تكاثف بوز-أينشتاين أو الحالة الخامسة للمادة كما تُسمَّى في بعض الأوساط العلمية.
من المعروف فيزيائيًا أن المادة يمكن أن تتخذ إحدى هذه الحالات الأربع: الحالة الصلبة، أو الغازية، أو السائلة، أو البلازما؛ لكن هل سمعت بحالة تسمى تكاثف بوز-أينشتاين؟
تكاثف بوز-أينشتاين هي حالة للمادة تُكوِّنها ذرات غاز من البوزونات (جُسيْمات أو بالأحرى حقول تحمل الطاقة) عند تبريدها لدرجات حرارة قريبة من الصفر المطلق.
والصفر المطلق هو حد البرودة، أو أقل درجة حرارة يمكن الوصول إليها إطلاقًا، وتساوي صفر كلفن أو 273.15- درجة مئوية، وهي درجة حرارة المادة عندما تكون في أدنى طاقة ممكنة.
يُعَد تكاثف بوز-أينشتاين حالةً نادرةً جدًا من حالات المادة؛ أما عن كيفيّة تكوينه فيحدث عند تبريد مجموعة من الذرات إلى درجات حرارة منخفضة جدًا تقترب من درجة الصفر المطلق، ونتيجةً لذلك فإن حركة هذه الذرات سوف تتباطأ كلما انخفضت درجة الحرارة، كما أن طاقتها الحركية سوف تقل، وعند الوصول إلى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق تفقد هذه الذرات كثيرا من الطاقة فتعجز عن التحرك فيما بينها؛ عندئذٍ تفقد الذرات حالتها الفردية، وتتجمع فجأةً مع بعضها في حالة كمية واحدة، لتسلك هذه الذرات كجسم واحد أو ذرة واحدة كبيرة، وتمتلك نفس كمية الطاقة.
وفي هذه الحالة، تدخل جميع هذه الذرات في نفس الحالة الكمومية كأنها ذرة واحدة تُسمَّى “الذرة الفائقة”، ولا نستطيع أن نميز بعضها عن بعض.
بوز وأينشتاين:
إن أول من أشار إلى وجود هذه الحالة المادية هو الفيزيائي الهندي “ساتيندرا بوز” -مكتشف جسيم البوزون الذي سُمِّيَ باسمه- خلال دراسته ميكانيكا الكم وسلوك الجسيمات “دون الذريَّة”، وأطلع بوز “ألبرت أينشتاين” على بحوثه، فطوَّرها لاحقًا بوصف سلوك الفوتونات عديمة الكتلة، بالإضافة إلى البوزونات الأخرى.
البوزونات والفرميونات:
تُصنًّف جميع الجسيمات الأولية باعتبارها إما “بوزونات” وإما “فرميونات”، تبعًا لنظرية الحقل الكُمومي (Quantum field theory)، فالجسيمات التي تمتلك عزمًا مغزليًا (Spin) صحيحًا S=1,2,3… تكون من زمرة البوزونات، وأما الجسيمات التي تمتلك عزمًا مغزليًّا نصفيًّا S=1/2,3/2,5/2… فتكون من زمرة الفرميونات.
اللف المغزلي هي ظاهرة كُمومية بحتة، ليس لها نظير كلاسيكي، وهي ظاهرة تتعلق بدوران الجسيم حول نفسه يرافقها عزم مغناطيسي مغزلي يفسر خواصًا مغناطيسية لبعض المواد، وظواهر أخرى ليس هذا مقام تفصيلها.
لقد استفاد أينشتاين من رياضيات بوز وطبقها على الفوتونات أيضا (جزيئات الضوء)، ووضَع الاثنانِ صيغةً رياضيةً سُمِّيَت بـ”إحصاء بوز-أينشتاين”، يصف هذا الإحصاء سلوك البوزونات عند التكاثف؛ كما وضعا تفسيرًا لهذا السلوك، وهو كالآتي: بما أن الذرات يجب أن تمتلك طاقةً معينةً، وأن تبريد ذرات البوزون بدرجات حرارة تقترب من الصفر المطلق يؤدي إلى تكثيفها إلى أقل حالة كمومية يمكن الوصول إليها، فإن هذه الذرات تحتل نفس مستوى الطاقة وتصبح غير قابلة للتمييز، وعند محاولة قياس أماكن الذرات فإننا سنرى سديمًا ضبابيًّا، بدلًا من رؤية ذرات منفصلة عن بعضها، وعند هذه النقطة تصبح الحالة خاضعة لإحصاء بوز-أينشتاين.
وقد يُطرح سؤال: هل يوجد تكاثف للفرميونات كما يوجد للبوزونات؟
أما بالنسبة للفرميونات، فإنه لا يمكن لأكثر من فرميون أن يمتلك نفس الحالة الكمومية -وفقا لمبدإ استبعاد باولي- إذ تسلك الفرميونات سلوكًا مغايرًا عن سلوك البوزونات، وتتَّبِع في توزيعها إحصاءً مختلفًا يسمى إحصاء “فيرمي-ديراك”، الذي وضعه العالِمان “إنريكو فيرمي” و”بول ديراك”.
لقد ظل تكاثف بوز-أينشتاين حالةً نظريةً منذ إطلاقها عام 1924، دون تجربة واضحة تدعم هذا الافتراض، حتى عام 1995 عندما قام عالما الفيزياء “إيريك إلين كورنيل”، و”كارل ويمان”، بإثبات وجود التكاثف تجريبيًا من خلال تبريد ذرات الروبيديوم 87 إلى درجة حرارة قريبة من 2 كلفن، فتَشكَّل تكاثف بوز-أينشتاين، وهذا يعني أن التجربة لم تثبت النظرية إلا بعد 70 عامًا من التنبؤ بوجودها.
إن تكاثف بوز-أينشتاين له خصائص فريدة من نوعها، تَحدُث للمادة عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا، منها: التوصيلية الفائقة للمادة، فالذرات المتكاثفة لا تُظهِر أي نوع من المقاومة الكهربائية للإلكترونات، كما أنها تتسم بالميوعة الفائقة، فقد اكتُشف مؤخرًا أن ذرات نظائر الهيليوم تشكل سائلًا ذا ميوعة فائقة يمكنه التدفق والانسياب دون أي احتكاك.
المصادر والمراجع:
https://www.thoughtco.com/bose-einstein-condensate-2698962