تأثير وسائل الإعلام على السلوك الاجتماعي المساند والسلوك الاجتماعي العدائي
– #قارئ_الباحثون_المسلمون – تأثير وسائل الإعلام على السلوك الاجتماعي المساند والسلوك الاجتماعي العدائي Media Influences on Pro-Social and Anti-Social Behavior
المقال من موقع ومنتدى : أكاديمية علم النفس
https://acofps.com/
رابط المقال للأستاذ بوعلام :
https://www.acofps.com/vb/showthread.php?t=9365
المقال :
———————
يتم تعريف وسائل الإعلام وفق ما جاء به “تراولر” (Trowler, 1988) على أنها :
“ما يُستخدم من وسائل وتنظيمات مؤسسية لنقل الرسالة الإعلامية إلى جماهير واسعة ومتنوعة في تركيبتها الاجتماعية“.
وقد انصبت معظم البحوث النفسية الاجتماعية التي تدور حول وسائل الإعلام على دراسة تأثير هذه الوسائل (والتلفزيون منها بوجه خاص) على السلوك العدواني أو السلوك الاجتماعي المضاد للآخرين. وعلى أية حال، فإن هناك قدرا من الاهتمام بدراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والسلوك الاجتماعي الإيجابي (المساعد للآخرين).
وسنقوم في البداية بالإطلاع على العلاقة بين وسائل الإعلام والسلوك الاجتماعي العدائي (المضاد للآخرين)، ثم نوجه انتباهنا إلى السلوك الاجتماعي الإيجابي المساعد للآخرين.
وسأقوم بحول الله باستعراض نتائج بعض الدراسات العلمية النفس-اجتماعية التي تطرقت إلى هذا الموضوع الحساس من خلال بعض العلماء الذين أعطوا في هذا الميدان وسنستعرضها منفصلة.
1-
نتائج دراسة “كمبرباتس” (Cumberbatch, 1987) :
حيث وجد كمبرباتس أن 30٪ من البرامج تحتوي شيئا من العنف، وأن المعدل العام المتوسط لذلك هو (1,14) مشهد عنف في البرنامج الواحد و(1,68) مشهدا في الساعة. ووجد أن المشهد الواحد يستغرق متوسط (25) ثانية، وأن العنف يحتل ما يزيد قليلا عن 1٪ من إجمالي فترة البث التلفزيوني. وإذا ما استبعدنا الملاكمة والمصارعة، فإن هذه الأرقام تقل، أما إذا أضفنا التهديد الكلامي فإنها ترتفع لتصل إلى (1,96) مشهد عنف في الساعة.
وتؤدي مشاهد العنف إلى الموت في 26٪ من الحالات، ولكن 61٪ من هذه المشاهد لم يظهر فيها إصابات، وإنما تم تصوير الضحية وهي في حالة ألم أو ذهول. ولم تظهر الدماء نتيجة لفعل العنف في 83٪ من الحالات، واقتصر ظهور الدم على 0,2٪ من الحالات، وتم تصوير الأشخاص الذين يقومون بأفعال العنف على أنهم أناس أشرار لا أخيار، ووقع ضِعف الأفعال العدوانية في إطار مخالفة القانون وليس في إطار حمايته.
2-
النتائج المتوصل إليها من خلال تحليل جامعة “شيفيلد” للعنف على التلفزيون البريطاني :
حيث راقب باحثوا جامعة شيفيلد (2084) برنامجا على ثمانية قنوات تلفزيونية وعلى مدى أربعة أسابيع في الربع الأخير من عام 1994 وبداية 1995، وقد تضمنت نتائج هذه الدراسة ما يلي:
– كانت نسبة مشاهد العنف في برامج أربعة قنوات تلفزيونية بريطانية 28٪، في حين كانت نسبة مشاهد العنف في برامج القنوات الأربعة الأخرى 52٪.
– احتلت مشاهد العنف (61٪) من وقت البث للقنوات الفضائية و(1,53٪) من وقت البث لمحطات “الستالايت”.
– جرى عرض النسبة الكبرى من مشاهد العنف (والبالغة 80٪) ضمن المسلسلات والأفلام، في حين جرى عرض 19٪ من هذه المشاهد ضمن برامج الأطفال.
– حدثت معظم مشاهد العنف في مواقف تصور الحياة المعاصرة في الأوساط الفقيرة من المدن، وكانت غالبية مرتكبي أعمال العنف من الشباب من العرق الأبيض.
– تضمن 1٪ من البرامج 19٪ من مجموع مشاهد العنف المسجلة. وتضمن أحد البرامج (Double Impact)، على سبيل المثال (105) مشهد عنف، في حين كان متوسط المشاهد في البرامج الأخرى (9,7٪).
– كانت الولايات المتحدة هي المكان الذي وقعت فيه النسبة الكبرى من مشاهد العنف المتضمنة في البرامج (والتي بلغت 47٪)، تلتها بريطانيا (12٪). أما الموقع الذي احتل المرتبة الثالثة فكان أفلام الكرتون (حيث وقع 7٪ من العنف المتلفز في إطارها)، تلته أفلام الخيال العلمي (والتي تضمنت 4٪ من مشاهد العنف). (مقتبس عن “فرين” Frean, 1995).
3-
نتائج دراسة “أندرسون وزملاؤه” (Anderson et al, 1986) :
– بلغت أعلى نسبة مشاهدة للتلفزيون 75٪ من وقت تشغيله في المنزل.
– يقضي الأطفال (12,8) ساعة أسبوعيا في المعدل حول التلفزيون المفتوح، ويقضون (9,14) ساعة وهم ينظرون إليه. أما الراشدون فيقضون ما معدله (11,5) ساعة أسبوعيا حول التلفزيون المفتوح، في حين أنهم يقضون (7,56) ساعة في النظر إليه.
– يقل انتباه الإناث الراشدات عن انتباه الأطفال بمقدار له دلالة، أما الذكور الراشدون فيشاهدون التلفزيون أكثر من الإناث وأقل من أطفال المدارس.
– يزداد عدد الساعات التي تصرف في مشاهدة التلفزيون حتى عمر العاشرة، ويأخذ هذا المقدار بالتناقص بعد ذلك إلى أن يستقر عند عمر السابعة عشر على (10) ساعات أسبوعيا ويستمر كذلك حتى مرحلة الرشد اللاحقة.
4-
تجربة طبيعية على جزيرة “سانت هيلينا” (حول آثار إدخال التلفاز) :
بدأت في تموز/يوليو من عام 1994 دراسة لآثار إدخال التلفزيون إلى سانت هيلينا، وهي جزيرة نائية تقع في الجنوب الشرقي من المحيط الأطلسي. ويبلغ عدد سكانها أقل من 6000 نسمة بقليل، علما بأنهم لم يشاهدوا التلفزيون في حياتهم. وقد كانت نسبة الأطفال من عمر (9-12) سنة من أطفال الجزيرة الذين يعانون من مشكلات سلوكية هي 3,4٪، مقارنة بنسبة 14٪ لدى الأطفال من الفئة العمرية ذاتها في لندن. والواقع أن نسبة 3,4٪ هي أدنى نسبة سجلت في العالم لأي فئة عمرية من الأطفال.
وقبل إدخال قنوات البث التلفزيوني المتواصل لأربع وعشرين ساعة من قنوات التلفزيون العالمية (بما فيها الـ MNET, BBC، والقناة التجارية لجنوب إفريقيا وCNN) كانت الأخبار لا تصل إلى سكان الجزيرة إلا من خلال الموجة القصيرة لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وكان في الجزيرة ثلاث مكتبات فيديو ولم يكن فيها دار سينما.
وقد أخذ مدير مشروع البحث (توني شارلتون Tony Charlton) بالنظر إلى آثار دخول التلفزيون على جميع أطفال الجزيرة البالغ عددهم 800 طفل من أطفال المدرسة الإبتدائية الأولى والمتوسطة، كما أنه سيتابع 59 طفلا من أطفال ما قبل المدرسة حتى يبلغوا عمر 13 سنة.
ويرى شارلتون أن : “أطفال الجزيرة يمثلون مجموعة ضابطة فريدة، إذ أنه من الصعوبة بمكان أن نجد جماعة لا تمتلك تلفزيونا”.
(ملحوظة : في التجارب تكون المجموعة الضابطة هي التي يتم قياس التغيير بالنسبة لها مقارنة بمججموعة أخرى – نواصل) :
وأبدى شارلتون قبل البدء في الدراسة وجهة نظر مفادها : “أن كثرة مشاهدة التلفزيون قد تتدخل في نمو المهارات الإجتماعية والإمكانات العقلية التي يحتاج الأطفال إلى تطويرها، إلا أن الفائدة التربوية التي يجنونها قد تكون هائلة”.
وقد وجد شارلتون وفريقه في السنة الرابعة من هذه الدراسة، التي يفترض أن تمتد لسبع سنوات، أن السلوك الإجتماعي المساند (الذي تم تعريفه بالسلوك الذي ينطوي على مساندة للآخرين واللعب معهم بمودة) لم يحافظ على مستواه السابق فحسب بل زاد قليلا (Based on : Cooper, 1994, Mcllory, 1994, Fream, 1994 ; Lee, 1996 ; Midgley, 1998).
كيف يأتي التلفزيون بآثاره على السلوك العدواني؟
لقد تم استقصاء أربعة من الآثار المحتملة لمشاهدة التلفزيون وهي :
هي استجابة فسيولوجية عامة يتحدد “معناها” في ضوء البرنامج المشاهد (Zillman, 1978) ويشار إلى أن مشاهدة العنف على التلفزيون يرفع من مستوى التهيج والاستثارة الانفعالية لدى المشاهد (Berkowitz, 1993).
وعلى الرغم من عدم وجود علاقة قوية بين رؤية البرنامج كبرنامج عنف وبين التقارير اللفظية أو الفسيولوجية لمستوى الاستثارة الانفعالية لدى المشاهد (Gadow and Sprafkin, 1993 ; Bryant and Zillman, 1994) إلا أن رؤية مشاهد العنف في البرنامج كأحداث واقعية تزيد من احتمال حدوث الإستثارة لدى المشاهد، كما لو كان مشاركا فيها.
وهي تشير إلى إزالة الضوابط التي تمنع لجوء الفرد إلى السلوك العدواني، أو تمنع اعتقاده بمشروعية اللجوء إلى السلوك العدواني كوسيلة لحل المشكلات أو للوصول إلى الغايات.
3. التقليد Imitation :
ربما يكون التقليد أشد الآثار السلوكية الناجمة عن مشاهدة العنف المتلفز، وهو ما يمكن أن نتوقعه في ضوء دراسات باندورا وزملائه حول تقليد العدوان. ولكن يجب أن نتذكر أن القائلين بنظرية التعلم الإجتماعي يعترفون بدور العوامل المعرفية كعوامل وسيطة تدخل بين المثير والإستجابة (Bandura, 1994). وبذلك فإن كيفية إدراك العنف على التلفزيون وتفسيره، إضافة إلى مدى واقعية تصوير أحداث العنف في نظر المشاهد، تمثل متغيرات هامة في هذا المضمار من حيث أنها تحدد تأثير العنف التلفزيوني على الأطفال والكبار على حد سواء.
4.تقليل الحساسية Desensitization :
وهي تشير إلى انخفاض الإستجابة الإنفعالية للعنف على التلفزيون (وزيادة تقبل العنف في الحياة الواقعية) نتيجة لتكرار مشاهدته. وكما هو الحال عند إدمان المخدرات، يحتاج المشاهد إلى جرعة أقوى من برامج العنف لاحقا حتى يصل إلى الحد المرغوب من الإستثارة الإنفعالية (Gadow and Sprafkin, 1989). وتنطوي دراسة لـدرابمن وتوماس (Drabman an Thomas, 1974) على دليل ضمني على هذا الأثر لتكرار مشاهدة العنف. حيث قاد الباحثان مجموعتين من الأطفال في عمر الثماني سنوات إما لرؤية برنامج عنف أو برنامج لا يتضمن عنفا، قبل أن يشاهدوا شجارا “واقعيا” (هو مشهد تمثيلي في الحقيقة) بين اثنين من الأطفال الآخرين. فلوحظ أن اللذين شاهدوا برنامج العنف قبل الشجار، كانوا أقل ميلا لإبلاغ شخص راشد بأمر ذلك الشجار من أولائك الذين لم يشاهدوا برنامج العنف.
* خلاصة الدراسات :
لقد تم إجراء قدر كبير من البحث في تأثيرات وسائل الإعلام على السلوك الإجتماعي المساعد وعلى السلوك العدواني، وبناء على هذه الأدلة التي تم استعراضها من خلال هذه الدراسات، يبدو أننا نستطيع الإستنتاج بأن وسائل الإعلام يمكن أن تترك أثرا على هذه الأشكال من السلوك –على الرغم من خطورة النظر إلى هذه العلاقة على أنها علاقة سببية.
———————-
المرجع :
مدخل إلى علم النفس الإجتماعي – تأليف: روبرت مكلفين وريتشارد غروس – تحرير ومراجعة: د..ياسمين حداد – ترجمة: د. ياسمين حداد – د. موفق الحمداني – د. فارس حلمي – قسم علم النفس – الجامعة الأدرنية – وائل للنشر والتوزيع – عمان – رام الله.
اقتراح صديق الصفحة : مراد
#الباحثون_المسلمون