تاريخ العَنَفَات
العَنَفَة (أو التوربين Turbine) هي جهاز يحول حركة المائع، سواء كان هواءً أو ماءً أو بخارًا أو غازًا، إلى حركة دائرية. يملك هذا الجهاز شفرات تدور تحت تأثير القوة الكامنة للمائع، فتحرك بدورها محورًا دوارًا يتصل بآلة أخرى تضخ الماء أو تطحن الحبوب أو تنتج الطاقة الكهربائية.
أول ما عرف من العنفات هو العجلات المائيّة، فقد استخدمت العجلات المائيّة بالأساس لطحن الحبوب، كما استخدمت في الصين في عمليّات سباكة الحديد، وكان أوّل وصف للعجلات المائيّة على يد المهندس الروماني فيتروفيو (Vitruvius)، والذي عاش في الفترة ما بين العام الواحد والثلاثين قبل الميلاد إلى العام الرابع عشر للميلاد، إذ قام بوصف عجلة مائية رأسيّة يؤثر الماء على ريَشِها من الأسفل، ولكنها كانت من الماكينات نادرة الاستخدام، وذلك لرخص تكلفة الرقيق في هذا الوقت، والذي منع الرومان من البحث عن مصدر آخر للطاقة. وتعد مطاحن الغلّات التي أُنشئَت في باربيغال في القرن الرابع للميلاد من أكثر التطبيقات الملحوظة على العجلات المائيّة في عهد الرومان، فقد استخدمت ستّ عشرة عجلة مائيّة رأسيّة، بحيث تؤثر المياه على أوعيَة محيطيّة في العجلة، فتمتلئ بالماء في أثناء هبوطه عليها، ويتفرّغ منها تدريجيًّا في أثناء دورانها، فتُضيف قوة الجاذبيّة الأرضية إلى قوّة دفع الماء لها. كما وجد أيضًا من الطواحين متعددة العجلات في عهد الرومان ما لا يقل عن اثنين آخرين غير ذينك الموجودة في باربيغال، ولكنهما لم يكونا بنفس الحجم، أحدهما يقع في شيمتو (Chemtou) غرب تونس الآن، حيث وضعت ثلاث عجلات أفقيّة جنبا إلى جنب في نهر مجردة، والثانية في وادي الزرقاء بالقرب من قيسارية (Caesarea) بفلسطين، حيث وجدت عجلتان أفقيتان.
والعجلات الأفقية هي طارات خشبيّة مركب عليها ريش أو زعانف، يُوجَّه الماء المتدفِّق إلى أحد جانبي الطارة، أو يمكن توجيهه إلى أكثر من مكان في الطارة -كما في العنفات الأحدث- ولكن في نفس اتجاه الدوران.
أما بالنسبة للصين، ففي العام الواحد والثلاثين للميلاد ابتكر المهندس الصيني تو شيه (Tu Shih) منافخ تردديّة تدار بالعجلات المائيّة الأفقيّة، كما استخدمت العجلات المائيّة في إدارة أحجار طحن الحبوب في الصين في القرن الثاني قبل الميلاد.
واستخدمت الطارات المائيّة في العصر الإسلامي في ضخ المياه ونقلها، فقد ابتكر الغزالي في القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر للميلاد) مجموعة من المضخات والسواقي، والتي كانت تدار إما بواسطة قوّة دفع المياه، وإما بواسطة حيوان.
أما فيما يخص العنفات الهوائيّة، فأوّل استخدام معروف لطاقة الرياح كان في خراسان الواقعة بين إيران وأفغانستان الآن، في الفترة ما بين القرن الأول إلى القرن الرابع الهجري، أو ما بين القرن السابع إلى العاشر بالتقويم الميلادي. وكان ذلك من خلال الرحى أو طواحين الهواء الرأسيّة، وهي عنفات رأسيّة المحور، صنعت من الخشب والطين مع القش، وكان نصف العنفة مكشوف للرياح، والآخر مغطى بحائط يحجبه عنها، لأنه في أثناء دوران العنفة تكون حركة نصف العنفة فى الاتجاه المعاكس لحركة الرياح، واعتمدت هذه العنفات فقط على قوة السحب (Drag) ولا تستفيد من قوة الرفع (Lift) اللتين تنتجان من احتكاك الرياح بالعنفات، وهذا أحد أسباب انخفاض كفاءتها، وكانت تستخدم لضخ المياه أو طحن القمح، ومن الطريف أن هذه العنفات التي صنعت قبل ألف عام ما زالت تعمل إلى وقتنا هذا.
أوّل عنفة هواء بنيت في أوروبا مستوحاة من العنفات الموجودة في الشرق الأوسط وقتها كانت تعاني من مشكلة، كانت أفقيّة المحور، ولا تغيّر اتجاهها بتغير اتجاه الرياح، لذا كانت تنخفض كفاءتها بشدة أو تتوقف مع تغير اتجاه الرياح، رغم أن كفاءتها كانت أكبر من عمودية المحور إذا كانت مواجهة للهواء.
لزيادة كفاءتها، طُورَت في القرون اللاحقة لتناسب الأماكن التي يتغيّر فيها اتجاه الرياح، فطاحونة الهواء الهولنديّة على سبيل المثال -والتي ابتكرت بعد ذلك واستخدمت لضخ المياه- يمكن محاذاتها أفقيّا مع اتجاه الرياح.
واستخدمت في الولايات المتحدة الأمريكيّة في القرن التاسع عشر الميلادي حتى الثلاثينيات من القرن العشرين عنفات هوائيّة أفقيّة المحور لها جناح خلفي يوجهها تلقائيّا مع اتجاه الرياح، رِيَش هذه العنفات كانت معدنيّة صغيرة نسبيّا، وعددها كبير في العنفة الواحدة، استخدمت هذه العنفات في الريّ بشكل أساسي، وبني منها ما يقارب 8 ملايين عنفة في الولايات المتحدة.
كان هذا سردًا تاريخيًّا لتطور العنفات واستعمالاتها عبر مختلف الحضارات الإنسانية. سنفصل في المقالات القادمة في تصميم العنفات وطريقة عملها بحسب المائع الذي يحركها. سنعرض بالتفصيل إن شاء الله العنفات الهوائية والمائية والغازية.
إعداد: ماجد صبري
مراجعة: د.محمد القادري
تدقيق: الطاهر الحاج زين
References:
– (Marco D’Ambrosio, Marco Medaglia , Vertical Axis Wind Turbines: History, Technology and Applications 20110 Master thesis in Energy Engineering)
– Rao, J., 2014. History Of Rotating Machinery Dynamics. Springer.
– Roger D. Hansen. Water Wheels. Waterhistory.org.
– تاريخ الهندسة والتكنولوجيا، للأستاذ الدكتور مصطفي عبد المنعم شبعان.