حينما تنهار الأبنية تتسبب بقتل مئات أو آلاف من الناس، إنها مأساة، ومشكلة هندسية كبيرة. بعد انهيار مبنى “Alfred P. Murrah Federal” في مدينة أوكلاهوما عام 1995، وأبراج مركز التجارة العالمي عام 2001، ظهرت أصوات كثيرة داعية إلى اتخاذ إجراءات تحول دون تكرار هذه الأحداث مرة أخرى، وبالنسبة للمهندسين الإنشائيين فإن ذلك يعني ضرورة إجراء دراسات وأبحاث مكثفة سعيًا لتحسين قدرة المباني على الصمود في وجه هجمات مماثلة.
عند انهيار المباني بسبب هجمات ما، فإنها تنهار وفق ما يعرف بــ”Progressive Collapse” أو الانهيار على نحو تدريجي، وذلك يحدث نتيجة تضرر عنصر من العناصر الإنشائية (الأعمدة والكمرات والبلاطات) في المبنى، مما يحدث أحمالًا زائدة “Over Load” على العناصر الأخرى فالتي تليها تِباعًا فينهار المبنى تدريجيًا، وهذا عين ما حدث في الهجمات المتشابهة في السبب كانفجار وما إلى ذلك، وحتى في تلك الهجمات كهجوم مركز التجارة العالمي قد تم تصميم البرجين لكي يكونا منيعين ضد الانهيار التام، إلا أن ظاهرة الانهيار التدريجي كانت غير مفهومة ولم تَحدث كثيرًا قبل تلك الحادثة، ولكن منذ ذلك الحين أدرك المهندسون أن هذه الظاهرة تشكل تهديدًا رئيسيًا، وقد حددوا طريقتين لمنع حدوثها أو تقليل ضررها إذا حدثت، وهما :
تحسين تصميم المباني بحيث تكون أكثر مقاومة للانفجارات، وتطوير المواد المستخدمة في البناء.
وتوصل الباحثون إلى طريقة تجعل الأعمدة والجوائز (الكمرات) أكثر قوة حتى حين تَعرُّضها للإجهاد، تلك الخاصية أو الطريقة تسمى “Ductility” ويمكن تعريفها بأنها مقدار قابلية العناصر الإنشائية للانحناء قبل تصدعها، ومن المفترض أن تقلل هذه الخاصية من إمكانية حدوث الانهيار التدريجي، وهو ما يوفر أيضًا وقتًا إضافيًا للموجودين داخل المبنى للانتقال إلى مكان أكثر أمانًا قبل تصدع المبنى وانهياره.
تطوير الخلطة الخرسانية :
إن المواد المكونة للعناصر الإنشائية ذات دور محوري في هذا الصدد، فحينما تعرض مركز التجارة العالمي للهجوم، أدى الاحتراق فيه إلى فقدان الأعمدة المعدنية لمقاومتها سريعًا نظرًا لوصول درجة الحرارة إلى 400 فهرنهايت، وعلى النقيض من ذلك فإن الخرسانة حين تعرضها لدرجات حرارة عالية لا تحدث فيها الكثير من التغيرات الفيزيائية والكيميائية، مما يعني أن الخرسانة أفضل مقاومة للحرائق.
واستفاد المهندسون من هذا المفهوم في بناء برج One World Trade Center في الولايات المتحدة، والذي بُنِي في نفس موقع مركز التجارة العالمي المنهار سابقًا، والذي تم بناؤه بنظام النواة الخرسانية، وهي نواة مفتوحة يبلغ سمك جدارها ثلاث أقدام، تحتوي على تسليح إضافي أكثر من المعتاد بقضبان مصممة خصيصًا لذلك البرج، مما يجعلها ذات مقاومة عالية جدًا.
حين يحدث الانفجار فإنه يولد ضغطًا كبيرًا يتناسب طرديًا مع حجم الانفجار نفسه ومقدار قربه من المبنى، مما يؤدي إلى حدوث إجهاد شديد على الخرسانة، والذي قد يسبب تفتيتها إن لم تكن قوية بما فيه الكفاية.
تبلغ مقاومة الخرسانة العادية للضغط 3000 : 6000 باوند لكل بوصة مربعة، أما الخرسانة المستخدمة في بناء One World Trade Center فلديها قدرة تحمل 12000 باوند لكل بوصة مربعة، وبالاستعانة بعلم المواد تم الوصول إلى مقاومة 30000 باوند لكل بوصة مربعة.
تحسين التسليح :
تُسلح الخرسانة المسلحة التقليدية بقضبان من الحديد يربط بينها ما يعرف باسم “كانات أو أساور”، وفي السنوات الأخيرة توصل المهندسون إلى فكرة جديدة تتمثل في إضافة تسليح إضافي ضمن الخلطة الخرسانة وهي عبارة عن ألياف من الصلب شديدة الدقة موزَّعة داخل الخرسانة بشكل عشوائي، وتكمن فائدتها في تحسينها لخواص الخرسانة كمقاومتها للشد والضغط والانحناء، وبالتالي تحسين سلوكها حال حدوث انفجارات.
يمكن وصف هذا المزيج من الخرسانة والصلب بأنه ذو قوة خارقة، كما أنه أكثر قابلية للانحناء، ويُعرف باسم “الخرسانة المسلحة بالألياف الفولاذية”، وهذه وسيلة من عدة وسائل يسعى المهندسون لاستخدامها للحيلولة دون وقوع مآسٍ أكثر في المستقبل.