هل العين مصممة؟ 2 الشبكية
هل العين مصممة؟ 2
الشبكية
___________
نكمل مع المقال الثاني من سلسلةِ العين، وكنا قد تناولنا في المقال السابق تشريح العين والبنية النسيجيَّة لأجزائها، وقلنا أننا سنخصُّ الشبكيَّة بمقالٍ منفردٍ لأهميتها. مع التجاوز في استخدام كلمة (التصميم) إِشارة للتعبير العلمي أمام خلق الله تعالى المعجز وتقديره الحكيم وصنعه المتقن
وفي هذا المقال إن شاء الله سنتكلم عن خلايا الشبكيَّة، ونستثني من ذلك المستقبلات الضوئيَّة (photoreceptors) بسبب حاجتها للوجود بمفردها في مقالٍ وحيدٍ وذلك لتعقيدها، وسنتكلم أيضاً عن الحكمة من كون شبكيّتنا مقلوبة الشكل حيث سنعطي وجهة النّظر الطبيَّة للمنشور الذي نشره الأخوة سابقًا؛ الرّابط:
https://www.facebook.com/The.Muslim.researchers/photos/a.390064377822089.1073741828.390058721155988/807283089433547?type=3
وكالعادة، نرجو متابعة الصور مع الشرح لاستيعاب الكلام.
……………
أولاً: تركيبُ الشبكية
لتعلم أن الشبكيّة تتكون بصورةٍ عامةٍ من عشر طبقاتٍ، أولها طبقةٌ غير عصبيَّةٍ تُسمى الطبقة المصطبغة (pigmented layer) والتسع الباقية مكوَّنةٌ من خلايا عصبيَّةٍ (باستثناء منطقةٍ هامةٍ جدًا هي النقرة المركزيَّة حيث تنزاح هذه الطبقات جانبيًّا لتوفير أقل حاجزٍ ممكنٍ بين الضوء والمستقبلات الضوئيَّة). [1]
تتكون الطبقة المصطبغة من الخلايا الظهاريَّة الاصطباغيَّة (pigmented epithelial cells): وتشكل هذه الخلايا طبقةً واحدةً في قعر الشبكيَّة مغطاةً بالطبقات العصبيَّة التسع وتمتلك هذه الخلايا بروزاتٍ من سطحها الخارجيّ والتي تكون مع الجزء العلويّ من الهيولى الخلويّة (cytoplasme) غنيةً بحبيبات صبغة الميلانين.
لكن ما فائدة هذه الخلايا؟
1_تمتص الضوء المتشتت والمارّ خلال الطبقات العليا من الشبكيّة لتمنع انعكاسه داخل العين والتسبب بتشويش الرؤيا.
2_ تعدُ مخزناً لفيتامين ألف (Vit A) والذي يلعبُ دوراً أساسياً في تصنيع الصبغات الضوئية (photopigments).
3_بلعمة الأجزاء المطروحة والمتجددة من المستقبلات الضوئيَّة وتكسيرها.
4_إزالة الجذور الحرّة، إضافةً لتوفير أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) للشبكيّة ومعاملات النمو (growth factors) والمعدلات المناعيَّة (imminomodulators)
مصممةٌ أم ماذا؟! [2]
وأما بالنسبة للطبقات العصبيَّة: تتكون هذه الطبقات من سبعة أنواعٍ من الخلايا، وتجنبًا للتعقيد سنكتفي بالحديث عن الخلايا فقط ونتجنب الطبقات؛ وسيكون الكلام مُبسطًا عن الأحداث التي تحصل في هذه الخلايا لنحصل في النهاية على صورة.[3]
* وهذه الخلايا تتشابك فيما بينها (وهو ضروريٌّ، وستدرك ذلك في الفقرة التالية) وحسب التسلسل الآتي:
إذ إن أول خليةٍ في هذه السلسلة هي المستقبلات الضوئيّة، وتكون مشابك (synaps) مع الخلية التالية (مع الخلية ثنائية القطب) والتي تكوِّن مشابكًا مع الخليّة العقديّة (ganglion cell) وهي الخلية الأخيرة. [4]
وتوجد كذلك الخلايا الأفقيّة (horizontal cell) وهي خلايا يُعتقد أنها تكوّن مشابِكًا بين مستقبلٍ وآخر أو المستقبلات والخلايا ثنائية القطب أو تصلهما معًا. [5]
ويشابهها في ذلك الخلايا عديمة المحوار (amacrine cell) إذ إنها تكوّن مشابكًا مع الخلايا العقدية وثنائيّة القطب ومع بعضها.[6]
…………
ثانيا: طريقة العمل؛ وصول الضوء والتعامل معه (حيث يحدث تشفيرها ويتم التعامل مع تلك الشيفرات):
حينما يضرب الضوء المستقبلات العصبيّة والموجودة في الطبقة الداخليّة من الطبقات التسعة والمغطاة بثماني طبقاتٍ فوقها تحصل مجموعةٌ من العمليات داخل المستقبل تكون نتيجتها حصول تغيُّراتٍ في إفراز المستقبل النواقل العصبيّة تؤدي إما لتنشيط الخلية ثنائيّة القطب أو تثبيطها.[7]
بعد أن ينتقل الإيعاز للخلية ثنائيّة القطب ذات الثلاثة عشر نوعًا -والتي وصفتها مجلة نيتشر بأنها المبنى الرئيسيّ للإبصار- تقوم هذه الخلايا بترميز خصائص الإيعاز وترتيبها مثل التباين والتكوين اللونيّ والمدة الزمنيّة. (خلايا مصممةٌ أم لا!) [8]
لكن في مرحلة انتقال الإيعاز من المستقبل للخلية ثنائيّة القطب تعمل الخلايا الأفقيّة كمنظم سيرٍ، حيث إنها تمتلك خاصيّة التثبيط وهي بصورةٍ عامةٍ لا تزال وظيفتها مجهولةً ولكن يُعتقَد أن سبب تثبيط المستقبل لبعض الخلايا الثنائيّة هو أن الإيعاز ينتقل للخليّة الأفقيّة أولًا فتتنشط وتنقله بصورةٍ مثبطةٍ للخلية الثنائيّة.[9]
والآن وبعد أن تنتهي الخلية الثنائيّة من ترميز الإيعاز تقوم بنقله للخلية العقديّة ذات العشرين نوعًا، والتي تختلف باختلاف تخصصها؛ فمنها مثلًا لنقل الرؤية اللونيّة أو الرؤية البسيطة في الظلام أو التغيرات السريعة في المشهد والتي بدورها تنقلها عن طريق محوارها إلى الدماغ. (آلاتٌ مصممةٌ)[10]
وكما في الخلية الأفقيّة فتوجد لدينا هنا الخلايا عديمة المحوار ذات الثلاثين نوعًا والتي تربط بين الخلايا ثنائيّة القطب وبين الخلايا العقدية، كما وترتبط مع بعضها؛ أما عن وظيفتها هنا فهي -بصورةٍ عامةٍ- تحليل الإيعاز قبل خروجه من الشبكيّة كما ويحصل فيها أكبر معالجةٍ للإيعاز تقريبًا داخل الشبكيّة.[11]
ويجب التنبيه هنا إلى أن الشبكيّة تُقسَّم عن طريق الخلايا العقديّة إلى ما يسمى المجالات الاستقباليّة (receptive fields)، إذ إن كل خليةٍ منها تستقبل إيعازاتٍ من مجاميع من المستقبلات الضوئيّة والتي تمثل المجال الاستقباليّ للخليّة، وهي ظاهرةٌ أساسيَّةٌ لإعطاء صورةٍ واضحة المعالم.[12]
ثالثا: أسئلة لابد منها
أ_ قد يطرء على بالك سؤالٌ؛ وهو: تمت تغطية مستقبلات الشبكيّة بطبقات خلايا ستشتت الضوء؛ فكيف يصل الضوء لها وكل هذه الطبقات فوقها؟!
وهنا يسعدني أن أقول لك أن الأمر ليس اعتباطيًا؛ إذ إن العين تحوي الخلية السابعة؛ وهي خلية مولر (muller cell) وهي خلايا الدبق العصبي لشبكيّة العين وتمتد الخلية الواحدة على معظم الطبقات العصبيّة؛
ما يهمنا من وضائفها هو عملها كليفٍ بصريٍّ (أشبه بكابل الإنترنت الضوئيّ) إذ إن نهايتها المطلة على الجسم الزجاجي ذات شكلٍ قمعيٍّ، ونواتها جانبيَّةٌ خارجةٌ عن محورها حيث إنها تقوم باستلام الضوء وتوزيعه على المستقبلات الضوئيّة إذ إنها تعمل عمل “البكسل” حيث إن كلّ خلية مولرٍ تأخذ جزءًا من الصورة وتوصله لمستقبلٍ واحدٍ من المستقبلات المخروطيّة أو عدة مستقبلاتٍ من المستقبلات العصويّة؛ كما أن معاملات الانكسار التي بين الجسم الزجاجيّ والنهاية القريبة منه والتي تستلم الضوء وبين النهاية الأُخرى القريبة من المستقبلات وبين المستقبلات نفسها والأنسجة المحيطة بها كلها مرتبةٌ بترتيبٍ دقيقٍ يُعطي أفضل كفاءةٍ ممكنةٍ للعمل.
انظر للصورة A و B وهما صورتان حقيقيتان لمقطعٍ من الشبكيّة أُضيء بشعاع ليزرٍ.
في الصورة A سُلط الليزر على النهاية القمعيّة لخلية مولر (النجمة البيضاء تمثل موقع الخليّة) ونلاحظ فيها الضوء الأخضر وصل للناحية الأُخرى من الشبكيّة بدون تشتتٍ.
أما في الصورة B عند تحريك الليزر بضع مايكرومترات عن قمع خلية مولر فنلاحظ تشتتًا ملحوظًا للضوء الأخضر على طول خط سقوطه.
أما إن أردت المزيد فمن وظائف خلايا مولر:
– تعمل على الحفاظ على اتزان الشبكيّة عن طريق العمل كوسيطٍ لنقل الماء والشوارد بين الخلايا وتحافظ على المكونات الخارج خلويةٍ في حالةٍ قليلة التناضح (hypoosmotic) ما يجعل الأعصاب تعمل بكفاءةٍ أكثر.
– تعمل كوسادة اصطدامٍ للشبكيّة في حالة الصدمات.
– توفر مضادات أكسدةٍ ودعمًا غذائيًّا.
– تعمل على تقوية الحاجز الدمويّ الشبكيّ (blood-retinal barrier) الذي يحدد المواد التي تنتقل من الدم للشبكيّة.
– تعمل على امتصاص النواقل العصبيّة فور انتهاء وظيفتها لمنعها من إعطاء إيعازاتٍ غير مرغوبٍ فيها.[13]
ب_ ومع انتهاء مقالنا عن الشبكيّة سنسأل سؤالا؛ لم شبكيتنا مقلوبةٌ؟ أليس من الأفضل أن تكون المستقبلات في وجه الضوء وليست مغطاةً بطبقاتٍ عصبيةٍ؟
حسنا؛ ليس تمامًا؛ حيث نُشرت دراسةٌ عام 2009 غيرت هذا المفهوم، بدايةً لمعرفة الحكمة من ذلك يجب علينا استيعاب نقطةٍ وهي أن من خواص العين أن المستقبل كلما ابتعد عن العدسة كان تركيز الصورة أفضل وحصلنا على صورةٍ أَحَدّ؛ وبما أن حجم العين محدودٌ والشبكيّة يجب أن تحوي طبقةً عصبيَّةً ناقلةً ضمنها، والتي ستحتل حيزًا من العين؛ فنحن أمام حلين اثنين؛ أولهما تكبير حجم العين في حالة جعل الخليّة العصبيّة خلف المستقبلات لإلغاء الحيز الذي ستحتله هذه الطبقة؛ وقد قلنا أن العين حجمها ثابتٌ؛ إذن هذا لا يحصل؛ أو أن نجعل المستقبلات مباشرةً على الجدار ونغطيها بالطبقة العصبيّة فتأخذ المستقبلات مكانها المناسب؛ وهذا ما حصل فعلًا، وقد ذكرت الدراسة أن انقلاب الشبكيّة وفّر مساحةً تقدر ب11.3% من حجم العين (العجيب أن التطوريين كانوا يرون هذا الانقلاب عيبًا في العين يلجؤون إليه لتجاهل التصميم؛ لكن بعدما تبين أن هذا الانقلاب مصممٌ ومقصودٌ، نسبوه إلى التطور!)[14]
حاولنا التبسيط قدر الإمكان؛ وتجنبننا بعض النقاط المعقدة، والآن سؤالي لك هل عينك مصممةٌ؟ وهل يكفيك هذا لتحمد الله على ما صنعه فيك لك
دمتم بصحةٍ وعافيةٍ #الفريق_الطبي
#الباحثون_المسلمون
______________
أعده: مصطفى حسن.
راجعه: أحمد يحيى.
قوّمه لغويًا: زين العمر