4436 – #سلسلة_صلاح_الدين 6 (قبل الأخيرة) :
كيف أنهى صلاح الدين النصف الثاني من مشروعه لاستعادة القدس ؟
وكيف كانت أخلاقه مع الصليبيين سواء ما تطلبه الشدة أو اللين ؟
لكي نفهم ما سنقرأه غدا من ثناء المؤرخين الغربيين عليه
اقتربنا من محطتنا الأخيرة غدا في سيرة هذا البطل العظيم – والتي سنفسح فيها المجال لأقلام المؤرخين والكتاب الغربيين أنفسهم وننقل ثناءاتهم عليه – ردا على العلمانيين العرب الذين يسعون في حملات مسعورة موجهة كل فترة لتشويه رمز من رموز الأمة الإسلامية – وخصوصا (وكما لاحظ الكثير منكم) أن التاريخ يعيد نفسه في تفاصيل معاركه بين أهل الحق وأهل الباطل .. وكيف كان تطهير الأمة من أمثالهم على يد أولئك الأبطال .. وكيف كانت نهضة الشعوب وخطوات ذلك
لن نطيل عليكم – ولنفسح المجال أمام أهم المحطات الأخيرة في كفاح صلاح الدين قبل موته بسنوات – وهل استطاع بتوفيق الله عز وجل أن يحقق حلم حياته أم لا ؟
—————————–
أولا :
ما قبل استعادة القدس
1-
نجح صلاح الدين كما رأينا من قبل في النصف الأول من مشروعه لتوحيد صف قوي من المسلمين في مواجهة الصليبيين بدلا من التشتت الذي كان الشائع في وقته – فاستطاع أن يجمع مصر وسوريا واليمن والحجاز وتهامة والعراق في دولة واحدة يتحرك فيها ويساند بعضها بعضا – مما سهل عليه كثيرا تحركاته أمام الصليبيين ومهاجمة قلاعهم ومدنهم الواحدة تلو الأخرى
2-
وللمرة الثانية : لم يكن الأمر سهلا بسهولة كتابة هذه الكلمات – فهناك عدد من المدن الحصينة التي بقيت بأسوارها ومناعة أهلها عصية على الفتح والحصار – فكان يتركها صلاح الدين لعدم تضييع وقته وجهده وفرسانه بغير طائل – وهذا من الذكاء والتخطيط القويم بعيدا عن العناد أو المظهرية الخادعة – وكانت من أكثر المدن تحصينا على الإطلاق هي مدينة (صور) والتي كان عليها الملك (كونراد مركيز مونفيراتو) والسبب في ذلك ليس لقوة أسوارها فقط وقدرتها الطويلة على الصمود في أي حصار ولكن : لأن أغلب الأمراء والصليبيين المنهزمين أو الفارين من أي هزيمة أو قتال أمام صلاح الدين كانوا يفرون إليها ويلتحقون بها
3-
ومن المدن التي كان المسلمون يعانون من أذاها أيضا هي مدينة (الكرك) – والتي حاول صلاح الدين حصارها مرتين لكن دون جدوى لقوتة حصونها ومناعتها الكبيرة –
حيث رغم ما كان يرسله صلاح الدين لاستمالة حاكمها (أرناط آل شاتيون) ليكف غاراته وأذاه عن المسلمين العزل والمسافرين للحج أو التجارة برا وبحرا : إلا أن (أرناط آل شاتيون) كان دائما ما يخالف الاتفاق أو الهدنة ولا يعير لكل ذلك وزنا ويواصل تقتيله في المسلمين !! لدرجة أن صلاح الدين بنى 30 سفينة بحرية لكف أذى (أرناط) من جهة البحر الأحمر – وخصوصا مع تهديدات (أرناط) بالهجوم على مكة والمدينة !! إلى أن فاض بصلاح الدين الكيل مع بعض الحوادث الأخيرة التي قطع فيها (أرناط) الهدنة التي كانت بينه وبين صلاح الدين – وخاصة أنه كانت في إحداها أخته وابنها ونجى بها بعض مَن كانوا معها بأعجوبة : فقرر صلاح الدين أن يضع حدا أخيرا لذلك المتهاون بدماء العزل من المسلمين – وأقسم أنه لا عهد له عنده بعد اليوم – وأنه لو ظفر به لقتله بيده – ولن يحتفظ به أسيرا أو يفتدي به أسرى كما جرت العادة في تلك الحروب
4-
في ذلك الوقت كان (بلدوين الرابع) ملك القدس وزوج (سيبيلا) قد مات – فتم نقل الحكم إلى ابنه (بلدوين الخامس) فما لبث أن مات أيضا في العام الذي يليه – وهنا تم عهد الحكم إلى (سيبيلا) التي تزوجت من (غي آل لوزينيان) وجعلته الحاكم على القدس – لكن بعض الأمراء والحكام اعترضوا على ذلك واعتبروه تخطيا في نظام الحكم – وكان منهم (ريموند الثالث) حاكم طرابلس – والذي راسل صلاح الدين يخبره بأنه لن يتعرض له في أي قتال – وأنه لن يعارض كذلك مروره من عنده – بل وأخبره أنه سيترك له (طبريا) لو قصدها صلاح الدين – وهذا بالفعل ما كان
5-
عندما وصلت أخبار استيلاء صلاح الدين على (طبريا) أراد ملك القدس (غي آل لوزينيان) المتوج حديثا أن يثبت قوته وجدارته بالمنصب – فحشد الكثير من الجنود والأمراء (ومنهم أخيه نفسه) والعامة الذين يرغبون في القتال ليتوجه إلى صلاح الدين – العجيب أنه كان ممَن توجه معه إلى قتال صلاح الدين هو (أرناط آل شاتيون) الذي طالما أغار على المسلمين العزل وخرق الهدنة تلو الأخرى مع صلاح الدين !! فها هو قد أتى الله به إلى صلاح الدين خارج مدينته الحصينة (الكرك) !! وسبحان الله
أيضا كان مع ملك القدس حاكم طرابلس (ريموند الثالث) وهم لا يعرفون أن بينه وبين صلاح الدين اتفاقا ألا يقاتله – وكل هذا الحشد توجه إلى (حطين) – ولتجري أحداث المعركة الشهيرة
6-
وبالفعل .. وصل جيش صلاح الدين أولا قرب حطين عام 583هـ – حيث كان من أسباب تأخر الصليبيين كثرة عتادهم وأثقالهم التي كانوا يسيرون بها – فنزل المسلمون قرب نبع الماء العذب ليكون مصدر الشرب قريبا منهم هم لا عدوهم – أيضا استعان صلاح الدين بخبرات العلماء المسلمين الذين طالما أكن لهم كل الاحترام والتشجيع مثل العالم المسلم الشهير (ابن الجزري) الشهير ببديع الزمان – وإلى اليوم تنشر الأعمال الأدبية والأفلام الوثائقية الأوروبية عن إنجازات هذا العالم في هذه الفترة خصوصا مع صلاح الدين وحروبه – لاسيما وهو أحد أشهر مهندسي البشرية على الإطلاق في علم الميكانيكا أو التسيير الذاتي وعلم الحيل
7-
دارت معركة قوية في حطين مالت الغلبة في أولها إلى جنود الصليبيين وخصوصا مع عطشهم الشديد للماء وبذلهم كل طاقتهم لإحراز نصر مبكر – لكن مع آخر النهار انقلبت الكفة تماما لجيش المسلمين بقيادة صلاح الدين – وما انتبه الصليبيون إلى وجيشهم ممزق شر تمزيق وقد فقد أكثر جنوده بل : ووقع أغلب حكامه في الأسر وعلى رأسهم ملك القدس نفسه (غي آل لوزينيان) وأخيه وكذلك (أرناط آل شاتيون) صاحب مدينة (الكرك) الذي طالما آذى المسلمين !! وكأن الله تعالى ساق به ليبر صلاح الدين قسمه كما سنرى – أما (ريموند الثالث) صاحب طرابلس فقد تظاهر بالهجوم على المسلمين لكنه مر من بينهم وواصل طريقه إلى مدينة (صور) ولم يرجع – فبدا الأمر كأنه الناجي الوحيد من المعركة
8-
تقدم صلاح الدين بعزة الإسلام وحاول طمأنة ملك القدس (غي آل لوزينيان) إلى أنه لن يلقى منه أذى حيث اختار صلاح الدين له الأسر (ومعلوم أن الأسير في الإسلام له حقوق وليس مثل القوانين الهذلية التي لا ينفذها أحد اليوم من الأمم المتحدة إلا على الضعفاء !!) حيث يقول الله تعالى في القرآن :
” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ” الإنسان 8
وبالفعل قدم لهم ماء باردا للشرب – فتناوله ملك القدس (غي آل لوزينيان) وهو لا يكاد يصدق نفسه – وكذلك أخيه – وناول صلاح الدين الترجمان الذي بينه وبينهم : فحسب الترجمان أن الماء لـ (أرناط آل شاتيون) – فهم بإعطائه إياه فاستوقفه صلاح الدين قائلا : أنه أعطاه له هو (للترجمان) ولم يعطه لـ (أرناط) ليشرب – فإنه لا عهد له عنده – وقال صلاح الدين في فخر وإباء :
” نعم أنا أنوب عن رسول الله في الانتصار لأمته ” – يشير بذلك إلى تهديدات (أرناط) للتعدي على مقدسات المسلمين كما ذكره الإمام ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) أحداث سنة 583هـ
ثم عرض صلاح الدين على (أرناط) الإسلام : فسخر ورفض بل وتكلم بكلام سفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم !! وهنا جاء الوقت ليبر صلاح الدين قسمه : فقطع رأسه في ضربة واحدة !!
9-
وعندما رأى ملك القدس (غي آل لوزينيان) ذلك : ظن أن صلاح الدين رجع في كلامه وعهده له بأنه لن يؤذيه – وهنا يقترب صلاح الدين منه ليتكلم إليه بالكلام التالي – وهي لمحة أخرى من اللمحات التي أثرت في الوعي النصراني الأوروبي إلى اليوم – حيث لو كان شخصا آخر لما لامه أحد إذا قتلهم جميعا شر قتله !!
فيقول له صلاح الدين مطمئنا ومفسرا :
” أنا أحدثك حديث الأمراء، لا تخاف يا ملك فلن تموت اليوم، بل تحيا ولو بقي في قومك بقية كنت أملكك عليهم وأساعدك بمالي ورجالي طول أيام حياتك. إن سبب ما فعلته به أن الكرك كانت طريق التجار والمسافرين فكان يعتدى على القوافل بظلم وعنف، وكان ملوك المسلمين نور الدين وغيره يطلبون الصلح معه ليخففوا ضرره على المسلمين، فكان يوافقهم مرة ولا يعتدي على التجار وألف مرة يعتدي. فلما تملّكت وحكمت البلاد أرسلت له وهاديته بمال كثير وخلع.. فحلف لرسولي أنه لن يؤذي المسلمين وسيترك التجار بلا ضرر ويمهد لهم الطريق ولن يعتدي أي واحد من أصحابه عليهم، وبعد الصلح بثلاثة أيام عبرت قافلة قاصدة دمشق فساقها بجمالها ورجالها وأموالها وذهب بها إلى الكرك فأسر رجالها وأخذ الأموال فلما عرفت بأمر نقوضه العهد كتمت الغيظ ونذرت لله أنني متى ظفرت به أذبحه واقطع رقبته، فلا تلومني يا ملك ” !!
المصدر الأجنبي :
Saladin Or What Befell Sultan Yusuf by Beha Ed-din, Baha’ Al-Din Yusuf Ib Ibn Shaddad, Kessinger Publishing, 2004, p.115
وبالفعل أرسله صلاح الدين أسيرا إلى دمشق إلى أن يفتح الله تعالى عليه القدس
10-
وهكذا ارتفعت الروح المعنوية للجنود المسلمين بل للمسلمين بعامة – وكان أمام صلاح الدين مدينتين للتوجه إليهما : القدس أو صور
لكنه اختار البدء بالقدس لأنها أسهل – ولأنها إذا عادت في أيدي المسلمين سيكون ذلك الحدث الأهم في معنويات كل الجيوش العاملة معه – لكنه قبل التوجه إلى القدس توجه إلى بعض المدن والقلاع الساحلية التي كانت بأيدي الصليبيين ففتحها جميعا بأقل جهد – إذا كانوا إما قلة جنود أو خاوية من الجنود الذين فروا منها
12-
وبالفعل كانت معركة القدس – ورغم قلة عدد الصليبيين بها مقارنة بالمسلمين – إلا أن قائدها (باليان بن بارزان) الذي حل محل ملك القدس : كان من كبار محاربي الصليبيين ذوي الخبرة – وكان على يقين من أنه إذا انتصر صلاح الدين فسيفعل الأفاعيل بكل الموجودين في القدس من النصارى والصليبيين انتقاما لما فعله الصليبيون بها عند دخولهم إياها أول مرة !!
وبالفعل صمد الصليبيون صمودا كبيرا استمر قرابة 14 يوما – واستماتوا دون الحيلولة من دخول صلاح الدين أو المسلمين – لكن لما شعروا أن الأمر لن يطول – قاموا بالتهديد بقتل كل الأسرى المسلمين الذين لديهم وكانوا 4 آلاف – وكذلك هددوا بهدم المعالم الإسلامية مثل المسجد الأقصى – القبلي وقبة الصخرة
وهنا رأى صلاح الدين أن يوافقهم على شروطهم في الانسحاب وتسليم القدس – على شرط واحد منه وهو دفع فدية عن كل نصراني ونصرانية وطفل في مدة 40 يوما من تسلمه المدينة
وبالفعل تم له الأمر
ولكنه من كرمه وعفوه الذي قصصنا جانبا منه من قبل : عفى عن كل المتبقين من النصارى الذين لم يكن لهم فدية يفتدون بها – رغم أن الكنوز والذهب الذي أخذه رجال الدين النصارى والصليبيين معهم كان يكفي ويزيد !! ولكن فيما يبدو أن هناك مَن استغل الحال المزري للجنود الصليبيين وغيرهم ممن كانوا محتلين للمدينة فباعهم كعبيد إذ تم فقدان عدد منهم
ولأنه وصلت جرأة الكذب والتحريف ببعض العلمانيين في محاولتهم لتزييف التاريخ أن ادعوا ان صلاح الدين أصلا لم يفتح القدس (!!) فنسوق إليهم الكلام التالي من الموسوعة البريطانية :
https://www.britannica.com/event/Crusades/The-era-of-the-Second-and-Third-Crusades
حيث بالانتقال إلى الصفحة رقم 2 نقرأ فيها ما ذكرناه منذ لحظات :
On October 2 Jerusalem, then defended by only a handful of men under the command of Balian of Ibelin, capitulated to Saladin, who agreed to allow the inhabitants to leave once they had paid a ransom. Though Saladin’s offer included the poor, several thousand apparently were not redeemed and probably were sold into slavery. In Jerusalem, as in most of the cities captured, those who stayed were Syrian or Greek Christians. Somewhat later Saladin permitted a number of Jews to settle in the city.
وكذلك في كتب التأريخ الغربية الكثيرة مثل تاريخ رانسيمان وغيره :
Runciman (1990), p 465
13-
وبالفعل تزينت القدس وابتهجت بالعودة في يد المسلمين من جديد – وأزال صلاح الدين العلامات النصرانية والصليبية التي وضعوها في المسجد الأقصى وأزال الصليب الذي وضعوه فوق القبة – وغسل صخرة المعراج بماء الورد وبخروا البخور واستعادت المدينة رونقها – وسمح بتواجد وصلاة اليهود مرة أخرى فيها (أين هم اليوم وهل حفظوا الجميل ؟!) وكذلك فتح الحج أمام النصارى إلى كنيستهم
——————————
ثانيا :
ما بعد استعادة القدس
14-
توجه بعد ذلك إلى مدينة (عكا) لأن الصليبيين الذين فروا إلى (صور) وامتلأت بهم : قرروا أن يفعلوا شيئا كـ (انتقام) لهزيمة حطين والقدس – وعلى الفور أرسل واليها يستنجد بصلاح الدين – فتوجه المسلمون إليه من كل حدب وصوب (إحدى ميزات التوحد الذي أقامه صلاح الدين) حتى أن الملك (العادل أبا بكر) أخو صلاح الدين توجه إليه بجيش من مصر – ودارت قتالات عنيفة بين الطرفين – لم تسفر عن نصر كفة على الأخرى في النهاية
15-
لكن الأمر لم ينتهي إلى هذا الحد – حيث كان للسقوط المدوي للقدس بعد هزيمة حطين : أكبر الصدى في اوروبا – فقام البابا بالإعلان عن الحملة الصليبية الثالثة !!
16-
كان من أول الملبين لهذه الحملة الإمبراطور الألماني (فريدريش بربروسا) الإمبراطور الروماني المقدس – وسار بالفعل بجيشه مخترقا أوروبا إلى أن وصل إلى القسطنطينية (وكانت تابعة للكنيسة والنصارى في ذلك الوقت إلى أن فتحها محمد الفاتح رحمه الله بعد ذلك بقرون) – ولكان كان حاكمها (إسحق الثاني) في عهد مع صلاح الدين أيضا ألا يمد بالأسلحة والمؤن جيشا يريد قتال صلاح الدين ولا يجعله يمر من خلاله – ولكن تحت وطأة الجيش الشره للقتال : لم يستطع منع مرورهم : لكان استطاع ألا يمدهم بالمؤن والسلاح – أيضا استطاع الجيش المرور من خلال أراضي السلاجقة الروم رغم معارضة (قلج أرسلان) – وإنما وافق أبناؤه بعد أن حجروا عليه للأسف – حتى أنه أرسل رسالة يعتذر فيها لصلاح الدين (وكان وقتذاك في معارك حصار عكا التي ذكرناها منذ لحظات)
17-
ورغم ذلك كله فقد فشلت حملة الإمبراطور (فريدريش) في الوصول إلى أراضي صلاح الدين حيث أثرت فيهم طول المسافة وحلول الشتاء ومقاومة بعض أمراء البلدان التي مروا بها مع قلة المؤن – ثم كانت القشة التي قصمت ظهورهم بغرق (فريدريش) في أحد الأنهار التي مروا عليها قرب أنطاكيه – مما تسبب في خلافات بعد موته بين قادته – فشتتهم الله عز وجل دون أن يحققوا شيئا مما خرجوا لأجله !!
18-
وبذلك لم يبق من الحملة الصليبية الثالثة إلا قوتان كبيرتان وهما قوة ملك إنجلترا (ريِتشارد الأول) أو (ريتشارد قلب الأسد) وقوة ملك فرنسا (فيليپ أغسطس) والذين استعانوا على تدبير مؤونتها بفرض ضريبة في البلاد باسم (عشور صلاح الدين) Saladin tithe أو بالفرنسية Dîme saladine
19-
وبالفعل مالت الكفة للصليبيين كثيرا بقدوم الاثنين وخاصة أنه كانت معهم قوة بحرية كبيرة – وكان من أبرز إنجازهما هو سقوط عكا بعد حصارها في 587هـ – والتي تم فيها إعدام 3 آلاف مسلم منهم نساء وأطفال – وكأنهم يكشرون عن أنيابهم أمام صلاح الدين وأنهم أتوا بالشدة وعدم الرحمة – فما كان من صلاح الدين إلا قتل أي صليبي يقع في الأسر في الشهر الذي تلا ذلك
20-
وفي نفس هذا العام 587هـ تقابلت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادة (ريتشارد قلب الأسد) في معركة (أرسوف) – والتي رغم انهزام جيش صلاح الدين إلا أن الصليبيين لم يستطيعوا التوغل إلى داخلها وبقوا على الساحل
21-
وهكذا ظلت الحرب سجال بين الجانبين طيلة العامين الباقيين في حياة صلاح الدين رحمه الله إذ مات في دمشق الشام عام 589هـ – وباءت كل محاولات الصليبيين للاستيلاء على القدس من جديد بالفشل – ونتيجة ما أنجزه صلاح الدين من تحصينات وإصلاحات وخطوط تحت راية واحدة تحول بينهم وبين ذلك طيلة سنوات عمره الأخيرة – إلى أن شعرت قوى الصليبيين رغم كثرتها بالإنهاك – فدخلوا في هدنة مع صلاح الدين لمدة 3 سنوات و 8 أشهر
22-
وخلال تلك الفترة أيضا صدرت من صلاح الدين بعض مواقف الشهامة والفروسية تجاه (ريتشارد قلب الأسد) مما أثر كثيرا مع مواقفه الأخرى في صورة المسلم لدى أوروبا إلى اليوم وكما سنرى في حلقتنا الأخيرة غدا بإذن الله – كان منها عرض إرسال طبيبه الخاص إلى ريتشارد لعلاجه من الحمى – وكذلك إهدائه حصانين له بدلا من حصانه الذي فقده
23-
وهكذا عند موت صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بالمرض : ضجت بلاد الإسلام بالبكاء له وعليه – حتى أنه في دمشق كان صوت البكاء لكأنه صادر من شخص واحد ينعي هذا البطل الذي ما استراح يوما منذ أن وضع نصب عينيه استعادة القدس – حتى النصارى أنفسهم حزنوا عليه وخاصة الذين عاملهم بالحسنى
تبقى لمحة أخيرة وهي : عناية صلاح الدين بـ (نور الدين زنكي) وأمنيته هو الآخر في استعادة القدس – فليس صحيحا أن صلاح الدين كان ناكرا للجميل – كيف و (نور الدين) كان من الأمراء المجاهدين كذلك والذي ملأ صلاح الدين برغبة استعادة القدس وألهمه بها – ولذلك لما فتح صلاح الدين القدس :
أمر بترميم المحراب العمري القديم – وحمل منبر كان قد تم صنعه في حلب بأمر من الملك (نور الدين زنكي) ليوضع في المسجد الأقصى متى يتم فتحه !!
ولذلك :
عندما تم دفن صلاح الدين بعد صلاة العصر في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق : كان ذلك بجوار الملك قبر (نور الدين زنكي) رحمهما الله
أما ما تركه صلاح الدين من ماله الخاص (وليفرح بذلك كل كذوب ينهش في لحم هذا البطل ويتهمه بأنه كان يسعى للدنيا) :
فلم يجدوا في خزانته الشخصية ما يكفي من المال لجنازته !! حيث لم يجدوا فيها غير 47 درهمًا ناصريا ودينارا واحدا – ولم يترك ملكا ولا دارا حيث كان ينفق أغلب ما عنده في الصدقات !!
فرحمك الله يا بطل ….
#الباحثون_المسلمون