هل من الممكن أن يؤدي التغيّر المناخي إلى تآكل الشِّعْب المرجانية ؟
هل من الممكن أن يؤدي التغيّر المناخي إلى تآكل الشِّعْب المرجانية ؟
بعد مشكلة ابيضاض الشِّعْب المرجانية (فقدانها لألوانها الزاهية) والناتجة عن الاحتباس الحراري؛ تواجه الشِّعْب اليوم خطر التآكل وفقًا لدراسة حديثة نُشرَت في دوريّة العلوم Science في شباط (فبراير) من هذا العام، حيث أكّدت أنّ ارتفاع معدل تحمض المحيطات قد لا يقتصر على توقّف الشِّعْب المرجانية عن النّمو فحسب، بل قد يؤدّي إلى تآكلها أيضًا !
لماذا قد يؤدّي تحمّض المحيطات إلى تآكل الشِّعْب المرجانية؟
يحدث تحمّض المحيطات عندما يتمذوب غاز ثنائي اوكسيد الكاربون CO2 المتواجد في الغلاف الجوّي في مياه المحيط، حيث يتفاعل كيميائيًّا مع المياه مسببًا انخفاض الأس الهيدروجيني (الـ PH)، يطلق على هذه العمليّة أحيانًا تسمية “التوأم الشرير للتغيّر المناخي” نظرًا لما تسبّبه من آثار خطيرة على النّظم البيئيّة البحريّة.
يعدّ هذا التحمّض من الأمور المقلقة التي نُوقِشَت على نطاقٍ واسع، إذ بمقدوره أن يُعسّر على بعض الكائنات البحرية (بما في ذلك الشِّعْب المرجانية، المحار، بعض أنواع العوالق) بناء قشرتها الخارجية الصّلبة التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة. فعملية التحمّض تستنزف أنواعًا معيّنة من المركبات الكيميائية في المياه والتي تدعى كربونات الكالسيوم calcium carbonate، وهذا المركب يعتبر لبنة أساسية تستخدمها هذه الحيوانات في تكوين قشرتها الخارجية.
لا تتوقف مشكلة التحمّض عند حدود إعاقة بناء الشِّعْب؛ بل أدرك العلماء الآن أنّ هذا التحمّض يؤدّي إلى تهالكها أيضًا! فمع انخفاض مستويات كربونات الكالسيوم تبدأ هياكل الشِّعْب المرجانية الموجودة بالتآكل والانفصال بعيدًا في المياه.
وقد راقب الباحثون حوالي 57 موقعًا في خمسة شِّعْب مرجانية حول العالم للتحقق من التأثيرات المحتملة الناتجة عن التآكل، من ضمنها مواقع قريبة من هاواي وبرمودا وأستراليا وجزر الكوك. وقد توصّلوا لعلاقة قويّة بين عملية التآكل ومستويات كربونات الكالسيوم في الماء. وكما يبدو فإنّ عملية التآكل أكثر حساسية لتحمّض المحيطات من عملية البناء بمقدار عشر مرات. وهذا الأمر قد يكون أهمّ نتيجة وصلت إليها الدراسة وفقا لـِ كريس لانغدون (خبير الشِّعْب المرجانية في جامعة ميامي).
باستخدام هذه الحقائق أنشأ الباحثون نموذجًا للتنبّؤ بالتّغيرات المستقبلية لمستويات كربونات الكالسيوم واستجابة الشِّعْب المرجانية على مستوٍ شامل، وتوصّلوا بشكل عام إلى أنّ الظروف في الوقت الرّاهن لا تزال تميل لبناء الشِّعْب أكثر من تآكلها في المحيطات المدارية، لكن مع معدلات التحمّض الحالية فمن المتوقع أن يصل معدل الظروف المائية إلى نقطة التحول بحلول عام 2080م أو نحو ذلك، حيث تكون عملية تآكل الشِّعْب أسرع من عملية بنائها لنفسها.
كما أكّد الباحثون أن هذه النسبة تتعلق بكيمياء المياه الاستوائية فقط، فعلى الرغم من أنّ عملية التحمّض تحدث في عموم محيطات العالم؛ إلّا أنّ نسبتها تتغير وفقًا لكيمياء المياه بشكل واسع من مكان لآخر متأثّرة بالتّلوث والمواد العضوية الموجودة في المياه وغير ذلك من العوامل الإقليمية. ويعني ذلك: أن ليس من الضرورة أن تصل جميع الشِّعْب المرجانية إلى نقطة التّحول في نفس الوقت، إلّا أنّ العديد منها في طريقها لملاقاة مصير التآكل في هذا القرن وفقًا للدّراسة.
إضافةً لهذه الدراسة وجد بحث آخر أُجري في 2016م شارك فيه لانغدون Langdon أيضًا أنّ أجزاءً من الشِّعْب المرجانية في فلوريدا (ثالث أكبر نظام بيئي لحواجز الشِّعْب المرجانية في العالم) تتعرّض للتآكل خاصّة في أشهر الشتاء والخريف. وذكر لانغدون أنّ جهود الرصد الأخيرة تشير إلى أنّ العمليّة لا تزال قائمة ومن الممكن أن تطال شِّعْب مرجانيّة أخرى أكثر من ذي قبل.
إنّ سرعة تآكل الشِّعْب المرجانيّة بمجرّد بدء العملية لا تزال غير واضحة، فالعلماء بدأوا للتّو في توثيقها، ومن جهة أخرى أشار آير Eyre إلى أنّ تأثير عمليّة التآكل هذه على الشِّعْب لا يزال محل تساؤل، لكن من المرجّح أنّ الآثار الأخرى المستمرة لتغير المناخ مثل ابيضاض المرجان قد تُضعِف الشِّعْب في المستقبل وتجعلها أكثر عرضة لعملية التفكك.
وذكر آير أنّه وفي ضوء حالة عدم الوضوح هذه؛ فإنّ أفضل إجراء يتم اتخاذه هو استمرار العمل على إبطاء تحمّض المحيطات والتغير المناخي بشكل عام، قبل أن تزداد آثاره سوءًا، حيث قال: “أعتقد أنّ بيت القصيد … هو أنّنا بحاجة حقيقية لتقليل كميّة ثنائي أوكسيد الكربون التي نُدخِلها إلى الغلاف الجوي”.