نيلز بور الجزء الرابع
نيلز بور (الجزء الرابع)
“تقسيم الذرة”
أثبت بور الارتباط الوثيق المثمر بين النظرية والتجربة في الفيزياء الذرية، وهذا أحدث فارقا في دراسة النواة اليوم، فقد أجرى الفيزيائي ذو الأصول الألمانية أوتو هان “Otto Hahn” والفيزيائي فريتز ستراسمان “Fritz Strassmann” أواخر عام 1938 اكتشافاً تجريبيا غير متوقع وغير قابلٍ للتفسير، وهو: يمكن أن تقسم ذرة اليورانيوم إلى نصفين متساويين تقريباً عند مزجها بالنيوترونات؛ وبني تفسير النظرية هذه على نظرية بور التي طرحها مؤخراً.
وأيضا اقترح عالمان فيزيائيان من أصول نمساوية مقربان إلى بور “نواة مركبة”، وهما: ليز مايتنر “Lise Meitner” وابن أخيها أوتو روبرت فريش “Otto Robert Frisch”، وقد أكدا التجارب في المعهد.
في ذلك الوقت عام 1939، كان بور في الولايات المتحدة، وآنذاك بدأ سباق أهوج لإثبات تجربة “انشطار النواة” بعد خبر شهرة تجارب العلماء الألمان؛ وأبلى بور بلاءً حسنا مع زميله الأمريكي الجنسية في جامعة برنستون “Princeton University” في شرح نظرية الانشطار.
“القنبلة الذرية”
بعد اكتشاف الانشطار كان بور مدركاً تماماً لإمكانية صنع قنبلة ذرية، وأعلن ذلك في محاضراته بالدنمارك والنرويج، قبل احتلال ألمانيا البلدين في أبريل 1940، ولكن بور علم أن الصعوبات العملية باهظة جدا، وستمنع تحقيق القنبلة ولو بعد مدة طويلة من توقع انتهاء الحرب؛ وعندما أخبر هايزنبرغ -في زيارته إلى كوبنهاجن عام 1941- بور عن دوره في مشروع القنبلة الذرية الألمانية لم يتردد.
وفي أوائل عام 1943، تلقى بور رسالة سرية من زميله البريطاني جيمس شادويك “James Chadwick” دعاه فيها للانضمام إليه في إنكلترا للقيام بعمل علمي مهم، ومع أن رسالة شادويك تمت صياغتها بشكل غامض فقد فهم بور فورا أن العمل يتعلق بتطوير القنبلة الذرية، لكنه ما زال مقتنعا بعدم جدوى هذا المشروع، فأجابه بور: إن الحاجة إليه أكبر في الدنمارك المحتلة.
وفي خريف عام 1943، تغير الوضع السياسي في الدنمارك بشكل كبير بعد انهيار تعاون الحكومة الدنماركية مع المحتلين الألمان، فهرب بور في قارب مع عائلته عبر مضيق ضيق إلى السويد بعد تحذيره من الاعتقال الوشيك.
وفي ستوكهولم تكررت دعوته إلى إنكلترا، ونقل بور بطائرة عسكرية إلى سكوتلاندا، وبعد بضعة أيام لحقه ابنه آج “Aage”، وهو فيزيائي حديث السن له من العمر ٢١ عاما، وكان بمنزلة مجلس لجمع المعلومات، فلا غنى عنه لوالده خلال غيابه في الدنمارك.
وعلى الرغم من اطلاعه على حالة مشروع الذرة المشترك، غير بور رأيه مباشرة حول فعاليتها عندما وصل إلى لندن؛ فقد كان قلقا إزاء مشروع مماثل ليواصل عمله في ألمانيا، وانضم بور تطوعا للمشروع تحت رعاية الحلفاء، وشارك لعدة أسابيع في العمل في لوس ألاموس “Los Alamos” في نيو مكسيكو لتطوير قنبلة ذرية، وقدم مساهمات فنية كبيرة لاسيما تصميم ما يسمى ب”صمام قنبلة البلاتينيوم”، وأهم دور قدمه أنه خدم كلمات روبرت أوبنهايمر “J. Robert Oppenheimer”، “كمعرفة قسيس الاعتراف للشبان الأصغر سناً”.
“العالم المفتوح”
في وقت مبكر من اغتراب بور أصبح مقتنعا أنه ليس من الضروري وجود القنبلة فقط، بل يجب أن يكون هناك نظر إلى الحاجة الكبيرة لتيسير منهج جديد لعوائق الخلافات الدولية، وستكون أول خطوة لتجنب منافسة التسلح بالسلاح النووي بعد الحرب، وإخبار الحليف في الحرب كالاتحاد السوفييتي بالمشروع.
وانطلق بور في حملة فردية، نجح فيها بالحصول على مقابلات شخصية مع رئيس الوزراء البريطاني ونستن تشرشل “Winston Churchill”، ورئيس الولايات المتحدة فرانكلن روزفلت “Franklin D. Roosevelt”، بيد أنه لم يكن قادراً على إقناع أي منهما بوجهة نظره، إضافة إلى اشتباه تشرشل به جاسوسا لصالح الروس.
وبعد انقضاء الحرب أصر بور على سعيه لما يسمى “العالم المفتوح” بين الأمم، مستمرا بتواصله السري مع رجال الدولة، كاتبا رسالة مفتوحة إلى الأمم المتحدة عام 1950.
سُمِح لبور بالعودة إلى الوطن بعد انفجار القنبلة الذرية في اليابان في آب عام 1945، واستقبل في الدنمارك استقبال الأبطال، ورحبت به بعض الصحف اعتزازا ببطل ابتكر القنبلة الذرية؛ وقد استمر في السعي لتوسيع معهده، وكان مركزاً لبناء مؤسسات للفيزياء في المدة التي تلت الحرب.
على الصعيد الوطني شارك بور بشكل أساسي في تأسيس مبنى للأبحاث في جامعة رايسو “Risø” قرب روسكيلد “Roskilde” على بعد أميال من كوبنهاجن، وبُنِي كي يمثل بوابةً للطاقة النووية في الدنمارك، لكن لم يتم الأمر.
على الصعيد الدولي شارك بور في تأسيس معهد للتجارب -منشأة للتجارب الفيزيائية الأوربية CERN- قرب جنيف “Geneva” في سويسرا، كما شارك في إنشاء “الشمال للفيزياء الذرية Nordita” المحاذي لمعهده.
ترك بور إرثا علمياً غير متوقع، إضافة للمعهد الذي بقي مركزا من المراكز الرائدة في الفيزياء النظرية في العالم.
المصدر :
https://www.britannica.com/biography/Niels-Bohr