ماذا تعرف عن علم الحيل (الميكانيكا)؟وما دور علماء المسلمين فيه؟
1572- ماذا تعرف عن علم الحيل (الميكانيكا)؟وما دور علماء المسلمين فيه؟
أولاً الحِيَل لغةً: جمع حيلة، اسم من الاحتيال، وأصله الحذق في تدبير الأمور ثم غلب في العرف على استعمال الطرق الخفية التي يتوصل بها المرء إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الفطنة والذكاء.
وإصطلاحاً: تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر.
عُرِف عند المسلمين بعلم الحِيَل أوعلم الحيل النافعة،ويعتبر الجانب التقني المتقدم في #علوم الحضارة الإسلامية حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها في كل ما يخدم الدين ويحقق مظاهر المدنية والإعمار، وقد استفاد علماء المسلمين مما قدمه الإغريق والفرس والرومان والصينيون من قواعد مبعثرة لعلم #المكانيكا؛ إذ عُرِفَ بعلم الميكانيكا عند هذه الأمم وهو الاسم الذي يعرف به حالياً.
—————————————
ثم طوروا منه كثيراً مما هو نافع وابتكروا فيه تقنيات جديدة وأضافوا إليه من إبداعهم ما جعله علماً تطبيقياً فريداً في غاية الأهمية، وأطلقوا عليه علم الحيل ويعنون بذلك الطرق التي يتحايلون بها على الظروف الصعبة لتحقيق غرض من الأغراض بمعنى توفير الجهد البشري والقوة البشرية والتوسع في القوة الميكانيكية والاستفادة من المجهود البسيط للحصول على جهد أكبر من جهد الانسان والحيوان، فقد أرادوا من خلاله تحقيق منفعة الإنسان واستعمال الحيلة مكان القوة والعقل مكان العضلات والآلة بدال العضلات والاستغناء عن سخرة العبيد ومجهودهم الجسماني فكان اتجاه المسلمين إلى تطوير الآلات لتقوم عوض عنهم بالأعمال الشاقة .
وبعد أن كانت غاية السابقين من علم الحيل لا تتعدى استعماله في التسلية والسحر والتأثير الديني والروحي على أتباع مذاهبهم كاستعمال التماثيل المتحركة أو الناطقة بواسطة الكهان واستعمال الآلات الصوتية في المعابد فقد جاء الإسلام وجعل الصلة بين العبد وربه بغير حاجة إلى وسائل وسيطة أو خداع بصري، وأصبح التأثير على الانسان باستعمال آلات ميكانيكية متحركة هو الهدف الجديد لتقنية الحيل النافعة، وهي عبارة عن آلات وتجهيزات يعتمد البحث فيها على حركة الهواء ـالإيروديناميكاـ أو حركة السوائل واتِزانِها ـ الهيدروديناميكا والهيدروستاتيكا ـ والصمامات الآلية ذات التشغيل المتباطىء والأنظمة التي تعمل عن بعد بطريقة التحكم الآلي والأجهزة والأدوات العلمية والجسور والقناطر المائية والزخارف المعمارية وغيرها.
—————————————
وقد ازدهرت في العالم الإسلامي تقنيات الهندسة الميكانيكية منذ القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي على يد كوكبة من #العلماء أبرزهم:
ـ الأخوة الثلاثة بنو موسى بن شاكر:
حيث عاش هؤلاء الأخوة خلال القرن الثالث هجري ولمعوا في علوم عديدة منها الرياضيات والفلك لهم كتاب في علم#الحيل باسم “حيل بني موسى” قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان “ولهم في الحيل كتاب عجيب نادر يشتمل على كل غريبة ولقد وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها”، وهو كتاب يحتوي على 100 تركيب ميكانيكي مع شروح تفصيلية ورسوم توضيحية لطرائق التركيب والتشغيل كما كان استخدامهم للصمامات المخروطية ولأعمدة المرافق التي تعمل بصورة آلية استخداما غير مسبوق، وقد سبقوا به أول وصف لآلية عمود المرافق الحديث في #أوربا بخسمائة سنة.
ومن أمثلة تركيبات بني موسى: عمل سراج إذا وضع في الريح العاصف لا ينطفيء، ومن بين أجهزتهم الميكانيكية آلة رصد فلكي ضخمة تدار بقوة دفع مائية، وقد استحدثوا كذلك آلات الزراعة والفلاحة وعمل خزانات للحمامات وآلات لتعيين كثافة السوائل وكان لإبداعاتهم وأفكارهم أثر في دعم تقنية الحيل النافعة.
ـ بديع الزمان الجزري ابن الرزاز :
وله كتاب “الجامع بين العلم والعمل لصناعة الحيل” وقد تُرجِم إلى الانجليزية سنة 1947، ووُصِف بأنه “أكثر الكتب من نوعه وضوحاً ويمكن اعتباره الذروة في هذا النوع من الإنجازات التقنية للمسلمين”.
ويضم كتاب الجزري عدة أقسام أطولها قسم الساعات المائية، ومن بين ساعات الجزري ساعات تستعمل دمى ذاتية الحركة لتشير إلى مرور الوقت، وقسم آلات رفع الماء ففيه وصف لتصميم مضخة أشبه بالآلة البخارية الحديثة وهذه المضخة عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية وكان الهدف منها رفع مياه الآبار العميقة إلى سطح الأرض كما كانت تستعمل في رفع مياه النهر إذا كان منخفضا إلى الأماكن العليا.
ـ تقي الدين الدمشقي:
وله كتاب “الطرق السنية في الآلات الروحانية” وفيه وصف العديد من الأجهزة الميكانيكية مثل الساعات الآلية والمائية والرملية والروافع بالبكارات والمسننات والنافورات المائية وآلات الدوران باستعمال العنفات البخارية، ويتميز كتاب تقي الدين بأنه اقترب كثيراً في عرضه وتوصيفه للآلات من مفهوم الرسم الهندسي الحديث ذي المساقط لكنه يوضح كل شيء يتعلق بالآلة في رسم واحد يجمع بين مفهوم المساقط ومفهوم الرسم (المنظور المجسم).
ومن أهم الآلات المائية التي وصفها “المضخة ذات الأسطوانات الست” وفيها استخدام لأول مرة “كتلة الأسطوانات بست نتوءات موزعة بانتظام على محيط الدائرة بحيث تعمل الأسطوانات على التوالي ويستمر تدفق الماء بصورة منتظمة، وأوصى تقي الدين بألا يقل عدد الأسطوانات عن ثلاث ليتناسب صعود الماء من غير دفق وهذا المفهوم المتقدم لتتابع المياه وتجنب الدفق أو التقطع، إضافة إلى مفهوم التوازن الديناميكي الحديث هو الأساس الذي قامت عليه تقنية المحركات والضواغط الحديثة متعددة الأسطوانات، وقد وضع تقي الدين لمضخته ثقلا من الرصاص على رأس قضيب كل مكبس يزيد وزنه عن وزن عمود الماء الموجود داخل الأنبوب الصاعد إلى أعلى، وهو بهذا يسبق #مورلاند الذي قام في عام 1975 بتصميم مضخة وضع فيها أقراصا من الرصاص فوق المكبس حتى يعود المكبس إلى الهبوط ويدفع الماء بتأثير الرصاص إلى العلو المطلوب.
—————————————
#خلاصة
بالرجوع إلى ما ألفه علماء المسلمين في علم الحيل أو ما يسمى حالياً بالميكانيكا سيبطل زعم مؤرخي التقنية الغربيين أن التقنية الإسلامية في مجالات الهندسة الميكانيكية كان لها فقط طابع التسلية واللعب وتزجية أوقات الفراغ ويشهد على بطلان زعم المؤرخين غير المنصفين تلك الدواليب المائية التي كانت تستخدم لتدوير المطاحن ومعاصر القصب وعصر الحبوب والبذور، وفي رفع المياه للسقي، وقد استخدم المسلمون طاقة الماء والهواء على نطاق واسع، وكانت العلاقة وثيقة بين العلوم النظرية وتطبيقاتها التقنية في مجالات الحياة العملية التي شملت تصميم المدن ومنشآت الري والسدود والأبنية والآلات وغيرها، وقد كان المهندسون والتقنيون في عصر الحضارة الإسلامية يتبعون المنهج العلمي في أعمالهم ويبدؤون برسم المخططات في الحالات الصعبة ثم يصنعون نموذجا مصغرا لما ينوون تنفيذه.
وإلى هذا يشير “ج.كراوثر” في كتابه “قصة العلم” قائلا :
“كان من الطبيعي بعد أن اطمأنوا إلى قوتهم العسكرية ومعتقداتهم الإيمانية -يعني المسلمون -أن يتجهوا لتشييد المدن الرائعة ودراسة ثقافة الحضارات التي دانت لهم وكان العرب المسلمون أمة جديدة بلا تراث علمي سابق ، فقرأوا التراث الفكري للقدماء بعقول متفتحة بلا خلفيات تعوقهم . ولذلك وقفت الثقافات اللاتينية والإغريقية والهندية والصينية جميعا بالنسبة لهم على قدم المساواة ، وكان من نتائج هذه العقلية المتعطشة للمعرفة عند المسلمين أنهم أصبحوا بالفعل المؤسسين الحقيقيين لمفهوم العالمية في المعرفة أو وحدة المعرفة الإنسانية . وهي إحدى السمات بالغة الأهمية بالنسبة للعلم الحديث”.
لكن حدث تزوير وتزييف للحقائق وخرق مبدأ الأمانة العلمية في النقل فنسبت الإكتشافات والاختراعات إلى غير أهلها، هذا ولا ننسى الكتب التي سرقت أو أتلفت أو أحرقت أثناء سقوط الدول الإسلامية نموذج ما فعله التتار في بغداد وما فعله الصليبيين في الأندلس وغيرها.
—————————————
#الباحثون_المسلمون