مدخل تعريفي بالإلحاد وما يتعلق به
3972- #منكوشات_إلحادية – مدخل تعريفي بالإلحاد وما يتعلق به
بسم الله – وعلى بركة الله نبدأ في نقاط ….
1- ماذا تعني (منكوشات) ؟
في اللغة العربية يأتي الفعل (نكش) بمعنى بحث في الأمر ونقب عنه – ومن هنا كانت سلسلتنا (سواء منكوشات تطورية أو منكوشات إلحادية) لإظهار ما يخفى على الكثير من الناس للأسف من أمر الإلحاد أو التطور أو ما يتم إخفاؤه عمدا عنهم للمزيد من التضلضل والخداع
2- ما معنى (الإلحاد) Atheism ومنها ملحد Atheist ؟
الإلحاد في اللغة العربية هو الميل عن الشيء والابتعاد عنه – يقال : لحد السهم عن الهدف أي مال أو عدل عنه وابتعد .. ولذلك فوصف (الإلحاد) في الدين أو في الإسلام هو أعم وأشمل بكثير من مجرد معنى إنكار وجود الله أو الخالق عز وجل – بل هو يشمل كل ميل عن أصل الإسلام والمعلوم منه بالضروره أو الثوابت الخاصة به – والذي يفهم ذلك : سيفهم لماذا كان يوصف بعض فلاسفة الإسلام بأنهم (ملحدين) رغم أنهم يؤمنون بالله وبالإسلام !! ولكن وصفهم رجال الدين بالإلحاد ليس لاشتغالهم بالعلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء أو الرياضيات إلخ : وإنما لاشتغالهم بفلاسفة الهند واليونان وفارس الوثنيين والتأثر بأقوالهم المخالفة لصريح الدين والقرآن – يعني مثلا يلحد أحدهم في أسماء الله الحسنى وصفاته .. أو يلحد في إنكار قيامة الأجسام في البعث ويكرر كلام الوثنيين بأن ذلك للأرواح فقط !! أو يقول أن وحي الأنبياء ليس وحيا حقيقيا وإنما عبقرية منهم – أو يقول بأن الله تعالى يمكن أن يحل في أحد مخلوقاته أو يتحد به !! إلى آخر ذلك من الأقوال والأفعال التي يخرج بها عن المعلوم من الدين بالضرورة .. فهذا كان يصفه العلماء بأنه (ملحد) رغم أنه لم يكفر بالله أو الخالق أو أنكر وجوده – وأما كونه من أهل الأعذار أم لا ؟ فهذا يتوقف على ما وصله من الدين والقرآن وفهمه منه – لأن الحجة في الإسلام لا تقوم إلا بالعلم .. فشخص مثلا نشأ في بلاد بعيدة عن البلاد الإسلامية أو اللغة العربية فلم يفهم من الإسلام إلا القليل : فهذا يحاسبه الله على قدر ما فهم – والأمر كله لله
ولذلك نجد كلمة إلحاد جاءت في القرآن بهذا المعنى العام للميل والابتعاد والذي يشمل أيضا الميل عن الحق والخوض في الباطل والزيغ والشرك بالله – وليس مجرد إنكار الله أو الخالق فقط – يقول عز وجل :
” ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ” الأعراف 180
” لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ” النحل 103
” إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ” فصلت 40
” لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ” الكهف 27
” ومَن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ” الحج 25
” قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ” الجن 22
3- ولذلك ….
فإن سلسلتنا الطويلة عن الإلحاد ستشمل صوراً كثيرة جداً من أشكال الميل عن الحق والإسلام – وستشمل كذلك ما يتعلق بها من أمور يجب الخوض فيها مثل أشهر المغالطات المنطقية التي يلجأ إليها هؤلاء للتهرب من لوازم الاعتراف بالحق – ومثل بعض الجوانب النفسية وأنماط الشخصيات التي تسقط في صور الإلحاد المختلفة – وأيضا ستشمل التعرض لأشهر المواقف التي قد تدفع بالبعض إلى الإلحاد – وأخيرا وليس آخرا : سنتعرض كذلك لمجموعة كبيرة من أشهر الشبهات العلمية والنفسية التي يتستر بها الملحدون أو كانت ذريعة لإلحادهم – ومن كل تلك الأشياء نذكر على سبيل المثال :
4- اللاأدرية Agnosticism ومنها لاأدري Agnostic
عندما نتحدث عن الإلحاد atheism في مقابل الديني Theism – فنحن أمام نوعين من الملحدين – الملحد القوي Strong atheist وهو الذي يزعم أنه لا يمكن وجود خالق وأنه لديه أدلة على ذلك (أي الاحتمال لديه 100 بالمائة) !! والملحد الضعيف De facto atheist وهو الذي لا يستطيع تأكيد عدم وجود خالق (ولذلك فهو يعطي نسبة لوجوده أقل من 100 بالمائة)
وقريب من هذا النوع الثاني من الإلحاد (الإلحاد الضعيف) : يقع النوع اللاأدري أو المتشكك في وجود الإلها او الخالق – فهو لا يستطيع النفي أو التأكيد – ويقف عاجزا أمام أدلة الطرفين (هكذا يقول) – وفي الحقيقة هي إحدى صور التهرب النفسي من الاعتراف بالإله كما سنرى في هذه السلسلة إن شاء الله
4- الربوبية Deism ومنها الربوبي Deist
وينتمي إليها كل مَن يؤمن بعقله وبالتبصر في الكون والخلق أنه يوجد خالق – ولكنه لا يتبع دينا معينا – إما يكون قد ساءه الدين الذي كان عليه (مثلا نصراني تأكد من زيف النصرانية وتحريفها) : ولكنه لم يهتدي للدين الحق (الإسلام) – أو أنه لم يصله دين أصلا ولكنه بعقله وفطرته يعرف وجود الإله أو الخالق ويتمنى أنه لو تواصل معه أو أرسل الخالق له رسالة أو رسول (مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي كفر بالأديان المحرفة ووثنية قريش وعرف أن هناك إله وربا لكنه لا يعرف رسالة صحيحة يتبعها – وقد عاصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولكن مات قبل نزول الوحي على النبي وقد قال عنه رسول الله أنه يُبعث يوم القيامة أمة وحده – ولذلك كان ابنه سعيد بن زيد من أوائل المتبعين للنبي وهو من العشرة المبشرين بالجنة) – وقد تفنن بعض كبار الكتاب والمفكرين والفلاسفة في تأكيد هذا الإيمان الفطري بوجود الخالق حتى بعيدا عن أي رسالة أو رسول – وكان منهم وأشهرهم العالم ابن طفيل الأندلسي وقصته عن (حي بن يقظان) الطفل الذي نشأ في جزيرة نائية وحده وتوصل إلى الإيمان بالله – وغيره من القصص الأجنبية التي نقلت عنه – وهذا النوع هو أقرب الأنواع للدخول في الإسلام والعودة للإيمان بالله ورسالته إذا عرفها ووصلته وفهمها
5- اللادينية Irreligion
وهذا نوع مقارب للربوبي ولكن أغلبه كاره للأديان يقول أنها كلها من كتابة بشر – ومنهم نوع كاره لوجود شريعة من الله أصلا تحكم حياته أو تحد شهواته وأفكاره – ومنهم نوع كاره لوجود الشر في العالم ولا يعرف ما حكمة الإله في ذلك ولهذا يزعم أن الخالق قد خلق الكون وتركه بنظامه وقوانينه المادية وبالوحشية التي تقع فيه
6- العلمانية Secularity والليبرالية Liberalism
وهي أنظمة حكم أو أنظمة اجتماعية (لادينية) – ترفض أي وصاية من الدين أو تشريعاته وترفض أي تدخل منه في مجريات الحياة وعلاقات الناس والحكومات – وفي المقابل : هي تعلي من قيمة التمرد الإنساني وتغذي روافد (الحريات) حتى لو كانت عين الفساد بدعوى أنه مسموح بها طالما لا تؤذي أحدا – ولكنهم في نفس الوقت يميعون الحد الفاصل بين الإيذاء وعدم الإيذاء بالالتفاف على واقع الإيذاء المباشر – فمثلا : أكثر الدول التي تحكم بالعلمانية والليبرالية تبيح صناعة الأفلام الجنسية وتبيح الدعارة المقننة وتبيح الشذوذ الجنسي وتبيح الخمر وبعضها يبيح بعض أنواع المخدرات – والسؤال : كيف يتماهى الخط الفاصل بين الإيذاء وعدم الإيذاء في هذه الأشياء عندهم ؟ وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل بإذن الله في هذه السلسلة أيضا لأنه باب من أكبر أبواب الإلحاد بأنواعه المختلفة
7- المنهج المادي Materialism
وهو فلسفة حياة تقوم على إنكار الغيبيات (الإله والجنة والنار والملائكة والجن والمعجزات والروح والوعي وحرية الإرادة إلخ) – لأنها تزعم عدم التصديق إلا بكل ما هو مادي يمكن رصده بحواس الإنسان (مثل السمع والبصر والشم والذوق واللمس) – ولذلك كان لهذا المنهج المادي في التفكير انعكاسات خطيرة تتجلي في أهم نقاط في حياة الإنسان مثل : بداية الكون ؟ نشأة الحياة ؟ الوعي ؟ حرية الاختيار .. فظهر نتيجة لها أفكار مثل أزلية الكون أو المادة (بدون الحاجة لخالق مثل نظرية الحالة الثابتة أو المستقرة للكون Steady State theory) – وكذلك مادية الحياة ونشأة الكائنات الحية وتنوعها بما فيها الإنسان (بدون حاجة لتدخل الخالق أيضا وحكمته وإبداعه مثل فرضية التطور لدراوين Darwinism أو التطور عموما Evolution) – بل ووصلت هذه النظرة كما قلنا لإنكار (الروح أو الوعي) ومحاولة تصوير عمليات العقل والتفكير بما يحدث من إشارات كهربية وتفاعلات كيميائية وفيزيائية داخل المخ المادي أو الدماغ فقط !! بل والأدهى وصول نفس النزعة إلى محاولات تفسير نشأة المجتمعات وتطورها وكذلك نشأة الإنسان وشخصيته وتأثير ذلك على علمي النفس والمجتمع !!
نتوقف هنا حتى لا نطيل عليكم
ولكن كما ترون .. الأمر متشعب وكبير
وبإذن الله تعالى سنستمتع بتفصيله وتفكيكه جزءا جزءا
لننعم جميعا بالفهم والفائدة
انتظرونا