زيوت الطعام النباتية في ميزان الطب، هل تتعادل كفتا الميزان؟ الجزء 2
زيوت الطعام النباتية في ميزان الطب، هل تتعادل كفتا الميزان؟! الجزء 2
أشرنا في ختام الجزء الأول من هذا البحث إلى أنّ الأمور قد تبدو مُتوجِّهة نحو الابتعاد عن زيوت الطبخ النباتية ( حفاظًا على الصحة ).
ولكن في إطار سعينا للبحث عن الحقائق بكل جوانبها وإيصالها للمتابع، وضعنا التساؤل الآتي:
ما موقف المُؤسَّسات الطبية البحثية الكبرى مِن تلك الدراسات التي نُشِرت كثيرًا ضمن الأعمدة الطبية للصحف المشهورة وغيرها مِن المواقع الطبية، والتي تدعم فكرة ضرر تلك الزيوت؟
** موقف المُؤسَّسات البحثية المَرموقة:
في محاولة الإجابة عن هذا السؤال سنأتي باثنتين من أبرز المؤسسات الطبية اللتين تُمثِّلان مدرستَي الطبِّ الأمريكية والإنجليزية؛ وهما جمعيةُ القلب الأمريكية AHA وتنظيمُ الخدمات الصحية في المملكة المتحدة NHS.
حيث لوحظ أنهما -وإلى يومنا هذا- تُوصيان باتّباع نفس الحمية الغذائية التي تعوّدنا على سماعها؛ أي الاعتمادُ على مصادرِ الدّهون غيرِ المُشبَعة -كتلك الموجودة في الزيوت النباتية- والابتعادُ عن مصادر الدهون المُشبَعة.
وتستندُ تلكما المُؤسَّستان على عدّة دراسات قديمة وحديثة؛ منها دراسةٌ نُشِرت عام 2014 م تُعتبَر قويةَ البُرهان -حسب مبادئ الطبِّ المَبنيِّ على البراهين- لأنها من نوع systematic review & meta analysis، وتستنتج وجود فائدة لأكثر حموض أوميكا 6 انتشارًا في الزيوت النباتية -ويدعى حمض لينوليك- في الحماية من الأمراض القلبية!
** وقفة:
• من الجدير بالذكر هنا أن دراسةً بنفس القوة -حسب مبادئ الطبِّ المِبنيِّ على البراهين- كنا قد نشرناها في الجزء الأول لهذا البحث، وكانت تدعمُ فكرة ضرر تلك الزيوت؛ لاحتوائها على نسبة عالية من أوميكا 6 !
إذن، لدينا هنا حالة من التضارب في نتائج الدراسات!
• ويَجدر بالذكر أيضًا أنّ تلك الدراساتِ قويةِ البُرهان -سواءٌ أكانت تُؤيِّد الفوائد المنشودة لأبطالِ قصتنا ( أو بحثنا ^_^ ) الزيوتِ النباتيةِ أو تُعارِضها- كانت قد تعرَّضت لانتقاداتٍ علمية مِن بعض المُختَصِّين في مجال البحوث الطبية قُوبِل بعضها بردود عليها كما سترون في الرّوابط المُرفَقة.
• نعم، قد تبدو الأمور مُحيِّرة! وهذا ما وقع فيه الكثيرون ما بين مُختَصِّين وغيرهم، وفي مُحاوَلةٍ للخَلاص مِن تلك الحيرة أو تضارب الآراء ( controversy ) كما سَمَّوه باحثون نشروا دراسةً حديثةً قويةَ البُرهان أيضًا نهايةَ عام 2015 م، وخلصوا فيها إلى النتيجة التالية:
( لا يُوجَد دليلٌ كافٍ حتى الآن يَربِط زيادةَ استهلاكنا لأحماض أوميكا 6 أو نُقصانَه مع أمراض القلب، بل ولا مع نسبةِ الدهون في الدم أو مع ضغطِ الدم ) !!
قد يقفز إلى ذهنك الآنَ مثلٌ شعبيٌّ مَعروفٌ: ( جاء ليُكحِّلَها فأعماها ^_^ ) !!
ولكن تمهَّل، فنحن نُقدِّم لك مَفهومًا قد يكون جديدًا عليك!
** مفهومٌ جديدٌ:
هنا -ما بين الإيجاب والسلب والتعادل- نُبرِز لكم مفهومًا في الطبِّ قد يكون جديدًا على الكثيرين منا، وهو ( Controversy ) أو اختلافُ النتائج حولَ موضوع طبِّيٍّ ما، والذي يَبدو فيه العِلمُ غيرَ قادر على إعطاء إجابة مُوحَّدة في الوقت الذي تعيش فيه، ممّا يَفتح الباب لمزيدٍ مِن الأبحاث القاطعة في المُستقبَل.
ويُمكن الإشارة أيضًا إلى عامل قد يتأثر بهذه الدراسات، وهو العامل التجاريُّ لتصنيع الزيوت، فقد لوحظ أنّ الأعمدةَ الطبية للصحفِ المشهورةِ أو بعضِ المواقع الطبية التي تزعم اتّباعها للدراسات المَبنيَّة على البُرهان -مثل موقع ( authority nutrition )- تُروِّج لاستهلاك الدّهون المُشبَعة -كتلك الموجودة في المُنتَجات الحيوانية- على حساب الزيوت النباتية، لكنّ هذا العامل -أي التجاري- لا تُمكن الإحاطة به حاليًّا.
** خلاصة ورأي:
في الخلاصة نذكر:
1. أنّ المُؤسَّسات الطبية الكبرى ما زالت تُعُدُّ الدليلَ المُتوفِّر حاليًّا غير كافٍ لاتهام زيوت الحبوب النباتية بالتسبُّب بأمراض القلب والأوعية الدموية، بل توصي بها ضمن حمياتها الصحية.
2. وأنّنا لم نُلاحِظ نفس اختلاف الآراء حولَ الأمراض المُحتمَلة الأخرى.
3. وأنّ بإمكان الباحث في هذا الموضوع أن يُلاحِظ أيضًا أنّ البعض يقترح الآتيَ للتعامل مع المفهوم الذي أشرنا إليه:
أن يحويَ مَطبخُكِ مجموعة مُتنوِّعة من الزيوت النباتية بدلًا من القليل، وتستخدمها حسبَ درجة التعرُّض للحرارة:
فمثلًا يُستخدَم زيتُ الزيتون ” البكر ” للسلطات والمَخبوزات، ويُستخدم زيت الزيتون ” المُصفَّى ” أو زيت اللفت rapeseed oil للقلي الخفيف من حيث درجة الحرارة، أمّا للقلي العميق فيُستخدَم مثلًا زيتُ الكانولا ( المحتوي على نسبة قليلة نسبيًّا من أوميكا 6 )، وذلك كله مع اتّباع تعليمات الخزن الصّحّيّ لها.
كان هذا البحث في مُحاوَلةِ رفع الوعي لما يَجري حولَنا، وتسليطِ الضوء على جميع الآراء.
ودُمتم بصحّة وعافية.