معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاثة) الرابع من آب 1578 م
في مثل هذا اليوم (4) آب (أغسطس) من العام الميلادي (1578) حدثت معركة وادي المخازن التي انتصرت فيها سلطنة (مراكش) (المغرب حاليًا) على تحالفٍ صليبيٍّ تقوده البرتغال، الأمر الذي أدى إلى فقدان البرتغال سيطرتها على أراضيها.
تَعَلَّم (سبيستيان) البرتغالي القراءة والكتابة بلغات شبه الجزيرة الإيبرية على يد المعترفين اليسوعيين، وعلَّمه الفرسان البرتغاليون حمل السيف وفنون القتال وركوب الخيل والتجهز للمعركة. كان فتىً مشرقًا لكنَّه كان متسرعًا ومولعًا بالملحقات العسكرية المسلحة. بعض الأدلة تشير إلى أنَّ الفتى تعرض لمضايقاتٍ متكررةٍ من قبل المدرسين اليسوعيين في الفترة المحصورة بين (1560-1566م) وتم طرد (كامارا) المدرس بعد أن أصبح الأمير الشاب مصابًا بحالةٍ غامضةٍ تنتقل بالاتصال الجنسي حينما كان عمره حوالي (12) عامًا، وعلى الأرجح كان المرض هو السيلان؛ الذي كان سيبقيه بقية عمره يعاني منه في القصر مع حياة قصيرة.
كان للشاب رغبة كبيرة في القضاء على ملك المغرب (مراكش)؛ وذلك لإضافة مجدٍ للبرتغال. ربما كان عمره أربعة عشر عامًا حينما كان يحلم أن يترأس جيشًا إيبيريًا صليبيًا؛ ليغزو شمال إفريقية ويقهر سلطانها. كان الملك الشاب مهوسًا بالنجاح؛ حيث أنَّ جميع الحملات التي سبقته قد فشلت في وضع موطأ قدم للأوروبيين في شمال إفريقية.
جاءت فرصت الملك الشاب عام (1576م) حينما نشب نزاع بين سلطان المغرب المعزول عبد الله محمد الثاني الذي حاول قتل عميه وعمه السلطان عبد الملك والمعروف أيضًا مولاي عبد الملك أبو مروان والذي حصل على دعم العثمانيين، واستعاد حكم سلطنة (فاس) وعاصمتها (مراكش)؛ ففر محمد الثاني إلى البرتغال وطلب العون والنجدة منه ومحاربة عمه بعد أن طرده ملك اسبانيا أيضًا؛ مريدًا بذلك استعادة ملكه وإعطاء ولاء دولته إلى الجيوش الصليبية التي ستساعده (البرتغال – أسبانيا).
حاول (سبيستيان) الحصول على دعم خاله (فيليب الثاني) ملك اسبانيا؛ ففشل في ذلك، لكنه أرسل حوالي (500) جندي (قشتالي) غير مسلح بدافع المغامرة، وقد حذر ابن أخته من التوغل في الداخل المغربي وخطورة ذلك. كان عدد القوة الاستكشافية (15000-20000) مقاتل ثقيل، بينما بدأ الحشد في ربيع عام (1578م) في (لشبونة). ومن ضمن القوة المحشودة كان هنالك حوالي (8000-7000) مقاتل من إيطاليا وألمانيا وقشتاله، كما جاءت قوات مشاة بابوية بقيادة السير (توماس ستوكلي) وتم تحويلهم من الغزو في (أيرلندا) إلى المشاركة في حملة (سبيستيان)، ووصلوا في حزيران من العام (1578م). ومع ذلك فقد كانت نواة الجيش برتغاليةً أو من الخونة المغاربة الموالين لمحمد الثاني. وجنبًا إلى جنب مع حلفائهم المغاربة بلغ عددهم (23000) أو (25000) جندي.
هبطت حملة (سبيستيان) في قلعة أصيلة (تبعد عن طنجة (20) ميلًا إلى الجنوب) وذلك في بداية تموز (1578م). استمرت القوات الغَازِيَة قرابة الشهر في المدينة، وبدأت القوات المتحالفة بتناول طعامها واستهلاك إمداداتها لينتابها تدريجيًا شعور بخيبة الأمل. وفي الوقت نفسه أعلن السلطان عبد الملك الحشد للجهاد وجمع عشرات الآلاف من المقاتلين لدحرهم. تمكن السلطان عبد الملك من جمع قرابة (40000) من المقاتلين كان منهم من أُرسل بدعم من ولاية الجزائر التابعة للدولة العثمانية، واتخذ السلطان القصر الكبير مركزًا له وأراد ان يكون قريبًا من (سبيستيان) (على بعد 6 كم جنوب القلعة) ومعه أخيه مولاي أحمد أمير مدينة (فاس).
كان (سبيستيان) قد فقد المعركة مسبقًا حينما أراد الخروج من القلعة وعبور نهر المخازن وجيشه يعاني الجوع والتعب متوجهًا نحو القصر الكبير، وخيَّموا في وادي المخازن قبالة القصر. وفي الليل قامت قوات من الجيش المغربي بنسف الجسر المؤدي إلى الوادي وهو الجسر الوحيد فأصبح الجيش بأكمله محاصرًا ضمن الوادي.
أمر الملك )سبيستيان( قواته بالتقدم وعبور النهر وذلك خلال ساعات الظهيرة من يوم (4) آب، غير مدركٍ أنه سيواجه جيشًا مستعدًا للمواجهة ويفوقه مرتين أو أكثر. أطلقت القوات عدة ضربات بالمدفعية موعزةً ببداية المعركة على القصر الكبير (الذي يقيم فيه السلطان عبد الملك وأخيه مولاي أحمد). وفي هذا الوقت خرج السلطان رغم مرضه ورفع الراية الخضراء وحرض الجنود على القتال والدفاع عن الإسلام وأرضه ضد البرتغاليين الغزاة. كان جنود السلطان لا يعلمون أنه مصاب بالطاعون ويعاني آلامه الأخيرة، وقد كان السلطان مربوطًا على جواده؛ كي لا يسقط. وعبَّر السلطان لجنده أنه سيكون من أول الشهداء في المعركة. وبدأ التراشق بالسهام والمدفعية وعمل السيف عمله في المعركة وانطلق (سبيستيان) إلى ساحة المعركة ثم عصفت به سيوف المسلمين الغاضبة، على الرغم من أن الجبوش الصليبية كانت مركزة على الهجوم على المغاربة، لكن المدفعية المغربية تمكنت من صدهم وإبقائهم في أماكنهم.
(جورج دي لينكاستري) دوق (آفيرو) أطلق هجومًا؛ محاولًا حفظ القوى البرتغالية والصليبية لكن دون أن يعطي هجومه أي جدوى أو نتيجة تذكر. تمكنت قوات السلطان ومولاي أحمد أن تهزم المتحالفين شر هزيمة لكن المحاربين لم يكن لديهم علم أن سلطانهم عبد الملك قد توفي وأن سلطانهم هو مولاي أحمد. تراجع بعد ذلك مَن تبقى مِن البرتغالين من أماكنهم بعد أن انهزموا وصاح نبلاؤهم بأن عليهم التراجع. وتَدَّعِي أدبيات البرتغال أن الملك ترك المتراجعين وذهب إلى المقدمة يقاتل كي يؤمن انسحابهم بأمان. على الرغم أنَّ تلك المرويات مبالغ فيها، لكن من المعلوم أن (سبيستيان) لم يكن مع المتراجعين وقُتل في تلك المعركة وكان قد أصيب مرة واحدة قبل أن يموت، أما محمد الثاني فقد هرب من المعركة وكان من الفارين وانتشلت جثته من نهر المخازن. وقد أضاف السلطان أحمد إلى اسمه لقب المنصور ليصبح (أحمد المنصور).
قُتل في هذ المعركة حوالي (8000) من الجيش الصليبي إضافة إلى حوالي (15000) إصابة بين صفوفهم، كما أدت هذه المعركة إلى فقدان البرتغال السيطرة على أراضيها لصالح أسبانيا والملك (فيليب) وذلك حتى العام (1640 م).