أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي – إسهاماته و منجزاته
أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي
مولده و نشأته – إسهاماته و منجزاته
يعتبر البيروني أحد ألمع الوجوه في تاريخ الفكر الإسلامي، ووصفه مستشرق ألماني بأنه أعظم عقلية في التاريخ، فمن هو أبو الريحان البيروني ؟
مولده و نشأته :
إنه أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي، الذي ولد في بلدة بيرون، إحدى ضواحي مدينة (كاث) عاصمة الدولة الخوارزمية سنة (362هـ/ 963م).
اطلع البيروني على فلسفة اليونانيين والهنود، وعلت شهرته، وارتفعت منزلته عند ملوك عصره. كما عُرف رياضيًا وفلكيًا وفيزيائيًا وفيلسوفًا وشاعرًا وأديبًا وعالم اجتماع ومؤرخا.
كان والده تاجرًا صغيرًا، لكنه توفي والبيروني مازال صغيرًا، مما اضطره لمساعدة والدته التي كانت تعمل في جمع الحطب.
ذات مرة رأى عالمًا يونانيًا يجمع النبات والزهور، فعرض عليه العمل معه على أن يعلمه ويعطيه ما يساعده على العيش هو ووالدته، ودهش العالم لمّا علم أن البيروني يتقن العربية والفارسية؛ فراح يعلمه اليونانية والسريانية.
كان البيروني حينها في الحادية عشر من عمره، وخلال بضع سنوات أجاد ما تعلمه من العالم اليوناني الذي رأى فيه عالمًا مستقبليًا ذا شأن.
زار البيروني الهند ووصف عاداتها وأساطيرها في إفاضة عجيبة، ولما عاد واستقر في البلاط الغزنوي أهدى إلى السلطان المسعودي رسالة في علم الفلك عنوانها (القانون المسعودي في الهيئة والنجوم)، وكان كتابًا ضخمًا يضم ثلاثة أجزاء، وأراد السلطان مكافئته فأرسل إليه ثلاثة جمال تنوء بما تحمل من الفضة، فردها إليه قائلًا له: “إنما يخدم العلم للعلم لا للمال “.
إسهاماته – منجزاته و مؤلفاته : :
كان من أهم سماته الشخصية التي ميزته؛ هو عقليته الفذة إلى جانب ذكاء نادر وصبر ومثابرة وجلد ودقة في الملاحظة ليس لها نظير وبراعة في الاستقراء مع زهد في المال والسلطان.
كان عالم رياضيات وفيزياء، وكان له أيضًا اهتمامات في مجالات الصيدلة والكتابة الموسوعية والفلك والتاريخ. سميت فوهة بركانية على سطح القمر باسمه إلى جانب 300 اسم لامع اختيرت أسماؤهم لتسمية الفوهات البركانية على القمر.
ربما كان البيروني أول من أشار إلى وجود الجاذبية حين قال: “إن الأجسام تسقط على الأرض بسبب قوى الجذب المتمركزة فيها”، وهذا التعبير فتح الآفاق لنيوتن ليعطيه معنى أكثر شمولية بقوله: “كل جسم في الكون يؤثر بقوة جذب على جسم آخر، ومقدار هذه القوة يتناسب طرديًا مع حاصل ضرب الكتلتين وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما”.
أوجد الكثافة النسبية لعدد من المعادن والتي جاءت مطابقة أو مقاربة لما هو مقرر في عصرنا الحديث، وقد كتب البيروني أكثر من (146) كتابًا في علوم مختلفة، فقد كتب في الحساب، وشرح الأرقام الهندسية شرحًا وافيًا، وهي الأرقام التي اتخذت أساساً للأرقام العربية، كما يعد الواضع الحقيقي للقواعد الأساسية لعلم الميكانيكا، وكانت له نظريات في استخراج الأوتار من الدائرة، واستطاع أن يبتكر معادلة لمعرفة محيط الأرض.
ويعد البيروني أبَ الصيدلة العربية في العالم الإسلامي، فقد كتب عن الصيدلة كتبًا عديدة جعلته يحتل هذه المكانة المهمة في تاريخ الطب الإسلامي، وقد سجل البيروني في كتبه كثيرًا من فوائد النباتات الطبية والعقاقير والأدوية، كما كتب كتابًا أسماه (الصيدلة في الطب). وتجمعت لدى البيروني معلومات جغرافية كثيرة وضعها في كتاب سماه (نهاية الأماكن)، وأثبت فيه أشياء لم تكن معروفة من قبل مثل أن وادي السند كان في العصور القديمة حوض بحر قديم كونته الرواسب التي حملها النهر.
وقال البيروني بدوران الأرض، وأنكر أن تكون الأرض مسطحة، وأنشأ مرصدًا خاصًّا به، وافترض أن الأرض ربما هي التي تدور حول الشمس.
أثمرت هذه الحياة العلمية الجادة عما يزيد عن مائة وعشرين مؤلفًا، نقل بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، وأخذ عنها الغربيون، واستفادوا منها، ومن هذه المؤلفات:
كتاب الصيدنة: وهو في علم الصيدلة (ويطلق عليه في التراث الأقرباذين)، وكتاب “الجماهر في معرفة الجواهر” وهو من أنفس ما كتب؛ إذ في هذا الكتاب يوضح أنواع الأحجار والجواهر وخصائصها الطبيعية، ويوضح كيفية قياس الوزن النوعي لها، وفي قياسه للأوزان النوعية يوضح الأوزان النوعية لبعض العناصر بما لا يخرج عما استقر عندنا الآن في ظل العلوم الحديثة.
القانون المسعودي، يعد أهم مؤلفات البيروني في علم الفلك والجغرافيا والهندسة، وهو يحتوي على إحدى عشرة مقالة، كل منها مقسم إلى أبواب.
الجماهر في معرفة الجواهر، وهو من أهم مؤلفات البيروني في علوم المعادن، وطبع في حيدر آباد الدكن بالهند (1936). قام البيروني في هذا الكتاب بوصغ الجواهر والفلزات وهو من أوائل من وضع الوزن النوعي لبعض الفلزات والأحجار الكريمة وذكر أن الكثير من الجواهر الثمينة متشابهات في اللون وقد وصف الأحجار الكريمة مثل الياقوت واللؤلؤ والزمرد والألماس والفيروز والعقيق والمرجان والجست وهو الكوارتز وغيرها من الأحجار الكريمة وذكر أيضا الفلزات مثل الزئبق والذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص.
تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، تحقيق دكتور إدوارد سخاو من جامعة برلين.
الاستيعاب في تسطيح الكرة.
التعليل بإجالة الوهم في معاني النظم.
التفهيم لأوائل صناعة التنجيم، على طيق المدخل وهو علم يبحث عن التدرج من أعم الموضوعات إلى اخصها ليحصل بذلك موضوع العلوم المندرجة تحت ذلك الأعم ولما كان أعم العلوم موضوعا العلم الإلهي جعل تقسيم العلوم من فروعه ويمكن التدرج فيه من الأخص إلى الأعم على عكس ما ذكر لكن الأول أسهل وايسر وموضوع هذا العلم وغايته ظاهر.
تجريد الشعاعات والأنوار
التنبيه في صناعة التمويه.
الآثار الباقية عن القرون الخالية: في النجوم والتاريخ مجلد وهو كتاب مفيد ألفه لشمس المعالي قابوس وبين فيه التواريخ التي يستعملها الأمم والاختلاف في الأصول التي هي مباديها وبيرون بالباء والنون بلد بالسند كما في عيون الأنباء وقال السيوطي هو بالفارسية البراني سمي به لكونه قليل المقام بخوارزم وأهلها يسمون الغريب بهذا الاسم وهذا الكتاب تحقيق سخاو أيضاً.
الإرشاد في أحكام النجوم.
الاستشهاد باختلاف الأرصاد
الشموس الشافية.
العجائب الطبيعية والغرائب الصناعية: تكلم فيه على العزائم والنيرنجيات والطلسمات بمايغرس به اليقين في قلوب العارفين ويزيل الشبه عن المرتابين.
كتاب الأحجار.
مختار الأشعار والآثار.
كتاب استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني فيها: تحقيق دكتور أحمد سعيد الدمرداش.
الرسائل المتفرقة في الهيئة، وهي تحتوي على إحدى عشرة رسالة في علوم مختلفة، وقد طبعتها دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند سنة (1367هـ= 1948م).
استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني فيها، وطبع أيضًا بالهند.
جوامع الموجود لخواطر الهنود في حساب التنجيم.
تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، وطبع محققًا بعناية المستشرق الروسي بولجاكوف، ونشره معهد المخطوطات العربية سنة 1962م.
في تهذيب الأقوال في تصحيح العرض والأطوال.
مكانته في عيون الغرب :
لم يلق البيروني تقديرًا من المسلمين فحسب، بل إن الأوروبيين كانوا يرون أن البيروني أكبر عقلية علمية في التاريخ، وأنه من أعظم العلماء الذين ظهروا على مر العصور، وأن اسمه يجب أن يوضع في لوحة الشرف التي تضم أكابر العلماء، وأنه من المستحيل أن يكتمل أي بحث في الرياضيات أو الفلك أو الجغرافيا أو المعادن أو العلوم الإنسانية، دون الإقرار بإسهاماته العظيمة في كل علم من تلك العلوم.
أراد البيروني في أواخر عمره أن يجمع تجاربه ومشاهداته العلمية في كتاب، فكتب كتابًا أسماه (القانون المسعودي)، وهو موسوعة ضخمة في العلوم، نسبه إلى السلطان (مسعود) وفاءً وإخلاصًا له.
ويصف المستشرق روزن منذ أكثر من سبعين عامًا هذا الكتاب بأنه “أثر فريد في بابه، لا مثيل له في الأدب العلمي القديم أو الوسيط، سواء في الغرب أو في الشرق”!
شهد له الناس في الشرق والغرب بعلمه وفضله، وأشاد الناس في كل مكان باكتشافاته ومؤلفاته، وحفر اسمه بحروف من نور على صفحات التاريخ !!
لُقِّبَ أحمد بن محمد بألقاب كثيرة منها (البيروني)، و لُقِّبَ أيضًا (بالأستاذ)، كما لُقِّبَ بـ (عالم العلماء)، وبـ (أعظم عظماء الأمة الإسلامية)، و كُنِيَّ البيروني بأبي الريحان .
وفى سنة 1951 وبمناسبة مرور ألف سنة هجرية على مولده، صدر في الهند المجلد التذكاري للبيروني، يحتوى على عشرات البحوث والمقالات عن البيروني، وذلك اعترافًا بفضله على العلم والبشرية.
وكذلك أصدرت أكاديمية سوفيتية للعلوم سنة 1951 مجلدًا تذكاريًا بعنوان: “البيروني” تحت إشراف أحد المستشرقين بمناسبة مرور ألف عام على وفاته.
وقال عنه أيريوبوب أنه في أية قائمة تحتوي أسماء أكابر العلماء؛ لا بد أن يكون للبيروني مكانه الرفيع.
وفاته :
بعد إنجازات مبهرة وحياة علمية حافلة بالعطاء؛ وفي رجب سنة 440هـ / 1048م توفي البيروني رحمه الله .
هكذا كان علماء المسلمين، وهكذا كانت همتهم يوم أن ناطحت السماء وسمت عليها، حتى أورثوا أمتهم حضارة علت على العلياء، وأبت على الأعداء، وقادت البشرية جمعاء، وكانت سببًا مباشرًا في بناء الأمم والحضارات اللاحقة. ونسأل الله -عز وجل- أن يعيد لأمتنا مجدها وريادتها، على سواعد أبنائها الذين يترسمون خُطى أجدادهم.
المراجع :
– [1] : عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص340، 341
– [2] : انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات الجزء8 / 1217
– [3] : انظر- عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص341.
– [4] : موسوعة علماء العرب والمسلمين الشيخ: محمد فارس ص 100
– [5] : نوابغ الإسلام; المؤلف: أنور الجندي ص 112، 114،113، 115، 117 ،120، 121
– [6] : أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوروبية : 158 – 159
– [7] : موسوعة علماء العرب والمسلمين وأعلامهم مصطفى الجيوسي ص 139 ، 140 ، 141 ، 142
– [8] : تطور الفكر العلمي عند المسلمينص 111 ،115،114.
– [9] : موقع الموسوعة العربية
– [10] : مقالة للدكتور راغب السرجاني