منظمة دول “بريكس”
منظمة دول “بريكس”
منتدى تكتل “بريكس” هو منظمة دولية مستقلة. بدأت أولى مراحل التفاوض لتشكيل هذه المنظمة الاقتصادية، التي أُطلق عليها أولًا تسمية” بريك” في سنة 2006م، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث عقدت مجموعة “بريك” أول قمة لها في يوليو عام 2008م في اليابان على هامش قمة الثماني الكُبرى. وانضمت إليها جنوب أفريقيا في أوائل عام 2011م، ليزداد اسمها حرفا آخر وتصبح (BRICS) مكونة من بدايات أسماء هذه الدول (Brazil, Russia, India, China, South Africa) وهذه الدول بالترتيب هي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، ودولة جنوب أفريقيا.
من حيث الحجم تشغل دولها قرابة 26% من مساحة الأراضي في العالم، ويقطن مجموعةَ دول “بريكس” حوالي ربع سكان العالم، الأمر الذي يجعل منها أكبر أسواق العالم من حيث أعداد المستهلكين، ومن ثَمَّ فإنه من المتوقع – مع استمرار ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل في هذه الدول إلى المستويات العالمية- أن تصبح أيضا أكبر أسواقه الاستهلاكية.
بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول “بريكس” نحو ثلث الاقتصاد العالمي وفقا لمؤشر تعادل القوة الشرائية، وتعمل دول “بريكس” على رصد احتياطي مالي لدول المجموعة بقيمة 100 مليار دولار، ليكون صمام أمان للدول الخمس في الأزمات، حيث أصبحت دول المجموعة مركزا لجذب العديد من الاستثمارات من الاقتصادات الناشئة. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول “بريكس” وفقا لتعادل القوة الشرائية يبلغ 44.1 تريليون دولار.
تعمل هذه المنظمة على تشجيع وتطوير التعاون التجاري والسياسي والثقافي فيما بينها وصولا إلى تشكيل نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب وقوي في وجه المخاطر والتقلبات الاقتصادية العالمية.
أصبحت الصين أكبر مُصدِّر وثاني أكبر قوّة اقتصادية في العالم، والبرازيل قوّة زراعية رئيسية في العالم؛ لكونها تسيطر على الأسواق العالمية بصادراتها من المنتجات التقليدية (البنّ)، فضلا عن سيطرتها على أسواق السلع الجديدة والسريعة النموّ، مثل: المنتجات المعدَّلة وراثيا، والوقود الحيوي. أمّا روسيا، فهي المصدِّر الرئيس للنفط والغاز إلى أوروبا وإلى معظم دول الجوار. وفي الهند تنمو الشركات المتعدّدة الجنسيات وتزدهر في الأسواق العالمية، سواء على صعيد تجارة الخدمات الدولية أم على صعيد الصناعات التي كانت- تقليديا- تُهيمن عليها البلدان الصناعية القديمة (كالصلب وصناعة السيارات). فيما أصبحت جنوب أفريقيا في غضون سنوات قليلة قوّة دبلوماسية ومالية للقارّة الأفريقية.
أصبح التسلسل الهرمي للقوى الاقتصادية والمالية والجيوسياسية العالمية، مهدَّدا بسبب قوّة حضور البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (بريكس) على الساحة الدولية. إذن، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو الآتي: هل دول “بريكس” هي القوى الاقتصاديّة الكبرى في القرن الحادي والعشرين؟
إن بلدان “بريكس” هي أولا اقتصادات ناشئة، أي: إنها بلدان تتميّز بتحقيق نموّ قويّ في الإنتاج، وبتوسّع أسواقها المالية في آن.
بغضّ النظر عن الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك السياسية بين هذه الدول؛ تتقارب فيما بينها من حيث الديناميّة التي يتميّز بها أداء اقتصاداتها الكلّية في العقود الأخيرة. وهي تتشابه أيضا في التغيّرات الهيكلية التي التزمت بها، وبخاصّة فيما يتعلّق بسياسات تحرير أسواق العمل والأسواق المالية. وعلاوة على ذلك، ركّزت التنمية الاقتصادية في هذه البلدان الخمسة على الاستراتيجيات الصناعية والتجارية من خلال زيادة حصصها في أسواق التجارة العالمية للسلع والخدمات.
هذه الدول تجهِّز الجيوش الرئيسة في العالم وتؤمّن صيانتها. حتّى إنّها التزمت في السنوات الأخيرة بتحديث قوّاتها المسلّحة، وهي أيضا مهدٌ أو نقطة تواصل للثقافات المنتشِرة على نطاق واسع خارج حدودها. باختصار، فإن دول “بريكس” -فضلاً عن كونها قوى اقتصادية وعسكرية- هي قوى ثقافية أيضا (تطمح إلى أن يكون لها دور أكبر في المنظّمات الدولية).
من المتوقع أن القوى الجديدة كالصين والهند والبرازيل ستغير ميزان القوى التقليدية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ستنعكس على قوتها الاقتصادية، ونتيجة لذلك ستغير مسار قوة منظمة التجارة العالمية، حيث تمثل دول “بريكس” بعضا من أسرع الاقتصادات الكبيرة نموًّا في العالم، وصعود هذه الدول كمنصات مهمة لإنتاج وتصدير الخدمات والأسواق الناشئة والقوى الإقليمية والعالمية وظهور مستهلكين جدد من الطبقة المتوسطة في دول، مثل: الهند والبرازيل والصين، من المرجح أن يغير القواعد فيما يتعلق بإدارة سلاسل القيمة العالمية للشركات متعددة الجنسيات لكل من أوروبا وأميركا الشمالية واليابان، والتي تحتفظ بالدور الرئيس والمركزي في إدارة سلاسل القيمة العالمية، وبعبارة أخرى يحتفظون بدور مركزي في تحديد أنواع المنتجات التي سيتم إنتاجها، وأين ومتى والكمية، وبأي سعر في الصناعات الموجهة للتصدير في البلدان النامية؟ كما أنها تؤثر وتتحكم في ظروف العمل والظروف البيئية من خلال المبادئ التوجيهية التي تفرضها على مورديها وتلزم مورديها بالتقيد بها.
يوما بعد يوم يتصاعد الدور الدولي والاقتصادي لدول مجموعة “بريكس”، فهي أسرع دول العالم نموًّا حاليا وأقلها تأثرا بالأزمة الاقتصادية والمالية. إذا ما استمرت هذه المجموعة في زيادة معدلات نموها الاقتصادي وامتداد توسعها التجاري، ستصل إلى مستوى يفوق التوقعات باعتبارها قوة اقتصادية في العالم إن حافظت على وتيرة تطورها ونموها الاقتصادي، وفي مدى زمني قصير نسبيا مقارنة بتاريخ النمو الاقتصادي للمجموعات الاقتصادية التقليدية.
المصادر:
البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) القوى الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين،
باسكال ريغو، ترجمة: طوني سعادة، مؤسسة الفكر العربي، الطبعة الأولى بالعربيّة 2015م
واقع ومستقبل مجموعة البريكس على النظام الدولي، إعداد علاء الدين محمد الجعبري، 2018م، رسالة الماجستير، جامعة الأزهر، غزة.
دول البريكس شراكة من أجل التنمية والتعاون والتكامل من أجل نظام اقتصادي عالمي متعدد القطبية، الطيف، عبد الكريم، مجلة علوم الاقتصاد والتسيير والتجارة، م2014، العدد 30.
https://arabic.rt.com/business/1059666-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D9%84-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9-%D8%A8%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9/