استخدام الصوت والضوء لنقل البيانات لاسلكياً بسرعات فائقة.
استخدام الصوت و الضّوء لنقل البيانات لاسلكيًّا بسرعات فائقة
استقطبت تكنولوجيا التيراهيرتز (TeraHertz = 1012 Hz) اهتمام الباحثين في العقدين الماضيين لكثرة التَّطبيقات المتاحة لها من جهة، ولتطور آليَّات توليد مثل هذه الأمواج الكهرومغناطيسية من جهة أخرى.
يقع نطاق التيراهيرتز بين الأشعة تحت الحمراء (Infrared) و الأمواج الميكرويَّة (Microwaves)، وتتراوح تردداته من 0.1 إلى 10 تيراهيرتز تقريبا.
أحد أهم تطبيقات هذه التكنولوجيا، هو نقل البيانات لاسلكيًّا بسرعات فائقة.
ففي بحث نشر سنة 2013 [1]، نجح باحثون بنقل بيانات بسرعة 100 جيغا في الثانية على مسافة 20 مترًا باستخدام نظام تيراهيرتز لاسلكيٍّ. وبحسب هذه الدِّراسة فمن الممكن استعمالُ النَّهج ذاته لنقل بيانات لاسلكيًّا بسرعة 1000 جيغا في الثَّانية على مسافات تزيد عن 1000 متر.
يُعتبر ليزر التَّعاقب الكمِّيِّ (Quantum Cascade Laser)، المركبُ باستخدام أشباه الموصلات (Semiconductors)، أحدَ أبرز أجهزة توليد أمواجٍ كهرومغناطيسيَّة في نطاق التيراهيرتز . هناك عدَّة عائلات من الليزر المبنيَّة على استعمال أشباه الموصلات، إلّا أنَّ ليزر التعاقب الكمِّيِّ يعمل بطريقة مختلفة تمامًا، حيث يُصنع عن طريق رصِّ عدَّة طبقات من أحد أنواع أشباه الموصلات وفقَ هندسة معيَّنةٍ، لتشكيل آبار كمّيّة (َQuantum Wells) مفصولةٍ بحواجزَ من الطاقة كما هو موضَّح في الصورة (1).
عند انتقال الإلكترون إلى مستوى طاقة أدنى ضمن بئرٍ كمِّيٍّ معينٍ، سينبعث فوتون بطاقة محددة ترتبط بعرض البئر الكمِّيِّ. إلا أنّ الإلكترون يمكنه الانتقال بين الآبار الكمِّيَّة، بفضل ظاهرة النفق الكُموميِّ (Quantum Tunneling). وبالتالي فإنَّ عملية انبعاث أحد الفوتونات ستتكرر بشكل متعاقبٍ ضمن الآبار الكمِّيَّة، كما هو موضح في الصورة (2).
ما يميِّز ليزر التعاقب الكمِّيِّ عن أنواع الليزر الأخرى، هو قابليةُ تعديل هندسة رصِّ الآبار الكمِّيَّة -أي: جزيئات أشباه الموصلات- بفضل التكنولوجيا الحديثة لتوليد فوتونات في نطاق التيراهيرتز.

يمكن استخدام فوتونات ليزر التعاقب الكمِّيِّ لنقل البيانات بسرعات فائقة. لكنّ إحدى الإشكاليات تكمن في طرق التحكم التقليدية بالليزر ذاته، والتي قد لا تكون بالسرعة الكافية. وعلى سبيل المثال، لإمكانية استخدام هذا الليزر لنقل البيانات بسرعة فائقة، لا بدَّ من طُرُقِ تحكُّمٍ تسمح بإضاءته وإطفائه 100 مليار مرةٍ في الثانية الواحدة. وهذا أمر تعجِزُ عنه طرق التحكم التقليدية. بَيْدَ أنّه مع بداية سنة 2020 تم نشر دراسة حديثة، يقترح فيها باحثون من جامعة ليدز وجامعة نوتنغهام استخدام الموجات الصوتية للتحكم بالليزر التعاقبي الكمِّيِّ [2]. حيث قام الباحثون بوضع شريحة ألمنيوم أسفل المادة شبه الموصلة المستخدمة في الليزر، وهي زرنيخيد الغاليوم (Gallium Arsenide)، ثم أحدثوا موجات ميكانيكية في شريحة الألمينيوم، عبر تسليط نبضات ضوئية عليها باستخدام ليزر التيتانيوم: الياقوت الأزرق (Ti: Al2 O3). تنتشر هذه الموجات الصوتية المختارة بعناية في الألمينيوم لكي تذبذب الهيكل المؤلف من أشباه الموصلات، وتغير بالتالي بنية الآبار الكمومية بشكل طفيف. هذا التغير هو ما يسمح بالتحكم بالليزر. نجحت هذه التجربة في التحكم بنسبة 6 بالمئة فقط من شعاع الليزر المنبعث، أي أنَّ هذه الموجات الصوتية ليست قادرة بعد على تشغيل الليزر بشكل كامل، ولا إيقاف عمله. ولكن رغم ذلك تعد هذه التجربة بداية جيدة وواعدة.
مايزال العمل جاريا على تحسين آلية التحكم بليزر التعاقب الكمي، ويأمل الباحثون أن يجد هذا الليزر تطبيقات واسعة في مجال نقل البيانات بسرعات فائقة.
وفي الختام، يجدر الذكر أن هذا البحث يفتح حقل أبحاث جديد حول تداخل الموجات الصوتية والأمواج الكهرومغناطيسية في نطاق التيراهيرتز [3].