من الذي يجب أن يقدم الأدلة على فكرة “السلف المشترك العام” و”شجرة الحياة”… التطوريون أم نحن؟
من الذي يجب أن يقدم الأدلة على فكرة “السلف المشترك العام” و”شجرة الحياة”… التطوريون أم نحن؟
يدعي التطوريون على اختلاف توجهاتهم أن فكرة شجرة الحياة والسلف المشترك العام (تنحدر الكائنات جميعها من سلف مشترك واحد عن طريق التغيرات التدريجية) مسألة محسومة وعليها أطنان من الأدلة، وأن على المعترض على هذه الفكرة يجب أن يقدم انتقاداته للمجتمع العلمي!
أولًا: الذي يجب أن يقدم أي شيء للمجتمع العلمي هو من افترض الفكرة ابتداءًا؛ حيث أنَّ المنهج العلمي يحتم على من وضع فرضًا أن يقدم أدلة متناسقة وصحيحة على افتراضه لا أن يقدم فرضًا مجردًا من الأدلة ثم يطلب من المعترض الذي يطلب الدليل أن يذهب هو ويقدم دراساته… هكذا يعمل المنهج العلمي، وهكذا نعمل نحن الأكاديميين في الحقل الأكاديمي!
فهل قدم التطوريون حقًا إلى المجتمع العلمي أية أدلة متناسقة تؤيد فكرة “السلف المشترك العام” و”شجرة الحياة المزعومة”؟ تعالوا لنرى…
بدأت تلك الفكرة وتبنيها على نطاق واسع مع رسم تشارلز داروين لفكرة شجرة الحياة عام 1837م في دفتر ملاحظاته لما أسماه “شجرة الحياة” ووضع بجانبها تعليقه “أعتقد” وقد كان مفهوم الشجرة محوريًا في تفكير داروين ولذلك ظلت الشجرة هي الأيقونة الكبري في نظريته وبدونها لا يمكن إثبات أن التطور قد حدث أصلًا… وفي نفس العام، أعرب داروين عن استيائه من أن السجل الحفري لا يدعم فكرة “شجرة الحياة” ثم عوَّل على أن سجل الحفريات غير مكتمل وسيخبرنا العلم يومًا ما حين يجد كل المراحل التدريجية والحلقات الوسيطة في الشجرة. فهل تم له أو للتطوريين ما أراد؟
في الحقيقة، ومن دراسات التطوريين أنفسهم، فالسجل الحفري لا يدعم فكرة شجرة للحياة على الإطلاق، بل إن السجل الحفري أصاب التطوريين بخيبة أمل عارمة تجدها واضحة في دراساتهم وكتبهم هم منذ الستينات وإلى وقتنا هذا، فلماذا لم يقدموا هم للمجتمع العلمي الأدلة من السجل الحفري على صحة افتراضهم؟ لأنها ببساطة غير موجودة!
وسأتناول في هذا الجزء الأول من المقال غياب الأدلة على أي شجرة مزعومة للحياة من واقع السجل الأحفروي، ثم يكون الجزء الثاني إن شاء الله عن الأدلة الجزيئية، ثم تضارب تلك الدراسات مع بعضها البعض، ثم فشل النماذج الرياضية في توقع أي نموذج لتلك الشجرة المزعومة.
يقول عالم الجيولوجيا التطوري (David Kitts):
“علي الرغم من الوعد المتفائل بأن علم الحفريات سوف يقدم وسيلة لرؤية التطور، فإنه قد قدم بعض الصعوبات البغيضة للتطوريين، وأكثرها شدة هو وجود فجوات في السجل الأحفوري، فالتطور يتطلب أشكالاً وسطية بين الأنواع، وعلم الحفريات لا يوفر ذلك؛ ولذلك فان الفجوات هي سمة السجل الحفري”.(1)
ويقول عالم الأحافير الشهير (Niles Eldredge) عن السجل الأحفوري:
“نحن علماء الحفريات قلنا دائمًا أن تاريخ الحياة يدعم قصة التغير الدارويني التدريجي بتراكم التكيفات، ونحن نعلم طوال الوقت أنه لا يدعمها”. (2)
ويقول التطوري (Ronald R. West):
“على عكس ما يكتبه معظم العلماء، فان سجل الاحافير لا يدعم نظرية داروين، لأننا نستخدم تلك النظرية لتفسير السجلات الحفرية، ولذلك نحن مذنبون بالوقوع فى الاستدلال الدائري حين نقول أن السجل الأحفوري يدعم هذه النظرية”. (3)
ويقول التطوري الشهير (Ernst Mayr):
“وفقا للتطور، فإنه من المتوقع أن توثق الحفريات التغير التدريجي المطرد بين الأجداد والأحفاد (الكائنات وأسلافها) ولكن هذا خلاف ما تظهره الحفريات، وبدلًا من ذلك، وجدنا ثغرات فى كل سلاسل تطور السلالات”. (4)
ويقول عالم الأحافير الشهير (Stephen Gould):
“جميع علماء الحفريات يعلمون أن السجل الأحفوري يحتوي على القليل جدًا من الاشكال الوسيطة، والانتقال بين المجموعات الرئيسية مفاجئ وحاد على نحو مميز”. (5)
ويقول أيضاً:
“المحبط فى السجل الأحفوري أنه ليس لدينا أية أدلة تجريبية للاتجاهات المطردة في تطور معظم التغيرات المورفولوجية المعقدة”. (6)
ويقول زميله (Niles Eldredge) أيضاً:
“تنبأ داروين بأن الأجيال القادمة من علماء الحفريات من شأنها أن تملأ هذه الفجوات فى السلاسل الانتقالية من خلال البحث الدؤوب، لكن أصبح من الواضح تمامًا أن السجل الأحفوري لن يؤكد هذا الجزء من تنبؤات داروين؛ فالسجل الأحفوري يبين ببساطة أن هذا التوقع كان خاطئا”. (7)
ويقول عالم الجيولوجيا البريطاني الشهير (Georg Neville):
“لا حاجة للتحجج مجددا بفقر السجل الأحفوري؛ لأنه قد أصبح غنيا بشكل قوى، ورغم ذلك فإن سجل الحفريات لا يزال مكونًا من الفجوات” (8)
ويقول عالم الأحافير (David M. Raup):
“بدلا من رصد ظهور تدريجي للحياة، فان الجيولوجيين من زمن داروين وحتى وقتنا الحاضر وجدوا أن سجل الأحافير متفاوت للغاية وغير متسق مع النهج المفترض، حيث تظهر الأنواع فى السجل بشكل مفاجئ جدا، وتبدى درجة ضئيلة أو معدومة من التغير أثناء تواجدها في السجل الأحفوري” (9)
ويقول التطوري (Douglas J. Futuyma):
“مما لا شك فيه، فإن السجلات الأحفورية وفرت بيانات قليلة مخيبة للآمال لرسم شجرة تدريجية، ولا تزال غير قادرة على توثيق أصول العديد من المجموعات الأحيائية على الإطلاق”.(10)
هذه المشاكل والمعضلات في السجل الأحفوري الذي لا يدعم على الإطلاق فكرة “شجرة الحياة* ولا تطور الكائنات عبر “سلف مشترك واحد ولا حتى أسلاف متعددة” لخصها تقرير مجلة (New Scientist) في عددها الصادر في يناير 2009 والذي كان عنوانه (لماذا كان داروين مخطئًا بخصوص شجرة الحياة) والذي جاء فيه:
“لفترة طويلة كان الكأس المقدس للتطور هو بناء شجرة الحياة، ولكن هذا المشروع اليوم قد أصبح في حالة يرثي لها، وقد أردته الأدلة السلبية إلى جثة هامدة”. (11)
الآن، كان من المفترض أن يقدم التطوريون -لا نحن- أدلتهم إلى المجتمع العلمي التي تؤيد فكرة “شجرة الحياة” و”السلف المشترك العام” بأدلة لا تقبل الشك كما يتطلب المنهج العلمي، لكنهم بدلاً من ذلك قدموا لنا “جثة”.
المصادر:
1) Kitts, David B., 1974, Paleontology and Evolutionary Theory, Evolution, Vol. 28, No. 3 (Sep., 1974), pp. 458-472
2) Eldredge, Niles, 1985, Time Frames : Evolution of Punctuated Equilibria, Princeton University Press, pp.144
3) West, Ronald R., 1968, Paleontology and Uniformitarianism, Compass, May 1968, p. 216
4) Mayr, Ernst, 2001, What Evolution Is, p.14
5) Gould, Stephen J., 1980, The Panda’s Thumb, p. 189
6) Gould, Stephen J. and Eldredge, Niles, 1988, “Species Selection: Its Range and Power”, p. 19
7) Eldredge, Niles, 1984, The Myths of Human Evolution, pp.45-46
8 ) George, T. Neville, 1960, “Fossils in Evolutionary Perspective,” Science Progress, vol. 48, pp. 1-3
9) Raup, David M., 1979, “Conflicts Between Darwin and Paleontology,” Bulletin, Field Museum of Natural History, vol. 50, p. 23
10) Futuyma, D., 1983, Science on Trial: The Case for Evolution, p. 190-191
11) Lawton, Graham, 2009, “Why Darwin was wrong about the tree of life,” New Scientist (January 21, 2009)