مجاعة أيرلندا، حينما أنقذ المسلمون الشعب الأيرلندي من موت محقق
مجاعة أيرلندا، حينما أنقذ المسلمون الشعب الأيرلندي من موت محقق بينما منعت بريطانيا المساعدات عنهم.
تعرَّضَت كثيرٌ من الدول الأوروبية لعددٍ من المجاعات القاسية في العصور الوسطى، لكن أشدها قسوة كانت تلك المجاعة التي ضربَت أيرلندا؛ والتي تُعرف “بمجاعة أيرلندا الكبرى” أو “مجاعة البطاطا”، بين عام 1845 وعام 1852م، حيث ظهرت أولى العلامات الدالة على كارثة وشيكة بين عامي 1844م – 1845م، وذلك حينما أتلف مرض اللفحة المتأخرة الفطري حقول البطاطا في جميع أنحاء قارة أوروبا من بلجيكا إلى روسيا، ولكن النصيب الأكبر من الأضرار كان قد وقع على أيرلندا، حيث كان اعتماد ثلثي سكانها على البطاطا كغذاء رئيسي لهم بسبب الفقر، وتسببت هذه المجاعة بوفاة مليون شخص وهجرة مليون آخر.
*التمييز الديني ضد الأكثرية الكاثوليكية في أيرلندا من قبل الاحتلال البريطاني:
تعود أسباب هذه المجاعة في الأصل لمداومة بريطانيا – التي احتلَّت أيرلندا عام 1801م – على سياسة التمييز العنصري والدِّيني ضد سكَّان أيرلندا، وعدم اكتراث حكومة إنجلترا بهذه الآفة (تَلَف محصول البطاطا بسبب مرض اللفحة المتأخرة الفطري).
بينما كان الأيرلنديون يموتون جوعاً، كانت بريطانيا تحتلهم آنذاك، وتحتكر اقتصادهم، وتمنعهم من امتلاك الأراضي ومن حق الانتخاب ودخول البرلمان، إلّا إذا تركوا الكاثوليكية وتحولوا إلى الطائفة البروتستانتية، بالرغم من أن الكاثوليك كانوا الأكثرية آنذاك، ولكن هذا لم يمنع ملّاك الأراضي البريطانيين من جشعهم، فبقيت أسعار إيجارات الأراضي كما هي ولم تخفف بالرغم من أن الأراضي هي ملك الأيرلنديين بالأساس وتم احتلالها، ورفضت الحكومة البريطانية تحت تأثير ملّاك الأراضي البريطانيين استيراد الذرة والحبوب الأخرى من أميركا الشمالية للتخفيف من وطأة المجاعة في أيرلندا، خوفاً من أن يؤثر ذلك على قيمة المحاصيل الزراعية للملّاك البريطانيين الماكثين في بريطانيا والذين لم يذوقوا في حياتهم طعم هذه المجاعة أو يحسّوا بها، والذين كان همّهم هو تحصيل النقود فقط، دون أدنى اكتراث بالملايين من الأيرلنديين الذين هُجروا ولم يستطيعوا معرفة ما العمل، فلا غذاء كافي لهم، ولا يوجد مردود من المحاصيل الزراعية لدفع الأموال للاحتلال البريطاني لقاء إيجار الأراضي.
ولقد ذكر المؤرِّخ الأيرلندي “تيم بات كوغان” في كتابه “مؤامرة المجاعة” الدَّور الذي لعبَته بريطانيا في إِبادة الشعب الأيرلندي، من خلال هندسة نَقْص الغذاء التي كان من شأنِها في نهاية المطاف أن تُنهي حياةَ الأيرلنديين.
بل استخدمت إنجلترا المجاعةَ كذريعة لإهمال وإساءة معامَلة للأيرلنديِّين، مدَّعية أنَّهم جلبوا الفقرَ لأنفسهم من خلال التمسُّك بالكاثوليكية.
وألقى الأيرلنديُّون اللَّوم على حكومةِ أغنى إمبراطوريةٍ في العالم وقتها؛ أي: الحكومة البريطانية، وردَّدوا عبارتَهم الشهيرة: “لقد أرسل الله الآفةَ الزراعية، وصنع الإنجليز المجاعةَ”.
- الدولة العثمانية تلبّي نداء المستضعفين والمظلومين من الشعب الأيرلندي:
في ظلِّ تخاذل إنجلترا عن نَجدة رعاياها من الشَّعب الأيرلندِي، تدخَّلَت الدولةُ العثمانيَّة وقتها – وقد كانت في أَوْج ضعفها – لنجدةِ فقراء الشَّعب الأيرلندي.
فحينما وصل النبأ إلى أمير المؤمنين السلطان عبد المجيد الأول سلطان الدولة العثمانيّة، أمر بإرسال مساعدات بقيمة 10 آلاف جنيه إسترليني للشعب الأيرلندي، وهو ما يقدّر بملايين الجنيهات الإسترلينية في وقتنا هذا، ولكن الاحتلال البريطاني رفض ذلك، لأن الملكة البريطانية فكتوريا تبرعت بـ 2000 جنيه إسترليني فقط، ولم يُرَد للمسلمين أن يتبرعوا بهذا المبلغ، فسمحوا باستقبال 1000 جنيه إسترليني فقط من الدولة العثمانية، وهذا ما لم يعجب السلطان عبد المجيد الأول، فأرسل 1000 جنيه نقداً، وبـ9000 آلاف جنيه حمّل أسطول البحرية العثماني بالمساعدات الغذائية وأرسلها سرّاً إلى أيرلندا، فأبحرت سفن الإغاثة الإسلامية من عاصمة الخلافة العثمانية إسطنبول باتجاه أيرلندا، ولكن البحرية البريطانية علمت بالأمر، فاعترضت طريقهم ومنعت رسوها في مينائي (بيرفاست وكورك سيتي )، ولكن سفن الإغاثة الإسلامية لم تيأس والتفتت في الظلام إلى ميناء آخر صغير يسمّى ( دروغيرا ) لتقدّم النجدة الإسلامية إلى فقراء الكاثوليك، الذين تفاجئوا أن من أنقذهم من موت محقق هم المسلمين، وليسوا إخوانهم في الدين أو العرق أو جيرانهم.
على عكس الحكومة البريطانية، لم تكن المساعدات التي قدمها المسلمون آنذاك لإكراه الأيرلنديين على اعتناق الإسلام بل تأليفاً لقلوبهم، فليس للإسلام حاجة إلى استغلال فقر الشعوب من غير المسلمين كورقة ضغط لتغيير دينهم ولو حتى في الظاهر فقط، فالإسلام لا يعترف بالإيمان إلا إذا نبع عن الاختيار والإرادة ومن القلب، ولا إكراه في الدين.
*العرفان بالجميل : وجهاء أيرلندا لم ينسوا معروف المسلمين:
قام وُجهاء وشُرفاء أيرلندا بعد انتهاء هذه المجاعة بتَثْمين موقف الدَّولة العثمانية، وأرسلوا رسالةَ شكرٍ ممهورة بتوقيعاتهم يشكرون فيها السلطان “عبد المجيد” والدَّولةَ العثمانية على هذا المعروف الكريم الذي لم تَقم به راعيتها الأكبر إنجلترا.
وإذا فتحت الأرشيف العثماني، ستجد رسالة من عقلاء ووجهاء أيرلندا إلى السلطان العثماني محفوظة في الأرشيف العثماني بتركيا حتى وقتنا هذا.
من ناحية أخرى، فريق كرة القدم الأيرلندي دروغيدا يونايتد Drogheda United F.C القادم من المدينة التي رست فيها سفن الإغاثة الإسلامية، أخذ شعاره من الدولة العثمانية، وإلى الآن لاعبو ذلك الفريق في أيرلندا يلبسون على صدورهم شعار الدولة العثمانية، كشيء من رد الجميل والعرفان لهم.
- مصدر للاطلاع :
American University (1996)، Irish Potato Famine and Trade، American University،