الحيوانات أذكى مما نظن
ما هي أذكي المخلوقات في العالم؟ إنهم البشر دون تردد، ومع ذلك هناك المئات من الأمثلة على الذكاء المدهش عند الأنواع غير البشرية، فعلى سبيل المثال أظهرت بعض الفيديوهات ذكاء الغربان في استخدام أدوات لتساعده في الحصول على الطعام، كما بامكان الشمبانزي أن تفوز بسهولة على البشر في تذكر مجموعة من الأرقام عرضت لجزء من الثانية، وبإمكان الأخطبوطات تعلم فتح أغطية زجاجات حبوب مقاومة لعبث الاطفال، والتي قد يعجز الكثيرون عن فتحها من تلقاء أنفسهم!
بالإضافة الى الكلاب والخيول، وهما من بين العديد من الأنواع التي تقضي وقتاً مع البشر، فبمقدورهما التعرف على علامات في لغة الجسد تخفى على الكثير منا.
فالعديد من الأنواع الحية تقوم بأشياء لا يمكننا حتى تخيلها: فبمقدرة الخفافيش أن تحدد مواقع الأشياء وترصدها عن طريق الصدى!
إذ تتميز تلك الكائنات (الخفافيش) بقُدرتها الفريدة على استكشاف الأشياء عن طريق إصدار موجات صوتيَّة نحو الأمام، ثم انتظارها حتى تلمس جسماً آخر وترتد عائدة إليها، وبحسب الوقت الذي تأخذه الموجة لتعود إلى الخُفَّاش، يستطيع تحديد مسافة الأشياء التي تطوف حوله، وأحجامها ولاسيما أثناء الظلام، وبمقدرة الطيور فهم آليات معقدة للطيران والهبوط، لم نكتشفها بعد.
وبمقدرة حشرات القُرَّاد (ticks) تحديد نوع الثدييات المارة من أمامها عن طريق رائحة حمض البوتيريك (butyric acid) الموجود في لبن الثدييات.
في الواقع، قد أُحكِمَ ضبط نظام تشغيل كل نوع ليؤدي عمله المنُوط به، الأمر الذي يجعل عقد مقارنات ذكاء بين تلك الأنواع ضرباً من العبث.
يقول “فرانس دي وال”: من الإجحاف الشديد أن تسأل ما إذا كان بمقدرور السناجب أن تعُد إلى رقم عشرة، لأن العد في حقيقة الأمر غير مرتبط بحياة السناجب، ويردف قائلاً: السناجب بارعة في استرجاع المكسرات، فمن المعروف أنها تخزن الاحتياطي لفصل الشتاء، عن طريق تخزينه في ثقوب الأشجار أو دفنه تحت الأرض، فالسناجب لديها القدرة على تذكّر المناطق التي أخفي فيها الطعام عند الحاجة إليه، ولا يمكننا أن نتنافس مع السناجب في هذه المهمة فجنسنا البشري لا يحتاج لهذا النوع من الذاكرة لأجل بقائه، كما تحتاجه بعض حيوانات الغابة لمواجهة برودة فصل الشتاء القاسية.
ويضيف: عندما حاول الناس تحليل إدراك الحيوان المعرفي، ركزوا على التعريف الدقيق (الحرفي) للذكاء، لذا ظهرت التجارب بنتائج غير متقنة في كثير من الأحيان، وينوه “دي وال” باستفاضة عن التاريخ المُلَطّخ لهذا المجال قائلاً: استنتج الباحثون بشكل خاطئ أن الكائنات غير البشرية لا تتعرف على الوجوه، وأن الفِيَّلة لا يمكنها استخدام الأدوات أو التعرف على الفن التأملي.
وينتقد “دي وال” أيضاً التجارب المفترضة لمعرفة ذكاء الكلاب، والتي أظهرت في الحقيقة فقط أي سلالات الكلاب أفضل في اتباع الأوامر، بالإضافة إلى انتقاده عدد لا يحصى من الحالات التي يستخدم فيها العلم بشكل سيء على مر القرون.
يبين “دي وال” أن بعض الأنواع قابلة للتعلم مثل أنثى شمبانزي تسمى (Kuif) والتي تعلمت تغذية رضيع شمبانزي عن طريق زجاجة من الحليب، وعرفت متى تسحب الزجاجة عندما يكون الرضيع في حاجة إلى تجشؤ.
إلا أن اكثر ما أثار إعجابه أفعالاً تُظهِر التعقيد المعرفي والوعي الإجتماعي عند بعض الأنواع كالشمبانزي.
ويُردِف قائلاً:
قد سمعنا أن الفئران قد تندم على قراراتها الخاصة، وأن الغربان بإمكانها صنع أدوات، وبامكان الأخطبوطات التعرف على الوجوه البشرية، وان الخلايا العصبية المميزة عند القرود تجعلهم يتعلمون من أخطاء بعضهم البعض، ولقد تحدثنا بشكل صريح عن الثقافة عند الحيوانات وعن تعاطفهم وصداقاتهم، فلا شئ مستبعد عندهم بعد الآن، ولا حتى العقلانية التي كانت تعتبر العلامة المميزة للبشر.
وينوه “دي وال” على أننا في بداية عصر علمي جديد يدرك مدى التعقيد المعرفي عند الحيوان، إلى جانب ظهور اكتشاف جديد كل أسبوع بخصوص هذا الشأن، وغالباً ما يكون مدعوماً بفيديوهات مقنعة.
لن يقدم هذا التقدم المعرفي فهم أفضل للعالم من حولنا فحسب، بل سيقدم أيضاً مناقشات جديدة حول حقوق الحيوان. ومن الجدير بالذكر، أن ثمة جماعات قد تحاجت لإصدار حكم بمنح حقوق قانونية لبعض الحيوانات، ولكن “دي وال” يؤيد التعامل مع الحيوانات بشكل أفضل، لكنه يشير أيضًا إلى المشاكل وراء منح حقوق قانونية لمجموعة محدودة فقط من الأنواع الحية.