سلسلة النفط: نظرةٌ عن قربٍ!
الجزء الرابع : النفط – النظرية الحديثة
كنا قد تحدثنا في الأجزاء السابقة من هذه السلسة عن تاريخ النفط، واستخداماته منذ القدم قبل الوصول إلى التقنيات الحديثة في الكشف عنه واستخراجه وتشغيله، وقد ذكرنا أن هناك عدة نظرياتٍ تفسر نشأة البترول وطريقة تولده، وأهمها النظرية العضوية -أو البيولوجية- التي يتبناها الغالبية العظمى من العلماء المعاصرين؛
ونكمل الحديث معكم اليوم عن إحدى النّظريّات في تفسير نشأة النّفط والتي صعدت إلى السّطح حدثيًا، وهي النظرية التي تقول أن النفط مركباتٌ كربونيةٌ غير عضويةٍ موجودةٌ في أعماق الكرة الأرضية قبل ظهور الحياة بوقتٍ طويلٍ، وأن عمر النفط من عمر الأرض التي كانت قبل أكثر من 4 بلايين سنةٍ ، “حساءٌ” كونيٌّ يتكوّر على نفسه في مداره اللاحب حول الشمس.
واضع هذه النظرية هو العالم الأمريكي توماس غولد، وتؤكد نظريته على أن منابع النفط لاتنضب، بل هي في حال تجددٍ دائمٍ، ومن أكبر الأدلة على ذلك اكتشاف علماء الجيولوجيا أن بعض آبار النفط في المنطقة العربية تعيد مَلء نفسها باستمرارٍ من الأسفل.
وقال العالم الأميركي: <<إن معظم خبراء النفط كانوا يرددون في السبعينات أن احتياطيات النفط ستنفد في حدود عام 1984>>، بينما نعرف حالياً أن الاحتياطيات المكتشفة لحد الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.
وفي تقدير توماس غولد أن النفط يتدفق من مواد كربونيةٍ غير عضويةٍ ليس على عمق كيلومترات، بل عشرات وربما مئات الكيلومترات، ويشرح العالم الأميركي في كتابه الذي صدر عام 1999 بعنوان (الكون العضوي العميق الساخن) كيف يندفع النفط عبر الفجوات العميقة للأرض حاملاً في طريقه ترسبات الحياة العضوية في الطبقات الرسوبية القريبة من سطح الكرة الأرضية، وتواصل هذه المستودعات الكربونية غير العضوية عملها الأبدي في ضخ أطنان النفط وغاز الميثان عبر الفجاج العميقة للكرة الأرضية الى الطبقة الرسوبية.
ويؤكد توماس غولد على أن النفط وأنواع الوقود الأُخرى ليست كما تُسمى خطأً أحفوريةً تكونت من متحجراتٍ (مستحاثات) حيوانيةٍ ونباتيةٍ، وقد وجدت مادة الكربوهيدرات التي يتكون منها النفط والغاز والفحم خلال المراحل الأولى من عمر الأرض قبل ظهور الحياة، وهي جزء من (الحساء الكوني) الذي احتبس داخل الأرض خلال فترة تكونها قبل أكثر من 4 بلايين سنةٍ.
ويقدم التركيز الجغرافي للنفط في المنطقة دليلًا قويًا على نظرية توماس غولد، فتراكم النفط في الشرق الأوسط ومواقع محددةٍ من العالم يناقض الخارطة المتناثرة للحياة على سطح الأرض والأحفورات الناجمة عنها والتي يفترض أن تكون مصدر النفط والغاز والفحم، كما أن كميات الكائنات الحية المتحجرة في المنطقة ليست كافيةً قطعًا لتكوين هذا الحجم الجبار من احتياطيات النفط والغاز، ومعروفٌ أن 90 ٪ من معظم الحياة على سطح الأرض يتكون من ماءٍ و10٪ من المواد الهيدروكربونية، ولن تستطيع هذه الكمية المحدودة من الكربوهيدرات حتى لو تحولت بالكامل إلى “وقود أحفوري” أن تخلق هذا القدر الكبير من النفط الذي يواصل التدفق منذ أكثر من قرنٍ، وتمثل نظرية توماس غولد ثمرة 50 عامًا من البحث.
وسنعرض لكم في الجزء القادم أهم أساليب البحث والكشف عن البترول، وطرق التنقيب عنه.
المصدر:
The Deep Hot Biosphere, Thomas Gold