حشوة الأملغَم 2
هل حقًا هي سامة لي؟
بدأنا هذه السلسلة بالحديث عن أملغم الأسنان، ثم ها نحن ننتقل للحديث عن الأمر الأهم في الموضوع: “سمية الزئبق” التي تثير قلق الكثيرين، وهنالك من هرع فعلًا إلى طبيب الأسنان وبدل الأملغم بمادة أخرى خوفًا من التسمم الزئبقي، بل وبعض الدول كالدنمارك والسويد وألمانيا تقلص استخدامه، بينما حظرته النرويج كليًا!!. إذا هل حشوة الأملغم سامة حقاً؟ وإن لم يكن كذلك فلمَ منعتها؟! تابع المقال لتعرف الإجابة.
1) زئبق الأملغم:
تتكون حشوة الأملغم من خليط مسحوق عدة معادن، وهي: (الفضة، القصدير، والنحاس، مع القليل من الزنك وغيرها)، مضافٌ إليها الزئبق بنسبة تتراوح بين (43-54%) من الأملغم.
لكن هل الزئبق في حشوة الأملغم كافٍ ليُحدث تأثيرًا سامًا على جسم الإنسان؟ هذا ما تسعى الأبحاث العلمية لدراسته وقياسه باستمرار، وفيما يلي تفاصيل أكثر عن ما توصلوا إليه حتى الآن:
← حددت كل من وكالة تسجيل المواد السامة والأمراض (ATSDR) ووكالة حماية البيئة (EPA) المستوى الآمن للتعرض لبخار الزئبق، علماً أن عبور الحد الأدنى للتعرض لا يعني بالضرورة ظهور آثار صحية سيئة، وقد وجدت منظمة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أن الدراسات العلمية التي تستخدم أكثر الطرق الموثوقة قد أظهرت أن الأملغم السني يعرض البالغين إلى كميات أقل من بخار الزئبق، أو ما يعادل تقريبًا مستويات الحماية من التعرض التي حددتها ATSDR وEPA. فخلصت المنظمة إلى أن التعرض لبخار الزئبق من أملغم الأسنان لا يعرض #البالغين ومن هم فوق 6 سنوات للخطر. فالدراسات لم تجد علاقة سببية بين حشوات الأملغم والآثار الصحية السيئة.
← وتضيف المنظمة: “الأطفال دون سن السادسة سيتعرضون لنسبة أقل من البالغين مما يجعلها ضمن المعايير المحددة سابقًا، وبالتالي آمنة أيضًا”.
← وتضيف أن البيانات الموجودة تدعم النتيجة التي تفيد بأن #الرضَّع ليسوا معرضين لخطر الآثار الصحية الضارة لبخار الزئبق الصادر عن أملغم أسنان أمهاتهم.
← أما جمعية الزهايمر فتقول: “أن مرض الزهايمر لا علاقة له بحشوات الأملغم، وأنها آمنة الاستخدام وقوية وغير مكلفة”.
← أما الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد “National MS Society” فتقول: “لا يوجد دليل علمي لربط تطور مرض التصلب العصبي المتعدد بحشوات الأسنان القائمة على الزئبق”.
← ويقول المجلس الوطني لمكافحة الغش الصحي”NCAHF”: أنه لا يوجد سبب منطقي للقلق بشأن سلامة حشوات الأملغم.
◄ الخلاصة:
فيما عدا رد الفعل التحسسي النادر جدًا للزئبق -أو لأحد مكونات الأملغم- عند بعض الأشخاص، فإنه لم تثبت أية سمية للمريض من الزئبق الصادر عن حشوات الأملغم.
2) هل حقًا قامت دول مختلفة بحظره أو وضع قيود على استخدامه؟
نعم، لكن لمَ؟
كان ذلك لاعتبارات بيئية، صحيح أن الحشوة كما ذكرنا سابقًا لا تسبب سميةً للمريض، لكن صناعة هذه المادة ومخلفاتها تسبب سمية بيئية.
لذا قامت وزارة المناخ والبيئة النرويجية (وليست وزارة الصحة) بحظر تام لاستخدام حشوات الأملغم، وذلك بعد فترة من الضغط على أطباء الأسنان لاستخدام بدائل حشوات الأملغم الأخرى، والحظر لم يكن فقط للأملغم، بل شمل جميع المنتجات المحتوية على الزئبق.
وقامت السويد بفرض قيود على استخدام المنتجات المحتوية على الزئبق، وبالرغم من أن الدنمارك لا تزال تسمح باستخدام الأملغم، إلا أنها تفرض بعض القيود الصارمة.
أيضًا اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، وهي معاهدة عالمية لحماية صحة الإنسان والبيئة من آثار الزئبق الضارة. والتي وقعتها حتى الآن 128 دولة، ومن مطالبها: التخلص التدريجي من حشوات الأملغم.
وقد تحدثنا عن الزئبق في مقال سابق، وذكرنا مصادر التعرض المختلفة له، وكيف يؤثر تواجده بنسب عالية في البيئة على الكائنات الحية.. وهذه المصادر بمجموعها -مع حشوات الأملغم- هي التي تزيد من احتمالية التعرض للتسمم الزئبقي.
3) إذا، هل أذهب لطبيب الأسنان وأطلب منه تبديل حشوة الأملغم بنوع آخر؟
والجواب هو: “لا”، لا تقم بإزالة الأملغم إن لم تسبب لك مشكلة حقيقية، كتعرضها للكسر أو تعرض السن للكسر أو لالتهاب اللُّب، فالدراسات تقول أن بخار الزئبق المتحرر عند إزالة حشوة الأملغم يكون أكثر من المتحرر عند بقائها، أي إن كنت ستخاف (ولا مبرر للخوف) فالخوف من إزالة الحشوة، وليس من وجودها.
← لذا فقد اقترحت إحدى الدراسات بعض النقاط التي من الأفضل أخذها بعين الاعتبار عند إزالة الأملغم لتجنب حدوث مشكلة ما، أو لتخفيف العبء على جسد شخص متعرض لمصادر أخرى من الزئبق (كالعاملين في تعدين المعادن بالزئبق، وسكان الجزر والسواحل المعتمدين في غذائهم على الأسماك والمحار الملوثة مثلًا).
4) اعتبارات قبل إزالة الأملغم:
• اختيار التعويض المناسب لبعض الحالات (كاستخدام الترميمات غير المباشرة التي تُجهَّز في المختبر وتكون أكثر قوة من الترميمات المباشرة للأسنان المتعرضة لضغط أكبر) ولمن يعاني من صرير الأسنان.
• الأخذ بعين الاعتبار إصابة المريض بمتلازمة الأمعاء المسربة “leaky gut” حيث يكون من الصعب على المريض التخلص من السموم الناتجة عن إزالة الأملغم.
• تؤجَّل إزالة الأملغم للحامل والمرضع، حتى تُكمل الأم رضاعة طفلها.
• قد يصف الطبيب بعض المكملات كالفيتامين “ج”.
وفي الختام:
تُبيِّن الدراسات التي أجريت أن أطباء الأسنان في الدول التي ألغت استخدام الأملغم راضون عن البدائل إلى حد ما، وكذلك المرضى، لذا من المتوقع أن يتوقف العالم يومًا ما عن استخدام حشوات الأملغم، خصوصًا إن وجدوا البديل المناسب، وعلى أي حال فالوقاية خير من العلاج، والمحافظة على صحة الأسنان بتنظيفها الدوري، وزيارة طبيب الأسنان الدورية، واتباع إرشاداته لهي أفضل الطرق للمحافظة على البيئة والصحة الجسدية. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن لجسدك عليك حقًا) [صحيح البخاري: 5199]. فمحافظتك على جسدك عبادة، وإهمالك له خللٌ بالأمانة.
◄ إذا ما هي هذه البدائل (الحشوات البيضاء)؟ هل ترقى فعلًا لتعويض الأملغم؟ هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم… إن شاء الله، تابعونا.
دمتم سالمين معافين.
إعداد: د. عمرو وائل رجب
التدقيق العلمي: د. قبس الإسلام
تدقيق لغوي: أحلام كاهية
المصادر:
1- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3409574/
2-https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6555253/
3- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3270415/
4- https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/mercury-and-health
5- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4847103/
6- https://www.ada.org/en/press-room/press-kits/dental-fillings-press-kit/dental-amalgam-what-others-say
7- https://www.fda.gov/medical-devices/dental-amalgam/appendix-i-summary-changes-classification-dental-amalgam-and-mercury