ثلاث طرق لسد الفجوة الرقمية
ما المطلوب ليتمكّن مليارٌ آخر مِن البشر مِن الاتصال بشبكة المعلومات؟
إنّ إجابةَ هذا السؤال ترتبط في أيامنا هذه بالسياسات الذكية بقدر ما ترتبط بالخبرة الفنية، وفي هذا الإطار عمل عددٌ مِن خبراء السياسات هذا الأسبوع في واشنطن العاصمة جنبًا إلى جنبٍ مع عددٍ مِن المهندِسين في اجتماعٍ
( شاركت في استضافته مبادرةُ معهد مهندسي الكهرباء والإليكترونيات (IEEE) المعنية بشبكة المعلومات الدولية )
هدفُه رسمُ صورةٍ عامّةٍ لما قد تكون عليه عملية انتقالٍ كهذه في مختلف أنحاء العالم،
حيث تهتَمّ شركاتٌ مثل جوجل وفيسبوك بمعرفة ذلك، شأنها في هذا شأن قادة الحكومات الذين أذهلتهم قوّة شبكةِ المعلومات باعتبارها مُحرِّكًا اقتصاديًّا،
هذا ونصفُ سكّان العالم البالغ عددهم 4.2 مليار شخص ما يزالون غير قادرين على الاتّصال بِشَبكة المعلومات بصورةٍ دائمةٍ بحسب آخرِ تقريرٍ نشرَته لجنة الأمم المتحدة لشئون الاتصالات واسعة النطاق (Broadband) في الخريف الماضي.
هذا وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن مبادرة “اتّصل” العالمية التي تهدف إلى إتاحة الفرصة لمليارٍ ونصف المليار مِن الناس للاتّصال بشبكة المعلومات بحلول عام 2020.
كما يأتي ضِمْنَ هذه الجهود عددٌ مِن الأفكار التي نوقشت هذا الأسبوعَ ومِن المزمعِ عرضُها يوم الخميس على وزراء الماليّة خلال اجتماعٍ رفيعِ المستوَى في البنك الدولي يرأسه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
ويؤكد الخبراء على أنّه ليس ثَمَّةَ تقنيةٌ واحدةٌ أو تصميمٌ مُعيَّنٌ للشّبكة يَصلُح لجميع المجتمعات إلا أنهم عرضوا كذلك عددًا مِن المقترَحات لأيّ دولة ترغب في زيادة أعداد مستخدمي شبكة المعلومات لدَيها:
1. السّماح باستخدام الترددات الخالية دون ترخيصٍ :
يُقصد بمصطلحِ المساحات البيضاء في مجالي التلفزة والإذاعةِ تلك التردداتُ الخالِية غير المستخدمةِ حاليًّا لأي مِن القنوات العاملة، حيث جرت العادة في السابق على وضع تلك الترددات الخالية كمنطقةٍ عازلةٍ بين ترددات القنوات العاملة منعًا للتشويش، غير أن الشركات قد توصلت لطرق مكنتها مِن استغلال هذه القنوات دون التأثير سلبًا على القنوات التي تبُثّ على الترددات المتاخمة.
وعلاوةً على ذلك، ساعَدَ التحوّل العالمي مِن الأنظمة التناظرية (Analog) إلى الأنظمة الرقمية (Digital) على توفير نطاقٍ أوسعَ مِن الترددات، إذ يمكن بثّ الإشارات الرقمية على تردُّداتٍ متاخمةٍ دون التشويش على أيٍّ منها.
كما يوجَد عددٌ أكبر مِن الترددات الخالية بالمناطق الريفية حيث لا تتمتع بطبيعتها سوى بعددٍ قليلٍ مِن القنوات العاملة. وتستطيع الأجهزة الحديثة – كالجوّالات والأجهزة اللوحية والحواسِب – تحديدَ التردّدات الخالِية واستغلالَها في بثّ إشاراتٍ واسعةِ النطاق فيما يُعرف بـ “WhiteFi” أو “Super Wi–Fi”، فهذه التردّدات مفيدة جدًّا في نقل البيانات لمسافاتٍ بعيدةٍ وكذلك بإمكانها الوصول لداخل المَبانِي.
ويَحتدم الصّراع الآن بين أكبر شركات التقنية بما فيها جوجل وميكروسوفت وإنتل وهيوليت باكارد (HP) وشركاتِ البثّ للمشاركة في الجهود المُبكّرة مِن أجل إعادة استخدام التردّدات الخالية لهذا الغرض، كما أطلقت عددًا مِن النُّسخ التجريبية لأجهزةٍ يمكنها القيام بذلك.
ويجتاح العالمَ حماسٌ بالغٌ بشأن الـ WhiteFi، فقد انتقل مشروعٌ تجريبيٌ وطنيٌ أُجرِي في المكتَبات العامّة في الولايات المتحدة إلى فنلندا وماليزيا والفلبين، كما أطلقت كينيا منفردةً عددًا مِن التّجارب في المجتمَعات الريفية بينما، أشرفت ميكروسوفت وجوجل على عددٍ مِن المحاوَلات التجريبية في جنوب إفريقيا.
يأتي ذلك في الوقت الذي جرَّب فيه المعهد الهندي للتقنيات هذه التقنية في 13 قرية، على أمَلِ أن تتسع التجربة لتشمل قُرى أكثر في المستقبل.
2- تبني سياسة ” الحفر لمرة واحدة ” :
عندما ترغب شركةٌ ما في تركيب خطِّ أليافٍ ضوئيةٍ (optical fiber) لتحسين جودة اتصال مَنزلٍ أو منطقةٍ بشبكة المعلومات يَتعيّن عليها ابتداءً استئجار حفّاراتٍ وطاقمَ عُمّال لحفر قناةٍ تصل للمكان المقصود، وكذا يتعين الحَفر في نفس المَكان عِدّة مرّاتٍ إذا رغبت شركاتٌ أخرى في تركيب خطوطِ أليافٍ ضوئيةٍ في وقت آخر بالمكان ذاته.
وليس مِن الصّعب فهم الأسباب التي تجعل هذه العملية مكلفةً ومزعجةً لسكان أي منطقةٍ، وقد ذكَر الخبراء في اجتماعهم هذا الأسبوعَ أنّ بإمكانِ الحكومات اتّباع أسلوبٍ أرخص بإلزام طواقم الحفر بوضع أنبوب واحد بطول جميع الطرق الجديدةِ أثناء رصفها ومدّ خطوط الألياف البصرية عند اللزوم في المستقبَل، وفي الإطار ذاته يمكِن لبنوكِ التنمية الدولية اتباع الأسلوب ذاته في المشروعات التي تموّلها، كما شدّد الخبراءُ على أهمّية سياسة الحفر لمرةٍ واحدةٍ، وفي نفس السّياق ذكرت الإدارة الإتحادية الأمريكية للطرق السريعة أن اتباع هذا الأسلوب قد يخفّض تكلفةَ تركيبِ خطوط الألياف البصَرية بنسبة 90%.
وقد حظيت هذه الفكرة بشيءٍ مِن الزخم على الأقل في الولايات المتحدة، حيث روّجت لها وزارتا التّجارة والزّراعة في تقريرٍ نُشِر الخريفَ الماضِي، يأتي ذلك في الوقت الذي قدّم فيه أحد المُشرِّعِين مشروعَ قانونٍ يقضي باتّباع هذا الأسلوب في تنفيذ جميع مشاريع الطّرق الإتحادية، غير أن سياسة “ الحفر لمرة واحدة ” لم تُعتمَد بَعْدُ ضِمن الشروط المعمول بها على المستوَى الإتحادي أو مستوَى الولايات ولا المَحلِّيات، وكذلك لم تعمَّم هذه السياسة على مستوَى العالَم حتى الآن.
3- تطويرُ المحتوَى المَحلِّي :
وكان مِن بين الأفكار الملِحّة في اجتماع هذا الأسبوع أنّ مجرَّدَ توفير الأدوات التقنية للاتصال بشبكة المعلومات ليس كافيًا وحدَهُ، إذ يَتعيّن على الشركات والخبراء التقنيين الانخراط مع المجتمعات المَحلّية لمعرفة الكيفيّة التي ينوُون بها استغلال هذه الفرصةِ، وما إذا كانوا يَرغبون في الحصول عليها ابتداءً، وعلى هذا النحو يمكِن إنشاء الشبكات لِتلائِم تلك الأغراضَ بصورةٍ مثاليّةٍ كما أوضح الخُبراء.
هذا ويمكن القولُ أنّ الاستجابة لاحتياجٍ حقيقيٍ للاتصال بشبكة المعلومات لا يقِلّ أهمّيةً عن ابتكارِ طرقٍ جديدةٍ لتوصيل الشبكة.
ومِن أهمّ صُوَرِ تلك الاستجابة تقديم محتوى مَحلِّيٍ يخاطب المستخدِمين الجُدُدَ المحتمَلين بلغاتهم الأصليّة.
وقد بدأت بعضُ الحكومات بالفعل بتقديمِ خدماتِ التوظيف والضرائب والتراخيص عبر شبكة المعلومات، وهي إحدى وسائل صناعة محتوى مَحلِّيٍ.
كما حقّق المبرمجون نجاحًا في ما يخص المواقع المَحلِّيةَ والتطبيقات التي تُمَكّن الناس في منطقة معينة مِن المشاركة مع غيرهم في المنطقة، ويقول ديليب كريشناسوامي أحد باحثي شركة IBM في بانجالور : “ ترغب أنت في تمكين الناس مِن الاتصال بشبكة المعلومات ولكن، ماذا يحتاج هؤلاء المستخدمون حقًّا؟ إنّ مِن المُمكن ألا يرغب المستخدمون في متابعة أخبار الإنتخابات الرئاسية بقدر ما يرغبون في التواصل فيما بينهم “.
فالهند مثالٌ جيدٌ يعكس مدَى الحاجَة الماسّة في المستقبَل لصناعة محتوى مَحلِّيٍ بالنظر لتعداد سكانها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة يتحدثون 22 لغة رئيسة.
وينبغي تصميم المحتوى الجديدِ بما يَتوافق مع الأجهزة المُتاحةِ وشائعة الاستخدام في المِنطقة، وليس أحدث الأجهزة مُطلَقًا كتلك المستخدَمة في أوروبا والولايات المتحدة.
هذا وقد ناقش الخبراء خلال اجتماعهم العوائقَ التي تحُول دون استخدام شبكة المعلومات في إفريقيا، حيث ذكروا عددًا مِن الصعوبات المستمرّة أبسطها صعوبةُ إعادة شحن الأجهزة في أجزاءٍ عدّةٍ مِن القارة.
ورَدًّا على ذلك طرح أحد الحاضرين فكرةَ مسابقةٍ تخصَّصُ لتطوير برمجياتٍ تستهلك أقل قدر ممكن مِن الطاقة.
المصدر :