تُعَدُّ خلايا الوقود وأجهزةُ التحليل الكهربائي للمياه حجرَ الزاوية للاقتصاد القائم على وقود الهيدروجين، الذي يُعَدُّ أحدَ البدائل النظيفة والمستديمة الواعدة للوقود الأحفوري.
يعتمد عمل الخلايا الكهربائية وكفاؤتها أساسًا على مواد تسمى «المحفزات الكهربائية» (Electrocatalysts)؛ لذا دأب العلماء منذ عقود على تطوير محفزات منخفضة التكلفة عالية الفعالية؛ لجعل وقود الهيدروجين بديلًا قابلًا للتطبيق.
إنَّ تفاعلَيْ إرجاع وتطوُّر الأوكسجين (Oxygen reduction & evolution reactions) يُعَدّان أهم التفاعلات الكهروكيميائية التي تَحُدُّ من كفاءة خلايا وقود الهيدروجين (لتشغيل السيارات وتوليد الطاقة)، ومُحَلِّلَات الماء الكهربائية (لإنتاج الهيدروجين النظيف)، والبطاريات الهوائية المعدنية كبيرة السعة.
في بحث نُشر حديثًا في مجلة ACS Catalysis، طوّرت مجموعة من الباحثين في جامعة آلتو (Aalto University)، بالتعاون مع باحثين في مركز CNRS بفرنسا وڤيينا بالنمسا، محفزًا جديدًا يقودُ هذه التفاعلات بكفاءةٍ أكبرَ من كفاءة المحفزات الأخرى ثنائية الوظائف المتاحة حاليًّا. ووجد الباحثون أيضًا أن نشاط التحفيز الكهربائي لمحفزهم الجديد يمكن تغييرُه كثيرًا، اعتمادًا على اختيار المادة التي وُضع عليها المحفز.
وفي تصريح للدكتور محمد تافاكولي، الباحث بجامعة آلتو الذي قاد العمل وكتب البحث، قال: «نريد التخليَ عن المحفزات التقليدية النادرة والباهظة الثمن، القائمة على المعادن الثمينة كالپلاتين والإيريديوم؛ واعتمادَ بدائلَ مستقرةٍ وغايةٍ في النشاط، تتكون من عناصرَ رخيصةٍ وافرةٍ من الأرض، كالمعادن الانتقالية والكربون والنيتروجين».
أنجزَ العلماءُ في هذا البحث تطعيمًا هجينًا بالأنابيب النانُوية والچرافين (Graphene- Carbon NanoTube “CNT” hybrids) ذِي المسامية العالية، والمساحة السطحية الكبيرة؛ وذلك بذراتٍ أحاديةٍ من عناصرَ أخرى معروف أنها محفزاتٌ جيدة.
طوَّرَ العلماء في هذا البحث طريقةً سهلة لإنتاج هذه المواد النانُوية بكيفيَّةٍ تمكنهم من دمج خصائص المواد الداخلة في تركيبها في منتج واحد.
قال الدكتور إيمانويل فلاهوت، مدير الأبحاث في CNRS: «نحن أحد الفرق الرائدة في العالم لتطوير طرائقَ لصنع أنابيبِ الكربونِ النانُويةِ المزدوجةِ الجدارِ بكميات قابلة للتوسع. كان الابتكارُ هنا تعديل طرائقِنا في الصنع لإعداد هذه العينات الفريدة».
في هذه العملية المكونة من خطوةٍ واحدة، تمكَّن العلماءُ من تطعيم سطح الچرافين بالنيتروجين و/أو بإحدى الذرات المعدنية (مثل الكوبالت والموليبدينوم)، باستراتيجية واعدة لإنتاج محفزات الذرة الواحدة (Single-Atom Catalysts)، أو ما يُعرف اختصارًا بـ«SACs».
جديرٌ بالذِّكر أن محفزات الذرة الواحدة، التي تعتمد على نثر ذرات معدنية وحيدة على دعامات صلبة، تجذبُ حاليًّا اهتمامَ كثيرٍ من العلماء العاملين في كيمياء المحفزات؛ بسبب أنها تمكِّنُنا من الاستخدام الأقصى لكفاءة الذرات، والخصائص الفريدة التي يمكننا الحصولُ عليها.
ومقارنةً بالاستراتيجيات المنافسة في صنع SACs؛ فإن الطريقة التي استخدمَها فريقُ Aalto & CNRS تُعَدُّ سهلةً ويمكنُ تنفيذُها في خطوةٍ واحدة؛ مما يوفر إلى حد كبير تكاليفَ الإنتاج.
تُحَمَّلُ المحفزاتُ عادةً على ركائزَ صُلْبةٍ، إلا أن كثيرًا من الباحثين يُهمل -مع الأسف- الدورَ الذي تؤدّيه هذه الركائز في فعالية المحفز. أما بالنسبة إلى هذا المحفز الجديد؛ فقد اكتشف الباحثون أن الركيزةَ كان لها فضلٌ كبير في كفاءته، حيث وَجد الفريق أن البنية المسامية لموادهم سمحت بالوصول إلى مواقعَ في المحفز أكثر نشاطًا، تشكّلت عند السطح البَيْنِيّ بين المحفز والركيزة المستعملة؛ لذا طوروا طريقة تحليل مجهرية جديدة لقياس تأثير تغيير هذا السطح البَيْنِي، من أجل الوصول إلى محفز أكثر فاعلية.
يَأمل الباحثون أن تكونَ دراستُهم لتأثيرات الركيزة في نشاط الحفاز في المواد المسامية، أساسًا لتصميم أقطاب كهربائية عالية الأداء لأجهزة الطاقة الكهروكيميائية، ويَأملون أن تكونَ مرجعًا يُعْتَدُّ به في الدراسات البحثية القادمة مستقبلًا.
المصادر:
Mohammad Tavakkoli, Emmanuel Flahaut, Pekka Peljo, Jani Sainio, Fatemeh Davodi, Egor V. Lobiak, Kimmo Mustonen, Esko I Kauppinen. Mesoporous Single-Atom-Doped Graphene‒Carbon Nanotube Hybrid: Synthesis and Tunable Electrocatalytic Activity for Oxygen Evolution and Reduction Reactions. ACS Catalysis, 2020; DOI: 10.1021/acscatal.0c00352