تعملُ الساعةُ المركزيّة اليوماويةُ (الساعة البيولوجية) – الموجودةُ في النواةِ فوقَ التصالبيّةِ (SCN) في الوطاءِ – عندنا على ضبطِ النُظم اليوماويةِ الفيزيولوجيةِ مع دورةِ الضوء-الظلام في البيئةِ المحيطة على مدار 24 ساعة.
ومِن أكثرِ أشكالِ النُظم اليوماويةِ وضوحًا: دورةُ النومِ واليقظة.
- فما هو النّوم؟
النّوم هو عمليّةُ عصبيّةٌ كيميائيّةٌ منسّقةٌ يشارك فيها مراكزُ تحفيزِ النومِ واليقظةِ في المخ.
وهو أساسيٌّ للحفاظِ على صِحّة الشخصِ العاطفيّةِ والجسديّةِ، حيث يقومُ النوم بدورٍ رئيسيٍّ في استعادةِ طاقة الدماغ، وفي إيقافِ تلقِّي المعلوماتِ الخارجية ومعالجةِ المعلومات المكتسبةِ أثناء اليقظة، وفي تسهيل التغييراتِ الدماغيّةِ التي تكمنُ وراء التعلُّم وتقويةِ الذاكرة وغيرِها.
هذه الوظائفُ ضروريةٌ لنموّ الدماغِ، والصِحة الجسديّة والعقليّة والحفاظِ على الوظائفِ المعرفيّة.
ويُعتبَر النوم غير الكافِي أحدُ عوامل الخطرِ المعروفةِ للسمنة والسكريّ وأمراض القلبِ والاكتئاب.
غالبًا ما تكونُ نتائج اضطراباتِ النوم هي التعبُ أثناء النهار وضعفِ القدرةِ على أداء المهامّ اليوميةِ التي تشملُ الذاكرة والتعلُّم والتفكيرُ المنطقيّ والعملياتِ الرياضية.
وخلال العقودِ الأخيرةِ طُرِحَ عدد كبير من العلاجاتِ الدوائية في السوق لأنواعٍ مختلفةٍ من اضطراباتِ النوم.
ومع ذلك، فإن هذه الأدويةَ لها آثارٌ جانبيّةٌ كبيرةٌ بما في ذلك النعاسُ المفرط خلال النهارِ وقِلّةُ تحمّل الدواءِ وانخفاضُ الإدراكِ والاعتمادِ ومتلازمةُ الانسحاب.
لذا كان هناك اهتمامٌ متزايدٌ لإيجادِ علاجٌ جديدٌ له آثارٌ جانبيةٌ أقل.
يعتبر الميلاتونينُ منظّم النوم الفيزيولوجيّ، وهو هرمونٌ يفرزُ بواسطة الغُدّة الصنوبريّة ويطلق في مجرى الدّم ليلًا، حيث يُحفَّزُ اصطناعه وإطلاقه بواسطة الظلامِ ويثبِّطُ الضوءُ اصطناعَه، فالميلاتونين هو “التعبيرُ الكيميائيّ عن الظلامِ”، وعادةً ما تحدثُ الزيادةُ الحادّة في الميلِ للنوم ليلًا بعد ساعتينِ من بدء إنتاجِ الميلاتونين.
ونظرًا لاستقلابه السريع، تكونُ مستوياته في البلازما منخفضةٌ خلال النهارِ ومرتفعةٌ أثناء الليل.
كما تختلف تراكيزُ الميلاتونين في الدَّم اختلافًا كبيرًا حسب العمر، فيفرزُ الأطفالُ الذين تقِلُّ أعمارهم عن ثلاثةِ أشهرٍ كميةَ ميلاتونين قليلةً جدًا، ثم يزيد إفرازُ الميلاتونين ويصبحُ يوماويًّا عند الأطفال الأكبر سنًا، وتكونُ تراكيز الذروةِ الليليّة الأعلى في عمر سنةٍ إلى ثلاثِ سنواتٍ ثم تنخفضُ بعد ذلك تدريجيًا بنسبة 10 إلى 15٪ لكلِّ عَقْد.
ومن الجدير بالذّكر أنهُ يشاركُ أيضًا –إلى جانبِ تنظيم دورةِ النوم واليقظةِ و النُظم اليوماويّ- في عددٍ من الأنشطةِ الجسديّة الدوريّة و النُظم اليوماويّةِ الأُخرى، وقد يقومُ بدورٍ في التنظيم البيولوجيّ للمزاج، والاضطراباتِ العاطفيّة، ونظامِ القلب والأوعيةِ الدموية، والتكاثرِ والشيخوخة.
– ولكن لا تزال هناكَ حاجةٌ إلى المزيد من الأبحاثِ حول دور الميلاتونين في فيزيولوجيا الإنسانِ والفيزيولوجيا المرضيّة.
في العقودِ الأخيرة، استُخدِمَ الميلاتونين كعلاجٍ لمجموعةٍ من الأمراض، خصوصًا لاضطراباتِ النوم، لا سيّما في الحالاتِ المترافقة بخللٍ في نُظم إفراز الميلاتونين، كما في الشيخوخةِ وبعض الأمراضِ وبعض الأدويةِ (التي تخفِّضُ الإنتاجَ الليلي من الميلاتونين وترتبطُ بضعفِ النوم).
كما أنّه -وفق إحدى الدراساتِ- فعالٌ وجيّد التحمُّلِ في العلاج قصير الأمدِ للأرق المتميّزِ بصعوبةِ البدء في النومِ عند الأطفالِ والمراهقين. ولا تزال هناك حاجةٌ إلى مزيد ٍمن الدراسات لبحث فعاليةِ وسلامة الميلاتونين وخاصّةً لدى اليافعين (حذارِ أن تصفَهُ بنفسك لطفلك).
وقد اتَّضحَ أن إعطاء الميلاتونين في وقتٍ مبكّرٍ من المساء يزيدُ من وقت النّوم. ولكنَّ إعطاءَه فقط قبل 30 دقيقةٍ من وقت النوم الطبيعيّ لم يؤدِّ إلى انخفاضِ زمن الدخولِ في النوم أو زيادةِ وقت النوم.
عمومًا، تشيرُ نتائج الدراساتِ إلى أن للميلاتونين آثارًا إيجابيّةً معتدلةً على النوم، لكن الاستنتاجاتِ غيرُ يقينيّةٍ لقِلَّة عددِ المشاركين وندرة ِبيانات السلامةِ والأضرار.
تَمَّتِ الموافقةُ على الميلاتونين في أوروبا لعلاجِ الأرقِ الأوليّ لدى البالغينَ فوق سِن 55.
وأظهرتِ التجاربُ السريريّةُ أنّه فعالٌ لعلاجِ الأرقِ عند بعضِ الأطفالِ المصابين بأمراضٍ عصبيّةٍ محددة.
الدواءُ ما يزالُ قيد الدراسةِ، لا تأخذهُ دونَ استشارةِ طبيبٍ أو مختصٍّ حفاظًا على سلامتِكم.
إعداد: أمان الصواف
مراجعة علمية: ألمى تمّور
مراجعة لغوية:علي جلغوت