودِنر.
تبدو هذه النتيجة غير مفهومة، فلماذا يؤدي تحديد متغير ما إلى إلغاء معرفتنا بالمتغير الأخر؟
حاول العالِم بور إيضاح سبب هذه الغرابة بالقول بأنّ الأحداث في مستوى الذرّات الصّغيرة تخضع لميكانيك الكوانتم، بينما يتعامل الأشخاص في المختبرات مع جسيماتٍ كبيرة والتي تخضع لميكانيك نيوتن، لذا يجد الباحثون هذه الظواهر (بالرغم من صحتها) غير مألوفة لأنها لا تحدث إلا عند مستوياتٍ دون ذرّية.
لاحقاً أضاف بور (بناءً على حقيقة أن لكل جسيمٍ سلوكان: مادّي وموجي) مبدأ عُرِف بـ “مَبْدأ التَّتامِ”، والذي يبين أن علاقة السّلوك الموجي والمادّي لجسيم ما علاقة تبادلية “مُتتامة” مع بعضها البعض، وكلا الوصفين ضروري للحصول على تصوّر كامل للأحداث الكمومية.
ثم نتج عن التحسينات التي طرأت على هذا التأويل؛ القول بأنّ دالّة الموجة لجسيم غير ملحوظ تمثل في الحقيقة مزيجًا من الصور الجسيمية والموجية، يبقى المزيج على هذه الحال إلى أن يقرر المراقب اختيار نوع النمط الذي سوف يلاحظه في التجربة! يوحي هذا التأويل بأنّ نتيجة التجربة مرهونة بقرار المراقب! وهذا يدل على أنّ معرفتنا بالطبيعة لا تنحصر بدور المراقبة فقط بل توجب تدخلًا بشكل لا يمكن أن ينجو منه المراقب.
بالرغم من هذه النتيجة المربكة؛ أصبح كلٍّ من مبدأ التَكَامُل ومَبْدَأُ اللَّايَقِين والتأويلات الإحصائية لدالّة موجة شرودِنر مع بعض؛ التأويل المنطقي لميكانيكا الكوانتم، والذي عُرِف بتأويل كوبنهَغن Copenhagen interpretation. وقد آمن هايزنبيرغ به إيماناً شديداً عبر عنه بالقول: “لم أكن أؤمن بأي نظرية أظهرت تناقضاً كليّاً لتأويل كوبنهَغن”.
تبع ذلك إعلان كلٍّ من هايزنبيرغ وبورن أن ميكانيك الكوانتم قد اكتملت وغير قابلة للإلغاء، كان ذلك في أكتوبر عام 1927 م. كان هذا الإعلان مثيرًا، لكن ليس بالنسبة لآينشتاين وشرودنغر، فقد أصرّا على رفض تأويل كوبنهَغن ولم يقبلا به حتى نهاية حياتهما.
كان آينشتاين غير راضٍ على الاعتماد على الاحتمالات، حيث اعتقد أنّ وجود الطبيعة مستقل عن المراقب وأنّ حركة الجسيمات يمكن أن تُحَدد بدقّة، وأن مهمة الفيزيائي تتلخص بالكشف عن قوانين الطبيعة التي تحكم هذه الحركات والتي لن تحتاج في النهاية إلى الإحصاء، فأصرّ على وجود قصور في ميكانيك الكوانتم وأن هذه الصورة غير مكتملة.
وعلى الرغم من اعتراضات آينشتاين، فقد تمكن بور وهايزنبيرغ والآخرون من كسب قبول معظم الفيزيائيين في ذلك الوقت عن طريق إلقاء العديد من المحاضرات لإثبات ذلك. وقد جذب هذا النجاح عددًا من أفضل الطلاب حول العالم قَدِمَ بعضهم من أمريكا والهند واليابان. وقد شكل هؤلاء الطلاب جيلًا جديدًا من الفيزيائيين الحاملين لهذه الأفكار التي اعتبرت ثورية خلال ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين.