كيف يحافظ الجسم على درجة حرارته؟
للإستماع للمقالة صوتيا :
كيف يحافظ الجسم على درجة حرارته؟!
هل لديه مقياس حرارة زئبقي؟!
عند المرض يقيس الإنسان حرارته، فإن وجدها أكثر من 37.5 يبدأ بالخوف! سواءً كان هذا في الصيف أو الشتاء. لكن باختلاف هذه الفصول واختلاف درجات الحرارة كيف تظل درجة حرارة الجسم ثابتة؟! ما هو نظام ضبط الحرارة المبرمج داخل الجسم للحفاظ عليها؟
يعتبر نظام الحفاظ على درجة حرارة الجسم من أجمل وأروع التصاميم لأنظمة التحكم في جسد الانسان.
يحاول الجسم الحفاظ على درجة حرارة داخلية ثابتة له بعدة طرق، وتتراوح هذه الدرجة ما بين 36 إلى 37.5 درجة مئوية عند قياسها من الفم، وتقريبًا أعلى بـ 0.5 درجة عند قياسها من المستقيم.
ويمكن أن يتعرض شخص عارٍ لدرجة حرارة منخفضة عن حرارته تصل إلى 22.8 درجة مئوية، أو درجة حرارة عالية قد تصل إلى 54.4 درجة مئوية تقريبًا في الهواء الجاف دون أن يحدث أي تغير في الحرارة الداخلية تقريبًا.
ملاحظة: قد يحدث تغير لدرجة الحرارة الداخلية بحسب الجهد المبذول وأيضًا باختلاف درجة حرارة المحيط، فيمكن أن تصل درجة حرارة الجسم إلى 40 درجة مئوية في حالة التمارين الرياضية، ويرجع ذلك إلى زيادة معدل العمليات الأيضية الناتجة عن أنشطة العضلات الهيكلية وزيادة إفراز الأدرينالين والنورأدرينالين والتنبيه الودي على الخلايا، أو قد يحدث انخفاض لدرجة الحرارة الداخلية إلى أقل من 35.5 درجة مئوية عند تعرض الجسم لدرجة حرارة منخفضة أقل مما يمكن أن يتحمله نظام حفظ الحرارة.
لكن كيف يفعل الجسم هذا؟!
أولًا: مقياس الحرارة:
يحتوي الجسم على أعصاب حساسة للحرارة تسمى المستقبلات الحرارية، تعمل على تحديد درجة حرارة الجسم ونقل الإشارات اللازمة إلى الدماغ، ليقوم بتنظيم درجة الحرارة بحسب المعلومات التي يستقبلها عبر هذه المستقبلات، وتنقسم المستقبلات الحرارية إلى قسمين، مستقبلات خارجية لقياس درجة حرارة المحيط، ومستقبلات داخلية لقياس حرارة الجسم:
– المستقبلات الحرارية المركزية: وتوجد في الوطاء أو ما تحت المهاد (hypothalamus) ووجد أن ثلث هذه المستقبلات تتحسس للبرودة، وتعمل على كشف درجة حرارة الجسم الداخلية.
– المستقبلات الحرارية الطرفية:
1. المستقبلات الطرفية الموجودة في الجلد تعمل على كشف حرارة المحيط.
2. والمستقبلات الطرفية الموجودة في الأعضاء الداخلية: الحبل الشوكي والأحشاء البطنية والأوردة الكبيرة حولها تعمل على كشف حرارة الجسم الداخلية (core temperature).
والمستقبلات الحرارية الطرفية عبارة عن مستقبلات للبرودة وأخرى للدفء، لكن هناك مستقبلات للبرودة أكثر بكثير من مستقبلات الدفء أي أنها تكتشف البرودة بشكل رئيسي؛ لذلك تعتبر مانعة لانخفاض درجة حرارة الجسم (hypothermia) بشكل أساسي.
ثانيًا: آليات توليد وحفظ وفقدان الحرارة:
عند كشف انخفاض لدرجة الحرارة سواءً داخل الجسم من خلال المستقبلات المركزية أو المستقبلات الطرفية في الأعضاء الداخلية، أو خارجه عبر المستقبلات الطرفية على الجلد فإن هذا يؤدي إلى منعكسات داخل الجسم تعمل على زيادة درجة حرارة الجسم عبر:
1) زيادة توليد الحرارة في الجسم: من خلال زيادة العمليات الاستقلابية وتحفيز العوامل التي تزيد من معدل العمليات الاستقلابية، وأهمها توفير منبه قوي لتوليد القشعريرة (shivering thermogenesis) وإنتاج الطاقة الكيميائي (chemical thermogenesis) أو ما يسمى بإنتاج الطاقة غير المعتمدة على القشعريرة (nonshivering thermogenesis ).
ملاحظة: لدى الجسم أمور أكثر من هذه لتوليد الحرارة فيه، منها:
1- تأثير هرمون الثيروكسين (هرمون الغدة الدرقية) على العمليات الأيضية، وهناك أيضًا هرمونات أخرى لها دور في زيادة النشاط الاستقلابي للخلايا، لكن بتأثير أقل من الثيروكسين كهرمون النمو والتستوستيرون
2- ومن العوامل المسرعة لتوليد الحرارة التنبيه الودي (بإفراز النور أدرينالين) وتأثيره على الخلايا الدهنية البنية التي تحتوي على أنواع خاصة من الميتوكندريا لها القدرة على إنتاج الطاقة الحرارية.
3- إفراز الأدرينالين الذي يعمل على زيادة معدل نبضات القلب وتدفق الدم وبالتالي زيادة نقل الأكسجين للأنسجة، مما يسمح بمزيد من العمليات الاستقلابية للخلايا.
4- العمليات الأيضية اللازمة لعمليات الهضم والامتصاص والتخزين للطعام في الجهاز الهضمي، والتي تسمى تأثير الطعام المولد للحرارة (thermogenic effect of food). هل شعرت يومًا بأن الجو أصبح حارًا بعد تناولك وجبة دسمة كبيرة؟ 🙂
جميع هذه العوامل تؤثر في سرعة العمليات الأيضية زيادةً أو نقصانًا، وبالتالي زيادة معدل توليد الحرارة أو نقصانه.
2) تقليل معدل فقدان الحرارة:
عبر تضيق الأوردة الجلدية لمنع وصول الحرارة إلى الجلد.
وتثبيط عملية التعرق.
نظام عزل الحرارة:
يكوِّن الجلد والأنسجة تحت الجلدية (خصوصًا الشحم تحت الجلدي) نظامًا عازلًا لمنع فقدان الحرارة الداخلية للمحيط، ويعتبر الشحم مهمًا في نظام العزل لأن توصيله للحرارة يساوي تقريبًا ثلث قدرة الأنسجة الأخرى على توصيل الحرارة.
أما عند ارتفاع درجة الحرارة:
يعتمد الأمر على تقليل إنتاج الحرارة، وزيادة نقل الحرارة من الأعضاء الداخلية إلى الجلد.
1) التقليل من معدل توليد الحرارة: بتقليل العمليات الأيضية للخلايا وتثبيط العوامل المسرعة للعمليات الاستقلابية بشكل كبير كالقشعريرة وإنتاج الطاقة الكيميائي (chemical thermogenesis).
2) زيادة معدل فقدان الحرارة: بتوسيع الأوردة في الجلد، وزيادة معدل نقل الحرارة إلى الجلد بنسبة قد تصل إلى ثمانية أضعاف.
وتحفيز عملية التعرق للتبريد.
—————-
وبالإضافة للآليات التي تحدث في اللاوعي فإن الجسم لديه تحكم آخر في الحرارة على مستوى الوعي، يسمى التحكم الواعي (السلوكي) في درجة حرارة الجسم (behavioral control of temperature) وهو أكثر تأثيرًا من الآليات التي تحدث في اللاوعي، فمثلًا عند ارتفاع درجة حرارة الجسم فإن مناطق التحكم في درجات الحرارة في الدماغ (temperature-controlling area in brain) تعطي إحساسًا نفسيًا بارتفاع درجة حرارة الجسم، وعلى النقيض من ذلك إذا أصبح الجسم باردًا فبعض المستقبلات داخل الجسم وأيضًا المستقبلات على الجلد تعطي شعورًا غير مريح بالبرد.
عندها يقوم الشخص بعمل تعديلات مناسبة للشعور بالراحة كالذهاب إلى مناطق باردة أو تشغيل المكيف مثلًا عند ارتفاع الحرارة، أو الانتقال إلى غرفة دافئة ولبس المزيد من الملابس في حال الشعور بالبرودة، وهذا التحكم يعتبر التحكم الأكثر فاعلية في ضبط حرارة الجسم خصوصًا في الأجواء شديدة البرودة.