يُعتبر موضوع تطوير طرق جديدة في القضاء على الجراثيم الممرضة التي تهاجم جسم الإنسان مسببةً له المرض أو حتى الموت واحدٌ من المواضيع البحثية التي من الممكن تصنيفها بذات الأهمية العالية للبشرية.
و بالرغم من أنّ استخدام المضادات الحيوية يُعتبر أحد الحلول المتميزة المستخدمة خلال القرن الماضي، إلّا أنّ العلماء – منذ فترةٍ ليست بالقصيرة – بدأوا بالبحث عن حلٍ بديل للمضادات الحيوية، نظرًا لقدرة البكتيريا السريعة على تطوير مناعة ضدّ هذه المضادات بشكلٍ يجعلها تقريبًا بلا قيمةٍ دوائيّة، مما يؤدي إلى وضع النظام العلاجي بأكمله في خطرٍ كبير.
على الرغم من ظهور العديد من الحلول المتقدمة في هذا المجال كاستعمال جزيئات معدنية نانوية الحجم أو بوليمرات موجبة الشحنة أو ببتيدات مضادة للجراثيم، إلّا أن أغلب هذه الحلول للأسف لها عوارض جانبية تعيق استخدامها حاليًّا كبديلٍ جدّي.
في هذا المجال، قام باحثون من جامعة سيشوان الصينية وبالتعاون مع الجامعة الحرة في برلين حديثًا بنشر بحثٍ مهم في أحد المجلات العالمية المرموقة (Advanced functional material) لمادةٍ ذكية ومتقدمة تستطيع أن تقدم حلًّا جيدًا لتطهير الجروح من الجراثيم دون أن تسجل مبدئيًّا أيّ أعراضٍ جانبية.
تتألف هذه المادة المتقدمة من أنابيب كربونية (بقطرٍ متوسطٍ حوالي 15 نانو متر وبطولٍ حوالي 250 نانو متر) متصلةً بجزيئات أوكسيد الحديد المغناطيسية نانوية الحجم بقطرٍ أصغرَ من مئة نانو متر.
وقد تم إكساء أنابيب الكربون ببوليمر الإيزوبروبيل أكريل أميد، والذي يساعد المادة على الانحلال عند درجة حرارة أقل من 40° درجةٍ مئوية، كون البوليمر ذوابٌ في الماء عند هذا المستوى من درجة الحرارة.
تستجيب هذه المادة في أثناء عملها لمحرضَين أحدهما ناتجٌ عن الآخر. المحرض الأول: هو أن يُسلط على المادة حزمة من الأشعة القريبة من الحمراء (Near Infrared)، والتي تتميّز بكونها غير ضارةٍ لجسم الإنسان ولكنها تحفّز جزيئات النانو المغناطيسية مما يؤدي لرفع درجة حرارتها تدريجيًّا اعتمادًا على شدّة وزمن الشعاع المطبّق.
إنّ ارتفاع درجة حرارة هذه الجزيئات إلى أعلى من 40°، يؤدي إلى جعل سلاسل بوليمير الإيزوبروبيل أكريل أميد غير ذوّابة في الماء، مما يؤدي إلى تكتّل المادة حول الخلايا الجرثومية لتبدو كما لو أنها اصطادتها.
ومع استمرار تطبيق الأشعة القريبة من الحمراء لمدة أطول، ترتفع درجة حرارة الجزيئات المغناطيسية لتصل إلى 55°، مما يؤدي لموت الخلية الجرثومية عند هذه الحرارة بدون أن يؤذي الأنسجة الحية والسليمة المحيطة.
واحدةٌ من المزايا المتعددة لهذه المادة – كما كشفها الباحثون- أنّه يمكن استخدامها لعدةِ مراتٍ دون أن يؤثر هذا في كفاءتها، حيث أنّ بعد انخفاض درجة حرارة المادة إلى ما دون 40°، تعود المادة لتكون ذوابةً في الماء محررةً بقايا الجرثومة التي تسببت بموتها بشكلٍ كامل.
هذه الخاصية الفريدة رشّحت المادة للاستعمال أيضًا في مجالي تعقيم المياه والأدوات الطبية، كما أنّه يمكن استخدامها في تعقيم الجروح حيث تتم إزالة المادة مع البقايا الجرثومية الصلبة بواسطة مغناطيسٍ خارجي.
كما قام العلماء بعمل مقارنة بين هذه المادة الجديدة وبين الكحول 75% أو محلولٍ ملحي على تعقيم جرحٍ جلدي مصاب ببكتريا من نوع Staphylococcus aureus، حيث وجدوا أن المادة الجديدة استطاعت أن تزيل الجراثيم بنسبة 100% مع اِلتئامٍ كاملٍ للجرح خلال أسبوعين دون وجود قشرة خارجية، إلّا أنّ في حالة الكحول لوحِظ وجود بعض آثار الالتهاب باقية في منطقة الجرح، بينما في حالة المحلول الملحي فلم يكُ هناك دليل على الشفاء الذاتي للجرح مع وجود انتفاخٍ ملحوظ في المنطقة المصابة.
أخيرًا بقي أن نشير إلى أن المجلة اختارت هذا البحث كغلافٍ لها في عددها الصادر في أواخر شهر أيار الماضي نظرًا لأهميّته.